مهرجان تطوان للسينما: أفلام حديثة وحضور نسائي

مهرجان تطوان للسينما: أفلام حديثة وحضور نسائي

09 يونيو 2022
يشارك اللبناني إيلي داغر بفيلمه "البحر أمامكم" (باسكال لو سيغريتان/Getty)
+ الخط -

بعد دورة افتراضية، وأخرى غائبة في عامٍ آخر بسبب وباء كورونا، يُنظّم "مهرجان تطوان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط" دورته الـ27 بين 10 و17 يونيو/حزيران 2022. بعد الدورة الافتراضية، أكّد منظّمو المهرجان "أنّ الفضاء الطبيعي لعرض الأفلام (يبقى) الصالات السينمائية"، خاصةً أنّه تظاهرة ضرورية للمدينة، المشهورة بكونها سياحية، وبعمقها الثقافي وإرثها الحضاري. الاستمرار في تنظيمه يمنح أهلها فرصة التعرّف على أحدث الإنتاجات والاقتراحات الجمالية العصرية، في مجال الفن السابع، ويجعل شبابها، برأي المنظّمين، "يتحرّرون" من الأجهزة التكنولوجية وضغوطها، ويقتربون أكثر من سحر السينما، وعوالمها الجاذبة والمثيرة للتساؤلات.
هذا كلّه يتّضح من دعوة المهرجان لهم إلى المساهمة في ورشات وتكوينات ومحاضرات، "(لعلّها) تُقنعهم بأنّ السينما ليست فقط أحد أهم الفنون، لكنّها ربما تصبح، بالنسبة إليهم، اختياراً حياتياً، يوفّر لهم استقلالية مادية".

غلبة النساء

يبدو جلياً، في برمجة هذه الدورة، برئاسة الناقد السينمائي أحمد الحسني، اهتماماً خاصاً بالتجارب الأولى للمخرجين، المُنتجة في العامين الفائتين، بما تحمل من خصوصية، ورغبة في التعبير السينمائي المختلف، والبحث عن معادل بصري مغاير. مثلاً: "العالم بعدنا" (فرنسا) للودا بن صالح كازانا، "جسد ضئيل" (إنتاج مشترك بين إيطاليا وفرنسا وسلوفينيا) للورا ساماني، و"قمر أزرق" (رومانيا) لألينا غريغوري، و"شرارة برية" (إسبانيا) لأينوها رودريغز، و"بين الأمواج" (المغرب) للهادي أولاد مهنّد، و"قدحة" (تونس) لأنيس الأسود، و"البحر أمامكم" للّبناني إيلي داغر.


تهتمّ هذه الدورة بقضايا النساء، في المسابقتين الروائية والوثائقية، وقسمي "مساحة حرة" و"خفقة قلب"، بالإضافة إلى "المسابقة الفيدرالية الدولية للصحافة السينمائية (فيبريسي)". هناك عددٌ ملحوظ من أفلام مخرجات، كتواجد نساء في لجان تحكيم، وأخريات مُكرّمات.
تختلف المعالجات الفنية للأفلام التي تناقش قضايا المرأة. فبعضها يعتمد الكوميديا الساخرة، وأخرى تختار التراجيديا. وتتنوّع الأساليب أيضاً بين واقعية وفانتازيا وأسطورة. مثلاً: "جسد ضئيل" ـ الفائز بـ8 جوائز دولية بعد عرضه الدولي الأول في "أسبوع النقّاد 60"، في الدورة الـ74 (6 ـ 17 يوليو/تموز 2021) لمهرجان "كانّ" السينمائي ـ يتمتّع بلغة سينمائية قوية، تميل إلى الأسطورية، مع أحداثٍ تحصل في إيطاليا عام 1900: الشابّة أغاتا تقوم برحلة يائسة للوصول إلى ملاذ غامض، لإنقاذ روح ابنتها التي توفيت عقب ولادتها.
أما "فيرا تحلم بالبحر" (إنتاج مشترك بين كوسوفو وألبانيا ومقدونيا) لكالْترينا كْراشْنيكي (كوسوفو)، فيتناول قضية تملك النساء. تقول المخرجة: "كانت أمي فيرا في الثلاثينيات من عمرها، عندما طلّقت والدي. حاربت نظاماً قانونياً مُتأثّراً بشدّة بالتقاليد، التي تمنع المرأة من حقوق الملكية. عندما قرأتُ سيناريو "فيرا تحلم بالبحر"، انجذبت إليه. كانت قصّة فيرا مُشابهة لقصّة أمّي. خاضعة بطبيعتها، تتحدّث نيابة عن الصمّ. لكنّ انتحار زوجها ألقى بها في عالمٍ، تُستخدم فيه سمعته لسرقة مستقبل ابنتها. تكشف فيرا كوسوفو الحالية: مشروع فساد لا يرحم بعد الحرب، وإنْ تنكّر في الحداثة والتقدّم الاقتصادي، حيث تتعرّض النساء لأضرار جانبية، على طريق سريعة أخرى، قيد التنفيذ".
"شرارة برية" كوميدي، عن نساءٍ يعشن في بلدة قروية صغيرة، في حالة فتور دائمٍ. يراقبن مرور الزمن وهنّ مُنهكات بهجرة أهاليهنّ، ومنشغلات بهمومهنّ اليومية، بينما لا يحدث شيءٌ جذّاب. يحلمن بتجارب تُحرّرهنّ، وتنقلهن إلى المكان الذي عشن فيه، سابقاً، لحظات بهجة وسعادة.

سينما عربية جديدة

إلى ذلك، هناك اهتمام واضح بالسينما العربية الجديدة، في أقسام الدورة الـ27 هذه. فمن أصل 12 فيلماً في المسابقة الروائية الطويلة، هناك 5 أفلام لمخرجين عرب، أثارت صدى نقدياً، عربياً ودولياً، منها: "الغريب" للسوري أمير فخر الدين، و"أبو صدام" للمصرية نادين خان، و"صالون هدى" للفلسطيني هاني أبو أسعد. في برنامج "مساحة حرة"، يُعرض "ريش" للمصري عمر الزهيري، وفي المسابقة الوثائقية، هناك "كباتن الزعتري" للمصري علي العربي، و"في زاوية أمي" للمغربية أسماء المدير: بطاقة بريدية قديمة، تعثر عليها المدير بين أغراض أمّها، وتخصّ قرية جبلية، ستكون (البطاقة) ذريعة لمنح الحياة لحكاية لافتة للانتباه، فاسم القرية "زاوية"، غادرتها أمّها طفلةً، ولم ترجع إليها قطّ. لكنّ أسماء قرّرت العودة إلى ذلك المكان المعزول.


في المسابقة نفسها، هناك "صرّة الصيف" للمغربي سالم بلال، و"بيروت في عين العاصفة" للفلسطينية مي المصري. بذلك، يتأكد حضور لبنان المنكوب في "مهرجان تطوان"، بـ3 أفلام، آخرها "كوستا برافا" لمونية عقل، الذي يُعرض في قسم "خفقة قلب": عائلة بدري تهرب من بيروت، بعد غرقها في النفايات. تعيش في منزلها الجميل في منطقة جبلية ساحرة. هناك، كانت الحياة تمضي بهدوء ووداعة، إلى أنْ قرّرت الحكومة اللبنانية إقامة مطمر للنفايات في جوار المنزل، ما يدفع أفراد العائلة إلى عيش اختبار صعب، يمسّ مشاعرهم، وتماسك علاقاتهم وروابطهم العاطفية.

السينما المغربية وتحوّلات الخطاب النقدي

كذلك، تكشف برمجة "مهرجان تطوان" عن اهتمامٍ، ليس فقط بالمُشاهد المغربي ابن المدينة، بدمجه في نشاطاته، بل أيضاً بصُنّاع السينما المغربيين، الذين اختيرت أفلامهم في الأقسام المختلفة. خارج المسابقة، يُعرض "خريف التفاح" لمحمد مفتكر، و"زنقة كونتاكت" لإسماعيل العراقي، و4 أفلام قصيرة لعماد بادئ، بعنوان "4 فصول". هناك أيضاً "مسابقة النقّاد"، التي تحمل اسم الناقد السينمائي المغربي الراحل مصطفى المسناوي، التي تمنح جائزتها إلى فيلمٍ في المسابقة الروائية الطويلة.
في تكريمات الدورة الـ27، يحضر اسم المخرج المغربي نور الدين لخماري، الذي يصفه الناقد المغربي عبد اللطيف البازي بأنّه "يُرافع من أجل حقّ المغاربة في الجمال"، وأنّه "يتمتّع بالجماهيرية نفسها للممثلين"، لأنّه "فنان حيوي ووسيم وأنيق، منذ أفلامه القصيرة، التي أنجزها في الدنمارك، البلد الذي استضافه، والتي عبّرت عن قلق وجودي وحيرة". أضاف البازي: "منذ ذلك الحين، توقّع متتبّعوه بأنّ حضوره لن يكون عابرا". في التكريم، يُعرض فيلمان له: "زيرو" (2012)، و"كازا نيغرا" (2007).
كما تُكرَّم الممثلة البلجيكية ديبورا فرنسوا، التي اكتشفها الأخوان البلجيكيان لوك وجان ـ بيار داردن، باختيارها لتأدية دور سونيا، في "الابن" (2005)، الأم الشابة التي تثور عندما يُقرّر شريكها بيع طفلها. نال الفيلم "السعفة الذهبية" في الدورة الـ58 (11 ـ 22 مايو/أيار 2005) لمهرجان "كانّ" السينمائي. أمّا هي، فنالت جوائز عدّة، منها "سيزار" أفضل أمل نسائي (2009) عن دورها في "أول يوم في ما تبقّى من حياتك" (2008) لريمي بُزُنْسون. بمناسبة التكريم، يُعرض فيلمان لها: "شعبيٌّ" (2012) لريجيس روانْسار، و"القارة الأخرى" (2019) لرومان كوجيتوري.

المُكرّم الثالث مخرج وممثل إسباني يُدعى ألكس برينْديمول، بات أحد أيقونات المشهد السينمائي الإسباني المُعاصر. يُعرض له في التكريم "أم" (2019) لرودريغو سوروغويان.
أخيراً، تُقام ندوتان، أولى تطرح سؤال تحوّلات الخطاب النقدي، خاصة في زمن شبكات التواصل الاجتماعي، وثانية عن التراث السينمائي الوطني والمتوسطيّ، بين الذاكرة والنسيان، في زمن الرقمنة، مع طرح سؤال: "هل يكون مصير "سينما ـ البلد" أْن تُحاصر في حجرة للتوثيق فقط، أم سيُوجَّه مفهوم التراث، بمعنى الاشتغال على الترميم والحفظ، إلى أشكال تجريبية، تتطلّب عروضاً ومعارض؟" تساؤلات، مهما حاول الحاضرون تقديم اقتراحات بشأنها، تبقى أجوبتها مفتوحة على الزمن والتطوّر التكنولوجي.

المساهمون