مكتبة "جيبرت جون" الباريسية تطوي صفحتها الأخيرة

مكتبة "جيبرت جون" الباريسية تطوي صفحتها الأخيرة

02 مارس 2021
لسنوات طويلة جذبت هذه المكتبة الطلاب والسياح (Getty)
+ الخط -

مع إغلاق أبواب مكتبة "جيبرت جون" Gibert Jeune، يواجه الحي اللاتيني في الدائرة الخامسة من باريس، خسارة جزء من هويته وعلامة فارقة في تاريخه. وتشهد حالياً مكتبة "جيبرت جون" لبيع الكتب الدراسية والثقافية، وكتب الأطفال والكتب المستعملة، والتي تم تأسيسها في عام 1888 على يد جوزيف جيبرت، إغلاق أربعة من فروعها. وقد شكلت هذه المكتبة جزءاً من هوية الضفة اليسرى من نهر السين في باريس، التي ترمز إلى الفن والثقافة، وتجتذب محبيها إلى حي سان ميشيل العريق. 

على ضفاف نهر السين، وليس بعيداً عن كنيسة نوتردام، التي تعرضت إلى حريق قبل قرابة عامين، يستمر سوء الطالع في تغيير ملامح هذا الحي، وبفرض بصمة معولمة على مدينة اشتهرت برفضها للتغيير بشكله المعولم الاستهلاكي. وقد تسبب الحجر الصحي، وغياب السياح والطلاب، بتعميق أزمة المكتبة المالية. 

ورغم أن جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي الناتج عنها هما السبب المباشر لإغلاقها، لكن، في الحقيقة، عانت المكتبة لسنوات من ضائقة مالية، لعدم مواكبتها لسوق البيع الإلكتروني. وفقاً لمسح حكومي أُجري في عام 2019، فإن ما يقرب من 85 في المائة من الشركات الصغيرة الفرنسية لديها مواقع ويب، إلا أن 26 في المائة فقط يقوم بالبيع فعلياً عبر الإنترنت. وقد تخطى البيع الإلكتروني قواعد التخطيط الحضري الموضوعة لمحاربة سيطرة المتاجر والعلامات التجارية الكبرى، ولمنع انتشارها في مراكز المدن. ويتعرض، حالياً، ما يصل إلى 71 موظفاً لخسارة وظائفهم نتيجة لذلك.

71 موظفّاً سيخسرون وظائفهم نتيجةً لإغلاق المكتبات

تعتبر هذه المكتبة نموذج العمل التجاري العائلي، رغم الانقسامات الحاصلة في العائلة والتي أدت في عام 1929 إلى تأسيس مكتبة "جيبرت جوزيف" كنتيجة للخلافات بين الورثة. إلا أنه قد تم لمّ شمل الأسرة في عام 2017، عندما قام جيبرت جوزيف بشراء مكتبة "جيبرت جون". حالياً، ونتيجة الضائقة المالية التي يتعرض إليها الأخ الأكبر، فُرض عليه إغلاق المكتبة.

لسنوات طويلة، جذبت هذه المكتبة الطلاب والسياح ومحبي الكتب إليها، وقد شكلت، مع مكتبة "شكسبير آند كو"، غير البعيدة عنها، حالة أغنت هوية الحي اللاتيني. كتبت السيناتورة ناتالي جولت Nathalie Goulet: "إنني أتحدث عن وقت لا يعرفه من هم دون العشرين. ذهبت لشراء كتب محددة، لكنني بقيت هناك لساعات، كما هو الحال في كهف علي بابا... لا يزال الكتاب شيئًا آخر غير الشاشة!". كما عبّر الكثيرون، عبر صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، عن تأثرهم بسبب هذا الخبر الذي اعتبروه حزيناً.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وشكل الحدث ذكرى مؤلمة للمؤثر السويسري الشهير أنيل وارتيك: "لقد وقّعت حفل كتابي في باريس في جيبرت جون!". كما قال عالم الكواكب الشهير، فرانك مارشيس: "لقد كانت مكتبة شبابي حيث اكتشفت أول كتب علمية واشتريتها. يا لها من أخبار محزنة!".

وتشهد المكتبات، بشكل عام، في السنوات الأخيرة خسارات كبرى في مواجهة شركات كبرى مثل Amazon. فليس مصير جيبرت جون هو مصير فردي؛ إذ تعرّض سابقاً كثير من المكتبات لمصير مشابه. ويقول إريك أنسو، أستاذ التاريخ في جامعة السوربون: "عندما أغلقت مكتبة بولينييه متجرها التاريخي العام الماضي، تحركت ونشرت عمودًا مع زميل، في لو فيغارو، لتسليط الضوء على الخطر الذي يلوح في الأفق، والذي زاد سوءًا بسبب الأزمة الصحية. منذ ذلك الحين، شهدنا إغلاق العديد من المكتبات الأخرى، بما في ذلك Broglie، في وسط ستراسبورغ". يضيف أنسو: "ومع ذلك، لم أكن أشك في مثل هذه النتيجة المأساوية التي واجهت مؤسسة جيبرت جون، وهي مؤسسة تقع في العاصمة ضمن الحي اللاتيني، على مرمى حجر من السوربون والقلب النابض للطباعة ودور النشر الفرنسية".
بهذا الخبر المؤسف، ينبئ المستقبل بتغيير جذري قد يلغي جزءاً من روحنا التي اعتادت على سكينة المكتبات وعلى روائح رفوفها، وممرّاتها التي تُخفي مؤلّفات ومراجع ثمينة ومهمّة.

المساهمون