مهرجان جرش ومشاغله

14 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 13:29 (توقيت القدس)
حفل افتتاح مهرجان جرش للثقافة والفنون، 26 يوليو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تنوع الفعاليات الثقافية: مهرجان جرش يحتفل بدورته التاسعة والثلاثين، ويقدم فعاليات متنوعة تشمل المسرح والفنون الشعبية والتشكيل والنحت والغناء، مع التركيز على التوازن بين الجوانب الثقافية والتجارية.

- ملتقى السرد العربي: يتضمن المهرجان "ملتقى السرد العربي السادس" الذي يكرم الروائي جمال ناجي ويناقش تحولات السرد العربي في العصر الرقمي، بمشاركة نقاد وروائيين من الأردن والعالم العربي.

- الرواية وتحولات الخليج: يناقش المهرجان تجارب روائية تعكس قسوة العيش في الخليج والتحولات الاجتماعية، مسلطاً الضوء على قضايا الهوية والانتماء، في محاولة لاستعادة الدور الثقافي الحقيقي للمهرجان.

 

ليس مهرجان جرش حدثاً فنياً، بل ثقافي في المقام الأول بالمعنى الشامل لمفهوم الثقافة التي تشمل الفنون أيضاً، ومنها المسرح والفنون الشعبية والتشكيل والنحت، وليس الغناء فحسب. وما يُحسب للمهرجان الذي يحتفل بدورته التاسعة والثلاثين هذا العام (23 يوليو/تموز الحالي حتى 2 أغسطس/آب المقبل) أنه جاهد طيلة عقوده الأربعة للموازنة بين ما هو تجاري يدرّ دخلاً، وما هو ثقافي محض يتطلب دعماً. وسواء أخفق في مهمته هذه في هذه الدورة أو تلك، يظل حرصه هذا محموداً رغم تراجع المهرجان لأسباب معقدة، بعضها يتعلق بدوره الوظيفي وأخرى بالتطورات في الإقليم.

تُنظم في المهرجان هذا العام عشرات الفعاليات الثقافية، في السرد والفلسفة وذاكرة المكان، إضافة إلى الشعر، ومنها "ملتقى السرد العربي السادس" الذي يحمل اسم الروائي الراحل جمال ناجي، ويقارب "تحولات السرد العربي في العصر الرقمي"، بمشاركة نقاد وروائيين أردنيين وعرب، وهو ما يذكّر بواحد من أهم الروائيين الأردنيين، من جيل الثمانينيات، الذي بدأ مسيرته الإبداعية بروايته القصيرة والبديعة "الطريق إلى بلحارث" عام 1982. والرواية نفسها تذكّر بما أصبح يُعرف بثلاثية يخلف (يحيى) وناجي (جمال) ونصر الله (إبراهيم)، وبرواياتهم "نجران تحت الصفر" (1977)، و"الطريق إلى بلحارث" (1982)، و"براري الحُمّى" (1985) توالياً. تدور الروايات الثلاث في السعودية، وتعاين قسوة العيش فيها في سبعينيات القرن المنصرم وثمانينياته، خاصة في مناطقها النائية، حيث الصحراء والموت وغياب الجدوى، وما يلفت أكثر هو أن الروايات الثلاث هي التجارب الروائية الأولى لأصحابها الذين أصبحوا أعلاماً في السرد العربي.

ولعل الثلاثة يُحيلون على نحو أو آخر، إلى غسان كنفاني وروايته القصيرة "رجال في الشمس"، حيث يموت أبطالها قبل وصولهم إلى مغتربهم الخليجي (الكويت في حالة كنفاني). كأن على أبطال روايات الثلاثة أن يعاينوا الموت نفسه ولكن بعد وصولهم، وهي ثيمة أظن أنها تنتمي إلى ماضي منطقة الخليج في أيامنا هذه، ما لا يقلل في أي حال من الأهمية الإبداعية لرواياتهم تلك، وإن أصبحت إحالتها الاجتماعية والسياسية أقرب إلى التأريخ السياسي منه إلى الواقع والراهن العربي والخليجي.

ليس من مهمة مهرجان جرش التقاط ظواهر كهذه، فهي أكاديمية ربما ومحض ثقافية أكثر منها احتفالية، وقد تكون جزءاً من مشاغل النخب الخليجية أكثر من ندوات في مهرجان جرش، فكما أنها (هذه الظواهر) ترصد معنى المنفى والمغترَب لدى الفلسطينيين، فإنها تصلح كذلك لرصد التحوّلات الاجتماعية الكبرى والدراماتيكية في الخليج، جرّاء فائض الثروة ومشاريع التحديث العملاقة التي انطوت على تعقيدات وتشوّهات بالقدر الذي انطوت فيه على إيجابيات وانتقالات ربما كانت تحتاج إلى زمن أكبر مما حدثت فيه بالفعل، بسبب الثروة وفائض الرغبة في دخول العصر من أوسع أبوابه. جزء من ذلك يتعلق أيضاً بصورة الخليج، أو الجانب الآخر، المعتم، من صورته، وهو ذو صلة بغير أبنائه ممن عاشوا فيه وقاربوه لاحقاً في كتاباتهم، من زواياهم، وهي قاسية للخليجي اليوم، وغير متخيّلة لديه، ويُساء فهمها ما لم تُدرج في سياقها الصحيح.

كان جمال ناجي، ممن قدّموا "خليجهم" في روايته الأولى، لكنه ليس الوحيد، فثمة تجارب روائية مصرية ولبنانية إلى حد كبير، خاصة أن بلاد الشام ومصر كانت خزّان العمالة العربي الأكبر لدول الخليج منذ ستينيات القرن الماضي، وكان الخليج العربي هو حلمهم الأكبر لحياة كريمة في بلدانهم-الأم، وتمتد هذه التجارب من حنان الشيخ إلى إبراهيم عبد المجيد وصنع الله إبراهيم، وصولاً إلى مكاوي سعيد (تغريدة البجعة)، وأنتجت خليجاً آخر غير الذي نعرفه في عصر الفضائيات ومولات دبي، ورصدت تحوّلات دوله ومجتمعاته من زاوية الآخر- العربي إذا صح الوصف.

ما سبق وإن أسهب بعض الشيء واستطرد، يعني أن استعادة المهرجانات دورها الثقافي الحقيقي من شأنه إثارة كثير من الأسئلة المسكوت عنها والتي أثارتها رواية ناجي المُحتفى به هذا العام في جرش، وهو ما أظن أن جرش يسعى إلى فعله أو إثارته في بعض ملتقياته هذا العام، ومنها ذاكرة المكان الأردني، والمخيمات جزء أصيل منه، والمأمول أن تكون المقاربات جذرية وليست احتفالية، بلا تابوهات كما يحدث غالباً، رغم صعوبة ذلك.

المساهمون