مصير أسانج بين يدي وزيرة الداخلية البريطانية

مصير أسانج بين يدي وزيرة الداخلية البريطانية

18 مايو 2022
وصفت ستيلا موريس تهم التجسس الموجهة إلى أسانج بأنها "اضطهاد سياسي" (جاستن تاليس/فرانس برس)
+ الخط -

على وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل اتخاذ واحد من القرارات الأهم في مسيرتها المهنية: هل ستخضع لضغوط الولايات المتحدة وتسلمها مؤسّس موقع ويكيليكس جوليان أسانج؟ هل ستتجاهل نداءات أنصار الرجل الأسترالي الذي يقيم حالياً في سجن بِلمارش اللندني شديد الحراسة وكلّ المؤسسات الصحافية والحقوقية التي ناشدتها عدم تسليمه إلى واشنطن؟ هذا ما يترقبه العالم هذا الشهر.

الثلاثاء احتشد نحو مائتي شخص من أنصار جوليان أسانج في لندن، وبينهم زوجته ستيلّا موريس التي قالت إن المحامين قدموا حججاً عدة إلى وزيرة الداخلية البريطانية، لحثها على الامتناع عن تسليمه إلى الولايات المتحدة.

وقالت ستيلّا موريس عبر موقع تويتر، قبل ساعات من الاحتجاج: "قدم محامو الدفاع المذكرات حول أسباب وجوب منع تسليم أسانج إلى واشنطن إلى وزيرة الداخلية بريتي باتيل". وأضافت في تصريحات صحافية أن مصير أسانج "بين يدي" بريتي باتيل. ووصفت تهم التجسس التي وجهتها واشنطن إلى زوجها بأنها "اضطهاد سياسي"، ورأت أن قضيته "سياسية".

أرسل قاضٍ بريطاني، في إبريل/نيسان الماضي، قرار ترحيل أسانج إلى الحكومة البريطانية، في خطوة جديدة نحو تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه اتهامات تتعلق بنشر أكثر من 700 ألف وثيقة سرية تتعلق بنشاطات عسكرية ودبلوماسية أميركية، وتحديداً في العراق وأفغانستان. والقرار الآن بيد وزيرة الداخلية، ويبدو أن محامي أسانج التزموا بالموعد النهائي اليوم الأربعاء لتقديم حججهم ضد القرار، ولا يزال بإمكانهم استئناف أي قرار بالموافقة في غضون 14 يوماً.

وأشارت رئيسة تحرير موقع ويكيليكس، كريستين هرافنسون، لوكالة فرانس برس على هامش التظاهرة، إن أسانج "عانى بما فيه الكفاية" بعد "حرمانه من حريته لأكثر من عقد". وأضافت هرافنسون: "احتشاد الأشخاص والسياسيون في أنحاء العالم كافة لدعمه قد أثلج صدره".

ويلاحق القضاء الأميركي أسانج، وهو مواطن أسترالي يبلغ 50 عاماً، بتهمة نشر أكثر من 700 ألف وثيقة سرية اعتباراً من عام 2010 تتعلق بنشاطات عسكرية ودبلوماسية أميركية، تحديداً في العراق وأفغانستان. ومن تلك الوثائق، مقطع فيديو يظهر مدنيين بينهم صحافيان من وكالة رويترز قتلا بنيران مروحية أميركية في العراق، في يوليو/تموز عام 2007.

ووجهت واشنطن إلى أسانج تهمة التجسس. وإذا حوكم في الولايات المتحدة، يواجه احتمال الحكم عليه بالسجن مدة تصل إلى 175 عاماً. وتمثل هذه القضية في رأي مؤيديه اعتداء شديد الخطورة على حرية الإعلام.

يقبع جوليان أسانج في سجن بلمارش شديد الحراسة منذ توقيفه في إبريل/نيسان عام 2019، بعدما أمضى سبع سنوات في سفارة الإكوادور في لندن، حيث لجأ إثر الإفراج عنه بكفالة. وتزوج من سجنه، في مارس/آذار، شريكته ستيلا موريس التي أنجب منها طفلين.

وانتقدت 25 منظمة حقوقية، بينها "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش"، قرار التسليم، ووصفته بأنه "تهديد خطير لحرية الصحافة في الولايات المتحدة وخارجها". ووجهت هذه المؤسسات رسالة مفتوحة، الشهر الماضي، إلى بريتي باتيل التي تلزم موافقتها للسماح بتسليم أسانج، وحثتها على "رفض طلب الحكومة الأميركية بتسليمه". وشددت المنظمات على أنّ ينبغي للوزيرة البريطانية "التصرف وفقاً لما تمليه حرية الصحافة"، ودعت إلى الإفراج الفوري عن أسانج. وحذرت من أنّ أسانج، فور وصوله إلى الولايات المتحدة، لن يكون "قادراً على الدفاع عن نفسه بشكل كافٍ" في المحكمة. ورأت أنّ "محاكمته ستشكل سابقة خطيرة يمكن تطبيقها على أي وسيلة إعلامية تنشر قصصاً تستند إلى معلومات مسربة، أو في الواقع على أي صحافي أو ناشر أو مصدر في أي مكان في العالم".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وفي الحقيقة، فإن لمخاوف هذه المؤسسات الصحافية والحقوقية أسبابها. فخلال فترة ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، طرح مسؤولون بارزون في "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية (سي آي إيه) إمكانية اختطاف وحتى اغتيال أسانج. وأفاد موقع "ياهو نيوز" الإخباري، في سبتمبر/أيلول عام 2021، بأن المناقشات حول اختطاف أو اغتيال أسانج حصلت عام 2017، حين كان يقضي عامه الخامس لاجئاً في السفارة الإكوادورية في العاصمة البريطانية لندن.

وكان مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" حينها مايك بومبيو، وكبار المسؤولين، غاضبين تحديداً من نشر "ويكيليكس" لـ"فولت 7" Vault 7، وهي سلسلة من الوثائق التي كشفت عن أدوات برمجية متطورة وتقنيات مستخدمة من قبل الوكالة، لاختراق الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة التلفزيون والسيارات المتصلة بالإنترنت، في تسريب وصف بالأكبر في تاريخها.

ونقل "ياهو نيوز" حينها عن مسؤول سابق في الأمن القومي، خلال ولاية ترامب، قوله إن بومبيو والقيادة في "وكالة الاستخبارات المركزية" كانا "منفصلين تماماً عن الواقع، لأنهما كانا محرجين بشدة بسبب (فولت 7)". وقال مسؤول سابق في مجال مكافحة الإرهاب، إن بعض المسؤولين الكبار في "سي آي إيه" وإدارة ترامب طلبوا "مخططات" و"خيارات" بشأن اغتيال أسانج.

وفي ردّه على التقرير، لم ينف بومبيو حينها أو يؤكد المزاعم الواردة. لكنه قال، لـ"ياهو نيوز"، إن مصادره "لا تملك أدنى فكرة" عن نشاطات المسؤولين في الوكالة. وأضاف: "لا أعتذر عن حقيقة سعيي والإدارة الجاد إلى التأكد من قدرتنا على حماية هذه المعلومات الحساسة، سواء من جهات إلكترونية فاعلة في روسيا، أو من الجيش الصيني، أو من أي طرف كان يحاول تسريبها".

منظمة "مراسلون بلا حدود" أصدرت وقتها بياناً، قالت فيه إنه إذا كانت هذه المزاعم، حول تهديد (وكالة الاستخبارات المركزية) الأميركية لأسانج، صحيحة، فإنها مقلقة جداً، وتؤكد على المخاطر التي يواجهها في سجنه، وهي أكبر في حال تسليمه للولايات المتحدة. وأضاف البيان أن على إدارة الرئيس الحالي جو بايدن "التصرف على الفور لتنأى بنفسها عن هذه التقارير المروعة عن تصرفات إدارة ترامب، وإغلاق القضية ضد أسانج نهائياً، والسماح بالإفراج عنه من السجن قبل حدوث أي ضرر آخر". ذكّرت "مراسلون بلا حدود" في بيانها بأنها تؤمن بأن أسانج "استُهدف لمساهماته في تغطية أخبار تهم المصلحة العامة، وأن تسليمه ومقاضاته سيمثلان ضربة خطيرة لحرية الصحافة ومستقبل الصحافة، وسيخلفان تأثيراً مخيفاً دائماً وشديداً على التقارير المتعلقة بالأمن القومي حول العالم".

وكذلك، اعتبر الأمين العام لـ"الاتحاد الدولي للصحافيين"، أنتوني بيلانجيه، أنه "إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة، فإنها ستلقي بظلالها طويلاً على كل الصحافة المستقلة، وستثبت مرة أخرى أن تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة سيعرض حياته لخطر جسيم". وأضاف "نحن ندعو إلى إجراء تحقيق كامل، ونحث السلطات البريطانية على الإفراج عنه فوراً".

وقال باري بولاك، محامي أسانج، لـ"ياهو نيوز": "بصفتي مواطناً أميركياً، أجد أنه من المشين للغاية أن تفكر حكومتنا في اختطاف أو اغتيال شخص ما، من دون أي إجراءات قضائية، لمجرد أنه نشر معلومات حقيقية". وأضاف: "آمل وأتوقع أن تنظر محاكم المملكة المتحدة في هذه المعلومات، وستعزز قرارها بعدم تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة".

ولا يمكن التعويل فعلاً على موقف إدارة بايدن الذي وصف أسانج، عام 2010، بأنه "إرهابي يتمتع بمهارات تقنية عالية"، معتبراً أنه "عرَض الأرواح للخطر، وصعّب عمل الولايات المتحدة في أنحاء العالم كافة".

 

المساهمون