ناي البرغوثي... صوت يطمح إلى أن يصبح آلة

ناي البرغوثي... صوت يطمح إلى أن يصبح آلة

08 يونيو 2022
تقدّم في حفلها المقبل أعمالاً لم تُعرض من قبل (من الفنانة)
+ الخط -

في الثاني عشر من الشهر الحالي، تحضر المغنية الفلسطينية ناي البرغوثي على خشبة مسرح "كادوغان" في لندن، لتقدّم مجموعة من الألحان والأغاني التي لم تُعرض من قبل، إلى جانب أعمال أخرى لفنانين عرب من مصر ولبنان.
بهذا المناسبة، التقت "العربي الجديد" بالفنانة. بالعودة إلى بدايتها مع الموسيقى، تقول البرغوثي: "لحنّت أول مقطوعة موسيقية، بعنوان "جنين"، وأنا في الثامنة من العمر. كانت إهداء منّي لمدينة جنين المحتلة. كان الناي وسيلتي كطفلة للتعبير عن حزني بعد المجزرة التي وقعت فيها".
عندما كانت في الرابعة، رافقت البرغوثي والدتها، صفاء، إلى تمارين الغناء في جوقة. هناك، كانت تجلس وتنصت إلى والدتها وبقية الفريق، لتستمتع بالأغاني العربية القديمة، مثل الموشحات. كما تأثّرت ناي بأختها، جنى، التي سبقتها إلى تعلّم العزف على آلة الكمان في معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى في رام الله.
في هذا السياق، تقول: "كنت أراقبها، وأرى كيف تعبّر عن نفسها من خلال الكمان. أحببت أنا أيضا أن أمتلك آلة أعبّر من خلالها عن نفسي. وبعمر السبع سنوات، التحقت بمعهد إدوارد سعيد، وبدأت أتعلم العزف على الناي".
تضيف: "فضلت الموسيقى العربية، خاصة أم كلثوم وعبد الوهاب، منذ صغري. ولطالما سمعت والدي يقول إن أغاني فيروز تحتاج إلى المزيد من النضج. مع بلوغي السابعة عشرة من العمر، بدأت أدخل عالم فيروز وأدمنه. بدأت أحلل كل نغمة وكل عُربة وكل حرف. وفهمت العبقرية والصعوبة في أغانيها".
لاحقاً، اختارت البرغوثي دراسة موسيقى الجاز، والتحقت بمدرسة جاكوبس للموسيقى: جامعة إنديانا، في الولايات المتحدة الأميركية. درست هناك لمدة عامين، ثمّ قررت الانتقال إلى "معهد أمستردام للموسيقى" في هولندا، حيث أكملت دراستها الجامعية والماجستير. وخلال دراستها الجاز، انصبّ التركيز على تكنيك الصوت الذي لا تزال تحاول تطويره، ويُعرف بالإنكليزية باسم Naistrumentation. توضح البرغوثي أنّ الكلمة تتضمن اسمها بالتداخل مع آلة. وهو عملياً تكنيك يستخدم الصوت كآلة عن طريق عُرَب مدروسة للصوت، حتى يتهيأ للمستمع أنه ينصت إلى آلة. 
توضح: "الفكرة هي ألّا أغير نبرة صوتي كي تشبه آلة موسيقية، بل مساعدتي على غناء ألحان أكثر تعقيداً، والانتقال بين الموسيقى العربية والجاز بسلاسة. وموضوع استخدام الصوت كآلة موجود في العديد من أنواع الموسيقى في العالم. لكن الاختلاف في ما أقوم به هو التركيز على العُرب المستخدمة، وطريقة تصرف الصوت من خلالها".
ألهم مغني الجاز الأميركي بوبي ماكفيرين (Bobby McFerrin)، البرغوثي يكيفية استخدام الصوت كآلة: "أتيحت لي فرصة التعرف إلى بوبي ماكفيرين في جامعة إنديانا للموسيقى. وتطرقنا خلال محاضرة معه إلى الخوف الذي يعتري الموسيقيين عادة، بسبب السعي الدائم إلى تقديم الأفضل. وصُدمت عندما قال إنه، خلال حياته وتجربته، اكتشف أن هذا التوتر والخوف وانتقاد الذات، هو نوع من الغرور عملياً. وأوضح أنّه نوع من الغرور لأننا نعتقد أن الدنيا تتمحور حول حياتنا وأخطائنا، ومن دون التفكير في الصدى الأبعد والأثر الذي نتركه في نفوس المستمعين. ألهمتني طريقة تفكيره ورحت أحاول تطبيقها في عروضي متحرّرةً من الخوف. أدركت حينها أن النجاح يكمن في صدق الأحاسيس، وليس في بلوغ الكمال. واستوعبت أن هناك عروضاً تلامس النفوس وتعيد الأمل للناس وتمنحهم معنى جديد للحياة".
تقول ناي إنّها اختبرت هذه التجربة في عرضها في عمّان في الأردن، حيث أطلقت البومها الأول: "شعرت بأنني قدمت عرضاً من قلبي، وتحديت الحالة النفسية التي كنت أعيشها، إذ تزامن العرض مع يوم استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة، التي كانت تربطني بها صداقة. كان يوما صعبا للغاية وكنت على وشك إلغاء العرض. ثمّ تراجعت، لأنّني على يقين أنّ شيرين شخص يحب الحياة والفرح، ولم يفارقني صوتها خلال العرض. فبدأته بأغنية (غاب نهار آخر)، إهداء لها. وطغى حزني على أي تفكير في الموسيقى أو العرض، فجاء الأداء حقيقياً أكثر من أي مرة سابقة".  


عن تأثير الإنترنت على عالم الموسيقى، تقول البرغوثي إن من إيجابياته أنه قدم لنا فرصاً أكبر للتواصل والتعرّف إلى موسيقيين كان يصعب الوصول إليهم، لكنّه في المقابل أتاح المجال لأي شخص أن يصبح موسيقياً، ولو ليس بالمعنى الحقيقي للكلمة: "لقد جعل الإنترنت من الأرقام همّنا الأول. وللأسف، جميعنا تورّطنا في الأمر؛ إذ أجد نفسي أجاهد لأتفادى هاجس عدد المتابعين لي"، تتابع: "معايير النجاح اليوم تتطلّب وجود فريق كبير يدعمك ويركز على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام".
أقامت البرغوثي، أخيراً، عرضاً في تونس، ضمن مشروع كبير، يتمثّل بسيكودراما موسيقية، من تأليف الموسيقي التونسي كريم ثليبي. كما قدّمت البرغوثي، قبل أيام، عرضاً في هولندا، يركّز على التواصل بين الجاز والموسيقى العربية. وتتوقع البرغوثي أن يصدر ألبومها الأول، الذي يتضمن 12 مقطوعة، في نهاية شهر يونيو/ حزيران الحالي.
يختلف طموح البرغوثي عن طموحات الكثيرين غيرها في عالم الفن، فهي لا تسعى إلى نجاح سريع ومؤقت، بل هدفها أن تترك بصمتها الخاصة في عالم الموسيقى، والموسيقى العربية بالتحديد.

المساهمون