معارك الذكاء الاصطناعي... هدنة بين بكين وواشنطن؟

02 ديسمبر 2024
القيود الأميركية تجعل التواصل مع بكين معقداً (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اجتمع خبراء غربيون وصينيون في بكين لمناقشة الذكاء الاصطناعي، بهدف تعزيز التفاهم بين علماء الذكاء الاصطناعي من الصين والغرب، بتنظيم ستيوارت راسل.
- تتزايد المخاوف من تطور الذكاء الاصطناعي بدون ضوابط، مع قلق من استخدامات خطيرة كتطوير أسلحة سيبرانية، وسط توترات بين الولايات المتحدة والصين.
- رغم التوترات، تستمر محاولات الحوار بين البلدين، لكن العقوبات الأميركية تعقد التواصل، ويرى راسل أن العلماء يمكنهم المساهمة في حل المعضلة.

في مارس/ آذار الماضي، كان مرشد سياحي في بكين يحاول جاهداً جذب انتباه مجموعة من الزوار. لكن اهتمام هؤلاء السياح، وهم مجموعة من الخبراء الغربيين والصينيين في مجال التكنولوجيا، لم يكن منصباً على معالم قصر الصيف الإمبراطوري الرائعة، بل على مناقشة موضوع أكثر إثارة للجدل: الذكاء الاصطناعي. يقول أحد المشاركين: "شعرت بالأسف على المرشد. كنا في موقع تراث عالمي لليونسكو، لكن الجميع كانوا منشغلين بالحديث عن الذكاء الاصطناعي". وفق ما تنقل مجلة ذي إيكونوميست.
بعد أكثر من عام على إطلاق "تشات جي بي تي"، بات واضحاً أن الذكاء الاصطناعي يتقدم بسرعة لم يسبق لها مثيل، مع تنافس شركات التكنولوجيا الكبرى نحو تطوير نماذج أسرع وأذكى. إلا أن هذه الطفرة التكنولوجية لا تخلو من المخاطر، إذ يخشى العديد من الخبراء أن يؤدي غياب الضوابط الصارمة إلى استخدامات خطيرة، مثل تطوير أسلحة سيبرانية أو أمراض جديدة. ويزداد القلق مع تصاعد التوترات بين القوتين الرئيسيتين في هذا المجال، الولايات المتحدة والصين، ما يفاقم التحديات أمام أي محاولة لتنظيم هذه التكنولوجيا.
كانت الرحلة إلى قصر الصيف جزءاً من محاولة لخلق تفاهم بين مجموعة غير تقليدية من علماء وخبراء الذكاء الاصطناعي من الصين والغرب. الحدث نظمّه ستيوارت راسل، عالم الحاسوب البريطاني وأستاذ في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، الذي يُعتبر من أبرز "المتشائمين" بشأن الذكاء الاصطناعي. راسل يرى أن مخاطر الذكاء الاصطناعي تشبه مخاطر سباق التسلح النووي خلال الحرب الباردة، حيث تخشى كل من واشنطن وبكين فرض قيود على تطوير هذه التقنية خوفاً من التفوق التكنولوجي للطرف الآخر.
كان الهدف الرئيسي من المؤتمر الذي نظمه راسل هو نقاش كيفية التحكم في الذكاء الاصطناعي، قبل أن يتفلت من السيطرة، في ظل عجز العلماء عن تحديد اللحظة التي قد يتطور فيها الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة يصبح فيها خطراً على الإنسانية، وذلك لأن فهم هذه النماذج المعقدة لا يزال محدوداً.
في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، يزيد التركيز على الذكاء الاصطناعي والمنافسة التكنولوجية بين القوتين الدوليتين. ومن الواضح أن واشنطن تنظر إلى التكنولوجيا المتقدمة -بخاصة الرقائق الإلكترونية التي تعد أساسية في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي- باعتبارها سلاحاً استراتيجياً. على هذا الأساس، فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات التي تمنع الصين من الوصول إلى الرقائق المتطورة. في المقابل، كثّفت بكين جهودها لتطوير صناعتها المحلية في هذا المجال.
لكن، في ظل هذه الأجواء، تظل محاولات الحوار بين البلدين قائمة. في مايو/ أيار الماضي، اجتمع ممثلو الحكومتين في جنيف لمناقشة المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي. رغم ذلك، كانت المحادثات متوترة بسبب اعتراض الصين على العقوبات الأميركية. هذه النقاشات الرسمية غالباً ما تكون محدودة في نتائجها بسبب المشاحنات السياسية، لكن هناك مساعي أخرى لتجاوز هذه العقبات، عبر ما يُعرف بـ"المحادثات من المستوى الثاني". هذه اللقاءات تجري بين الأكاديميين والمحللين من الجانبين، من دون تدخل رسمي مباشر من الحكومات، بهدف استكشاف الأفكار بحرية أكبر. ورغم الأجواء الأكثر انفتاحاً، فإن الخلافات الجيوسياسية تظهر أيضاً في هذه اللقاءات، إذ يُطلب من المشاركين الصينيين بشكل خاص الحصول على موافقة حكومتهم قبل حضور مثل هذه الاجتماعات.

المشكلة تكمن في أن قيود العقوبات الأميركية تجعل التواصل بين الخبراء من الجانبين معقداً. العديد من المؤسسات البحثية الصينية جرى إدراجها على قوائم العقوبات الأميركية، ما يجعل من الصعب على الباحثين في واشنطن معرفة ما إذا كان يُسمح لهم بالتواصل مع نظرائهم الصينيين. على سبيل المثال، أُدرج معهد بكين للتكنولوجيا ومركز بكين للعلوم الحاسوبية ضمن الكيانات المحظورة، ما يضع قيوداً على إمكانية تبادل الأفكار بين الجانبين.
بحسب راسل، العلماء يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً في حل هذه المعضلة. هو يستند في ذلك إلى تجربة العلماء النوويين الذين ساهموا في عقد معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في الستينيات، أثناء ذروة الحرب الباردة. تلك المعاهدة استطاعت أن تنجح بفضل الجهود التي بذلها العلماء لتطوير نظام مراقبة يضمن التزام كلا الجانبين بشروط الاتفاق.
إلى جانب ذلك، تبرز أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع العلمي في تطوير فهم أفضل للذكاء الاصطناعي، وتقديم حلول عملية لضمان سلامة هذه التكنولوجيا. إلّا أنّ التحديات لا تزال قائمة، بخاصة في ظل غياب اتفاق دولي ملزم بين القوى الكبرى لتنظيم تطوير الذكاء الاصطناعي واستخدامه.

المساهمون