مغامرة أحفورية تحت الأهرامات

03 ابريل 2025
قمّة هرم خفرع (خالد دسوقي / فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت دراسة غير محكمة جدلاً حول وجود مدينة تحت أهرامات الجيزة باستخدام تقنيات رادار جديدة، حيث اعتبرها العلماء جزءاً من نظريات المؤامرة والعلوم الزائفة، وسط انتقادات للصور المولدة بالذكاء الاصطناعي.

- أكد خبراء مثل حسين عبد البصير عدم وجود اكتشاف علمي حقيقي، مشيرين إلى أن الأمر لا يتعدى كونه خبراً من مؤتمر صحافي، بينما استمر مروجو النظريات المشكوك بها في التمسك بفكرة وجود أقوام من العمالقة.

- يُظهر الجدل تحديات المؤسسة العلمية في الحفاظ على مصداقيتها وسط انتشار المعلومات غير الموثوقة، حيث ساهمت منصات مثل "نتفليكس" في الترويج لمثل هذه النظريات.

عادت الأهرامات في الجيزة في مصر إلى الواجهة. هذه المرة ليس عبر اكتشاف قبر جديد أو تحفة أثرية، بل إثر دراسة، غير محكمة، أي نشرت من دون مراجعة الأقران، تقول بوجود مدينة كاملة تحت أهرامات الجيزة، باستخدام تقنيات رادار جديدة عبر الأقمار الصناعية. تقنيات يشكّك بها كثيرون، ما أثار سجالات حول طبيعة هذا الاكتشاف، والأهم، التشكيك بالمؤسسة العلميّة التي اتهمت بأنها تخطو وراء نظريات المؤامرة والعلوم المزيفة.
أثار الأمر جدلاً إلى حد استقبال بيرس مورغان في برنامجه مجموعة من العلماء أصحاب البودكاست لمناقشة هذا "الاكتشاف" الذي يقع على عمق 600 متر تقريباً. وانتشرت صور مولدة بالذكاء الاصطناعي له، أثارت انتقادات حول أسلوب تقديم الحقيقة العلمية، إذ شكك كثيرون بالصور وقالوا إنها مجرد محاولة للحصول على التمويل، كون الصور الأصلية لا تشبه أبداً ما نُشر عبر الذكاء الاصطناعي.
أحد رواد تقنية الرادار هذه قال ببساطة إنه من المستحيل لصور الأقمار الصناعية أن تخترق الأرض بهذا العمق، في حين أكد الآثاري المصري حسين عبد البصير أنه لا يوجد اكتشاف علميّ ولم ينشر بحث، هناك فقط خبر من مؤتمر صحافي. لكن هذا لم يمنع مروجي النظريات العلمية المشكوك بها من التمسّك بـ"الاكتشاف"، وتأكيد وجود أقوام من العمالقة هي التي بنت الأهرامات والمدينة تحتها. أقوام اندثروا منذ زمن طويل جداً ولا أثر لهم.
لكن اللافت في كل الموضوع هو الحجة التي استخدمها بيرس مورغان في سبيل التأكد من صحة الاكتشاف، إذ قال إننا نحتاج إلى إيلون ماسك آخر (أو ربما ماسك نفسه)، يمتلك حساً بالمغامرة، فكما انطلق الملياردير الأميركي إلى المريخ في سبيل استعماره، لا بد من مغامرة أحفورية وفرق بحث وتنقيب تحفر تحت الأهرامات لكشف الحقيقة، وكأننا أمام سيناريو خيال علمي، طرحه مورغان، يلعب بطولته ماسك المليونير، اليميني، القادر على كلّ شيء.

علوم وآثار
التحديثات الحية

الخيط الخفي الذي يحكم ما سبق هو المال. أحد المعلقين في لقاء مورغان قال إن الهدف من النشر في مؤتمر صحافي، وليس ضمن مجلة علمية محكمة، هو البحث عن التمويل لإنجاز البحث الميدانيّ، بالتالي نحن أمام "فخ" من أجل المال، الذي يحضر مرة أخرى حين ذُكر إيلون ماسك، وكأنه ليس رائد أعمال وحسب، بل مغامر علميّ، يتكفل بنفسه بالتجارب الكبرى ولو لم يكن المجتمع العلمي موافقاً عليها، الأمر الذي بدأ مع "تِسلا"، السيارة الإلكترونية التي أثبتت جدارتها، ثم "سبايس إكس"، ومشروع استعمار المريخ، ذاك الحلم شبه المتخيل، الذي يؤكد ماسك مراراً إمكانية تحقيقه.

ما يحصل إذن، أن المؤسسة العلمية "تتحرّر" من رصانتها وبطئها، وقدرتها على تقديم نتائج مضمونة. لعلّ الأمر بدأ مع لقاح كوفيد-19، والسرعة في تطويره، والانتقادات التي وجهت إلى المؤسسة العلمية بسببه، ليتحول النقد العلمي إلى سلطة أصحاب البودكاست الذين لا يقتصرون على الشبان الفضوليين والكوميديين، كجو روغان وشلّته، بل العلماء أنفسهم، كالذين استقبلهم بيرس مورغان في برنامجه. هكذا، أمسى "العلم" أداة للتسلية، والحديث عنه يدور في غرف الجلوس والاستديوهات المنزلية.
الترويج لهذا النوع من الاكتشافات، خصوصاً حكايات العمالقة والكائنات الفضائيّة، تبنته "نتفليكس" سابقاً، ضمن مجموعة من البرامج الوثائقية أبرزها كان Ancient Apocalypse الذي يحضر فيه غراهم هانكوك، المتهم بكونه واحداً من أبرز المروجين لنظريات "علوم الأركيولوجيا الزائفة". لكن، يبقى السؤال: هل مصدر العلم هو الشاشة والبودكاست ووثائقيات "نتفليكس"، أم الأبحاث العلمية المملة والطويلة والمليئة بالكلمات الاختصاصيّة؟

المساهمون