"نايومي: في الموضة"... حياة العارضة تُمسي عملاً فنياً مفتوحاً

08 مارس 2025
المعرض مستمر حتى إبريل المقبل (ديف بينيت/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُبرز معرض "نايومي: في الموضة" في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن مسيرة نايومي كامبل كعارضة أزياء سوداء في الثمانينيات، حيث كسرت الحواجز العنصرية وتعاونت مع مصممين كبار مثل إيف سان لوران.
- يتناول المعرض الجانب الإنساني من حياتها، مسلطًا الضوء على علاقتها بالمصمم عز الدين علية ودورها في الدفاع عن المساواة، مما يعكس التزامها بتغيير معايير الجمال.
- يُقدم المعرض تجربة تفاعلية للزوار ويؤكد أن نايومي كامبل ظاهرة ثقافية تجسد تقاطع الموضة مع الفن والسياسة.

معرض "نايومي: في الموضة" (NAOMI: In Fashion) الذي يقام في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن يُعيد تعريف الزائرين بمسيرة نايومي كامبل حوّلت مهنة العارضة إلى إرثٍ ثقافي وإنساني. هذا المعرض المستمر حتى السادس من إبريل/نيسان المقبل يمثّل رحلةً عبر أربعة عقود من التحدي والتميز، ترويها نايومي كامبل، عارضة الأزياء البريطانية السوداء التي تعد اليوم واحدة من أيقونات صناعة الموضة العالمية.

وُلدت نايومي كامبل في لندن عام 1970، وبدأت مسيرتها الفنية مبكّراً مُحبّةً للرقص، إذ ظهرت في مقاطع موسيقية مع نجوم مثل بوب مارلي وفرقة "كالتشر كلوب" (Culture Club). لكن مصيرها تغير عام 1985، حين اكتشفها أحد وكلاء العارضات خلال تسوّقها مع صديقاتها. لم تكن تعلم الفتاة ذات الـ15 ربيعاً أنها ستُصبح، بعد عامين فقط، أول عارضة سوداء تُزيّن أغلفة مجلات الموضة البريطانية والأوروبية، لتكسر بذلك حواجز عنصرية ظلّت تقيد صناعة الموضة لعقود. يُعتقَد أن مصمم الأزياء الشهير، إيف سان لوران، ضغطَ بكل نفوذه من أجل نشر صورتها على غلاف النسخة الفرنسية من مجلة فوغ عام 1988. وتحمل إحدى اللافتات التي وُضعت في بداية المعرض ما قالته عنه يوماً: "بارك الله إيف"، وذكّرت قرب فستان من الريش ارتدته خلال عرضها الأول لحساب إيف سان لوران وكان لتشكيلة خريف سنة 1987 وشتائها، بأن المصمم الفرنسي "ساعد النساء ذوات البشرة الملونة حقاً وغيّر مسار مسيرتي المهنية".

يتضمن المعرض لقطات نادرة وتسجيلات تُسلط الضوء على البدايات الأولى لنايومي كامبل، ويكشف كيف تحوّلت الفتاة الهادئة إلى أيقونة في عالم الموضة، بل إلى رمز للتغيير. لم تكن مجرد جزء من موجة "السوبر مودلز" في التسعينيات، بل كانت محوراً رئيسياً لإعادة تعريف دور العارضة بوصفها شخصية مؤثرة في الثقافة الشعبية. قسم "السوبر مودل" في المعرض يسلط الضوء على تعاوناتها مع عمالقة الموضة، مثل جياني فيرساتشي وكارل لاغرفيلد وفيفيان ويستوود الذين رأوا فيها "الجسد المثالي" الذي يعكس رؤيتهم الإبداعية. الأزياء المعروضة هنا، مثل فساتين ألكسندر ماكوين الجريئة وغيرها من قطع الملابس التي يضمها المعرض، تمثّل شهادات على حقبةٍ ذهبية تحوّلت فيها عروض الأزياء إلى ما يشبه الاستعراضات المُبهرة.

لكن نايومي كامبل لم تكتفِ بمنصات الأزياء؛ فقد اقتحمت أيضاً عالم العطور والموسيقى، وواجهت التحديات بصلابةٍ نادرة. عام 1993، سقطت كامبل أمام الكاميرات خلال عرض فيفيان ويستوود بسبب كعبها العالي الذي يتجاوز الـ20 سم، لكنها نهضت بابتسامةٍ وواصلت المسير. هذه الحادثة التي يُعيد المعرض تمثيلها عبر دمية ترتدي الملابس نفسها في العرض المُشار إليه، تُلخّص فلسفتها في التعامل مع الإخفاقات المهنية التي تعرضت لها.

لا يُخفي المعرض الجانب الإنساني لنجمةٍ عُرفت بشخصيتها القوية، إذ يُخصّص قسماً لعلاقتها بالمصمم التونسي الراحل عز الدين علية الذي أطلقت عليه لقب "بابا". في هذا القسم تُعرض تصاميم علية التي صممها خصيصاً لنايومي كامبل، إلى جانب رسائل شخصية بينهما. هذه العلاقة التي بدأت منذ اللحظة التي وطئت فيها أقدام كامبل عالم الموضة في باريس، لم تكن تعاوناً فنياً فحسب، بل حملت أيضاً مشاعر أبوية دعمتها في عالمٍ كان يتسم بالقسوة مع العارضات السود. لم تكن رحلة نايومي كامبل سهلة، فقد واجهت العديد من التحديات، أبرزها التمييز العنصري في صناعة الأزياء. في الثمانينيات والتسعينيات، كان من النادر أن تحظى عارضة سوداء بفرص مساوية لنظيراتها البيض، لكنها لم تستسلم لهذا الواقع بل قاومته. منذ انضمامها إلى "تحالف الفتيات السود" عام 1989، وحتى حملاتها الأخيرة مع "تحالف التنوع"، سخَّرت نايومي كامبل جزءاً كبيراً من حياتها للدفاع عن المساواة في صناعة الموضة. يخصّص المعرض مساحةً لعرض غلاف عدد 2007 من مجلة فوغ بنسختها الإيطالية، إذ ظهرت مع عارضاتٍ سوداوات أخريات في خطوةٍ جريئة تتحدى معايير الجمال السائدة.

لا يكتفي معرض "نايومي: في الموضة" بعرض المسيرة المهنية لكامبل، بل يُشرك الزائرين في تجربة حية، فيُقدّم تسجيلاً مصوّراً لنصائح كامبل للمبتدئين، بينما يُدعى الزوار إلى تجربة المشي على منصة افتراضية لعرض الأزياء، محاكين مشيتها المميزة. أما قسم "الخلطة السحرية"، فيعرض أعمالاً فوتوغرافية التقطها كبار المصورين حول العالم لنايومي كامبل في فترات مختلفة من حياتها.

ورغم الإشادة الواسعة بالمعرض، تساءل بعض النقّاد عن جدوى تكريم عارضة أزياء في متحفٍ فني مرموق. لكن القائمين على التظاهرة يجيبون بأن كامبل ليست مجرد عارضة، بل "ظاهرة ثقافية" تجسّد تقاطع الموضة مع الفن والسياسة والهوية. حتى أخطاء نايومي كامبل مثل تأخرها الشهير عن حفل زفاف كيت موس، تُقدّم بوصفها جزءاً من سحر شخصيتها التي حوّلت حياتها إلى عملٍ فني مفتوح. ويؤكد المعرض أن نايومي كامبل لم تبنِ مجدها على جمالها فحسب، بل على إصرارها أن تكون "الأولى" في كل شيء: في كسر الحواجز وفي رفع الصوت ضد الظلم وفي تحويل مسار مهنة بأكملها. 

العام الماضي أقام متحف فيكتوريا وألبرت احتفالاً يستبق المعرض، وأثار بعض الانتقادات. لكنّ أمينة المؤسسة الثقافية، سونيت ستانفيل، ذكّرت بأن "أهمّ العارضات لسن مجرّد عارضات"، بل "هنّ مصدر للإلهام"، ولاحظت أن "قوام نايومي كامبل الذي ليس له مثيل، وتآلفها مع الكاميرا، يجعلانها من أساطير الموضة". كانت ستانفيل قد حرصت في عملية إعداد المعرض على مقابلة العارضة النجمة لساعات. ولاحظت القيّمة على المتحف أن نايومي كامبل "تتمتع بذاكرة مذهلة، إذ تتذكر مثلاً مع مَن كانت عندما ارتدت هذه القطعة أو تلك من الملابس". واختارت ستانفيل من مجموعة كامبل الشخصية إكسسوارات وصوراً وملابس، وحتى تذكرة سفر في طائرة "كونكورد" بين لندن ونيويورك. ومن المعروضات قطع مستعارة من دور الأزياء.

المساهمون