مملكة إيلون ماسك الرقمية: ذراع شخص واحد

22 فبراير 2025
يستفيد ماسك من علاقاته الاقتصادية من "الدولة" للحفاظ على الحماية التي تمتلكها شركته (Getty
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يسعى دونالد ترامب وإيلون ماسك لتفكيك البيروقراطية في الولايات المتحدة، حيث يعمل ماسك كذراع تنفيذية لترامب، مما يركز السلطة في يد واحدة ويعزز سيطرته على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إكس".

- يستفيد ماسك من علاقاته الاقتصادية مع الحكومة الفيدرالية لدعم شركاته، مما يظهر تعاونًا بينه وبين ترامب ضد البيروقراطية، حيث يسيطر ماسك على العالم الرقمي ويمرر ترامب أوامره التنفيذية.

- يحاول ماسك بناء "ملكية رقمية" عبر منصة "إكس"، مما يهدد الصحافة ويهمش من لا يمتلك حسابًا على المنصة في المجتمع الرقمي.

"تفكيك بيروقراطية الدولة". هذه العبارة التي تطلق على جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب وذراعه اليمنى إيلون ماسك الملياردير الذي تحوّل من "يساري" يحبّ البيئة ويصنع سيارات كهربائية إلى وجه من أوجه اليمين الذي يريد محاربة "فيروس الصوابية السياسيّة".
هذا التفكيك وتسريح مئات الموظفين وتعطيل المساعدات الأميركيّة المتمثلة بـUSAID محاولة لتركيز السلطة بيد شخص واحد؛ السيد/الملك/الرئيس، أي دونالد ترامب. لكن ماسك، ضمن هذه المعادلة، يظهر كالذراع التنفيذية، ذراع الملك التي تنفّذ المهام مهما اقتضى الأمر، متجاوزاً البيروقراطية، الكلمة التي على سلبيتها هي ما تضمن وجود الدولة ورقابة السلطات بعضها على بعض. بصورة ما، العوائق في وجه قرار الرجل الواحد هي جزء من عرقلة سلطته، وعدم تركها فقط خاضعة إلى كلامه.
لكن ماسك يحاول بناء نموذج للملكية الرقمية، قادر على التحكم بأصوات الرعية (مستخدمي منصة إكس)، ليأتي (ماسك) ويحل أي مشكلة قد تطرأ بكلمة أو ضغطة زر. ونستخدم مفردة الملكية كوننا أمام مفاهيم العقارات والبضائع الرقمية، الخاصة بالعملات الرقمية وقيمتها المتزايدة، والأهم، قدرة ماسك على التحكم بسعرها بتغريدة واحدة، متيحاً المجال للربح أمام المستخدمين، وكأنهم "يعملون" في أرض "لا يمتلكونها"، إذ يقتاتون على الفتات بينما يجني هو الأرباح.
ماسك يستفيد من علاقاته الاقتصادية من "الدولة" للحفاظ على الحماية التي تمتلكها شركته، أو التمويل من الحكومة الفيدرالية، ليحول مقدرات الدولة إلى جهاز للحفاظ على "ممتلكاته" التي، وإن فقدت قيمتها، ستعوّضها الدولة بعقود تعود عليه وعلى الشركات الأصغر بالفائدة.
يبدو أننا أمام قوتين تعملان توازياً: قوة ترامب الذي يمطر وسائل الإعلام بالتصريحات والنظريات والأوامر التنفيذية التي تحاول المحاكم المحلية الوقوف في وجهها؛ وقوة ماسك، حاكم العالم الرقمي، الذي أخضع عمالقة وادي السيليكون له، أو على الأقل ضمهم إلى صفه، وهذا ما اتضح حين رأينا الحاضرين في حفل تنصيب ترامب رئيساً. هاتان القوتان تدّعيان أنهما تعملان ضد البيروقراطيّة، أي أنهما تريدان أن تُنفذ الأشياء بمجرد قولها، كما يحصل حين يغلق ماسك حساب أحدهم، من دون أي حق بالدفاع أو الصراع أو المقاومة، والذي عادة ما تقوم البيروقراطية به كون الموظفين لا يعملون وفق ولاءاتهم السياسية، بل وفق القانون والقواعد التنظيميّة.
الملكية الرقمية التي يحاول ماسك بناءها تستغل المستخدمين، تحاول تعطيل الدولة وتطبيق سرعة أداء مواقع التواصل الاجتماعي على الأجسام الإدارية، تقتات على مقومات الدولة نفسها لمراكمة الثروة، والأهم، لها آمر وناه واحد، هو صاحب المنصة إيلون ماسك، وسلطته اللامتناهية على محتواها. لكن، وهنا المفارقة، يدعو ماسك "إكس" بساحة المدينة، التي عادة ما تكون ملكيتها للدولة قائمة بسبب ضرائب الناس، أما في حالة ماسك؛ فالمستخدمون يدفعون وحقوقهم ليست مضمونة.

إن تابعنا بافتراض أن ماسك يؤسس لملكية، فلا بد له من عدو، عدو أنطولوجي يهدد سرديته، وهذا العدو واضح ومعروف، هو الصحافة، ولا نقصد فقط كيف توقفت العديد من الصحف العالمية عن نشر محتواها عبر "إكس"، بل عبر تقويض انتشار المقالات والنصوص والمحتوى، وسور هذه المملكة يتمثل بـ"إكس" نفسها؛ فإن لم تمتلك حساباً، فقد لا تصلك الأخبار. وفي بلدان أخرى، قد تجد نفسك تحت حطام منزلك، كما في قطاع غزة وجنوب لبنان، حيث تنشر أوامر الإخلاء عبر منصة إكس. بصورة ما، إن لم تكن على "إكس"، فأنت خارج "المملكة"، وحياتك قد تكون مهددة، أو تنتمي إلى تلك الفئة التي يسخر منها كثيرون بوصفها خارج وسائل التواصل الاجتماعي خوفاً من سميّتها، وهي فئة تتعرض للتهكم كونها خارج إيقاع العصر.

المساهمون