مُشاهدة سعيدة

مُشاهدة سعيدة

10 مارس 2022
Lunana: A Yak in the Classroom مرشح لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي (IMDb)
+ الخط -

لو كان بإمكاني التصويت لأفضل فيلم أجنبي في "أوسكار" هذا العام، لصوّتُ، ومن دون تردد، لفيلم Lunana: A Yak in the Classroom. لونانا قرية جبلية نائية في مملكة بوتان الصغيرة والمجهولة جنوب آسيا، عند الطرف الشرقي من جبال الهمالايا، حيث يطوقها بلدان كبيران؛ هما الهند والصين.

تعني بوتان أرض التنين، وهي مملكة دستورية صغيرة، مساحة وسكاناً. عدد سكانها لا يزيد على 700 ألف نسمة، وكانت آخر دولة في العالم دخل إليها التلفزيون والإنترنت؛ إذ سُمح بهما عام 1999. ومع ذلك، أو ربما بسبب ذلك، صُنّفت كأسعد بلد في آسيا؛ إذ تنفذ الحكومة سياسة تراعي التوازن بين عملية التحديث وحماية الثقافة والبيئة المحلية؛ فيُمنع التدخين فيها نهائياً. ولكل مواطن الحق بتملك منزل مع تأمين صحي شامل مجاناً، ولا وجود لإشارات المرور، كما يمنع إنتاج أو استيراد أي مواد كيمائية... إلخ.

يقدم الفيلم هذا البلد بطبيعته الساحرة البكر، مع إبراز ثقافة أهله الطيبين المسالمين والمهتمين بحيواناتهم، كما هو اهتمامهم بأنفسهم؛ فيغدو الثور نزيل الصف المدرسي، كما هم التلامذة الصغار، فيما الأغنية التي يتردد صداها عبر الفيلم، هو قسم الراعي أنه لن يعود إلى منزله إلا إذا عاد ثوره إليه.

قصة الفيلم عادية، وتكرّرت سابقاً في الأفلام والروايات؛ إذ يتعين على الموظف الحكومي، ومعلم المدرسة، الخدمة في قرية مغمورة ومنفصلة عن العالم؛ فيذهب إليها مكرهاً. ولكنه يتركها وقد أحبها، واكتشف فيها معاني لم تخطر له على بال.

يعيش معلم مدرسة يوجين في العاصمة تيمفو، ويحلم بالهجرة إلى أستراليا، ولكن يتعين عليه إنهاء خدمته لدى الدولة، ويكون نصيبه قرية لونانا؛ إذ يضطر للسفر إليها أولاً في حافلة، ومن ثم سيراً على الأقدام لأيام، ليجد نفسه محاطاً بقرويين مرحبين به، وأطفال متلهفين للمعرفة، وتغدو مشكلته تعلم التكيف مع الحياة البسيطة القاسية واللذيذة، بما فيها من إشعال الحطب بروث الأبقار، وانقطاع الكهرباء، فضلاً عن غياب الدفاتر والسبورة والطباشير. ينتهي الفيلم بهجرة الشاب، ولكن ذاكرته ستكون مليئة بصور الحياة في لونانا، وسينشد أغنية الثور والراعي.

مثيل هذه الأجواء، نجدها في الفيلم التركي "أراك في قلبي" (2015)، وهو من إخراج محسون قرمزي غول. ولكن، من دون الرضى والطمأنينة التي نجدها في فيلم بوتان.

ينافس فيلم Lunana: A Yak in the Classroom للمخرج باو تشوينينغ دورجي (Pawo Choyning Dorji)، مع أربعة أفلام أخرى، على جائزة أفضل فيلم أجنبي، وأرى أن أقرب فيلم للفوز بعده هو The Hand Of God للمخرج باولو سورينتينو (نتفليكس). يروي المخرج جانباً من مراهقته في مدينة نابولي في ثمانينيات القرن الماضي، التي تعيش حياتها الممتعة الرتيبة المتمحورة حول الطعام والشراب وعطلات نهاية الأسبوع في الريف، بين صخب وثرثرة ونميمة العائلة والأقارب والجيران، إلى أن يكسر روتينها تعاقد نادي نابولي مع نجم الكرة الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي يرى عشاقه أن "يد الله" هي السبب وراء هدفه الشهير على المنتخب الإنكليزي عام 1986 في نهائيات كأس العالم.

منافس قوي آخر، هو الفيلم الياباني Drive My Car من إخراج ريوسوكي هاماغوتشي، وهو مرشح لجائزة أفضل فيلم على الإطلاق، وجائزة أفضل فيلم أجنبي. تقوم حكاية الفيلم على قصة ممثل ومخرج مسرحي يعهد إليه مسرح مدينة هيروشيما تدريب مجموعة ممثلين من بلدان آسيوية مختلفة، على أداء مسرحية أنطون تشيخوف "الخال فانيا". وتدور حواراته بين أجواء المسرحية الروسية، وثقافة الحياة والموت في دول شرق آسيا.

يتقاطع الفيلم النرويجي The Worst Person In The World مع الفيلم السابق بالبحث عن معنى الحياة، إذ تبحث الشابة جولي عن تحقيق ذاتها مهنياً وعاطفياً واجتماعياً عبر أربع سنوات، بعد نيلها شهادة الثانوية ودخولها الجامعة.

ينافس الفيلم الدنماركي Flee على هذه الجائزة، وأيضاً على جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة. يتناول العمل قصة شاب أفغاني عبر رحلة حياته من كابول إلى موسكو إلى كوبنهاغن، ومن الحياة الأسرية التقليدية الأفغانية، وصولاً إلى إعلان زواجه من رجل آخر.

لا أعرف مزاج حكام الـ"أوسكار"، ولكن إن نظرنا إلى المشترك بين هذه الأفلام؛ فسنجد أنه البحث عن معنى الحياة وهدفها، لكن ضمن بيئات مختلفة يتقاسمها الآسيويون في بوتان واليابان، والأوروبيون في الدول الإسكندنافية، والإيطاليون.

المساهمون