استمع إلى الملخص
- خلال فترة رئاسته للرقابة في الستينيات، دعم حرية السينما المصرية، مجيزًا أفلامًا مثل "المومياء" و"شيء من الخوف"، متحديًا الرقابة الأخلاقية والسياسية.
- استمر درويش في مواجهة التحديات حتى بعد إقالته، محافظًا على مبادئه في حرية التعبير، رغم الضغوط والانتقادات، ليظل رمزًا للجرأة والإبداع.
مصطفى درويش قامة نقدية كبيرة ومثقف نادر، لم تبهره أضواء المناصب أو الجاه فيتزلف إليها كما فعل الكثيرون، بل تمسَّك بقيم الجمال في مواجهة القبح السائد، ما أوقعه في الكثير من الصدامات العنيفة والمآزق التي لا يُحسد عليها. فقصة مصطفى درويش مع منصبه الرقابي الذي تبوَّأه في ستينيات القرن المنصرم كانت خيراً على السينمائيين والمناخ الثقافي المصري عامة، فقد عاشت مصر انتعاشة سينمائية لا مثيل لها من حيث حرية المشاهدة، من دون رقابة أخلاقية أبوية من قبل الدولة متمثلة في جهاز رقابتها. إلا أن ما فعله مصطفى درويش أثناء توليه منصب رئيس الرقابة على المصنفات الفنية جلب عليه مشاكل لا حصر لها.
دافع مصطفى درويش عن "المومياء" (1969، شادي عبد السلام) وأمر بإجازته رغم الحرب الشعواء التي أثيرت ضد العمل، بدعوى أنه "فرعوني" ضد قيم القومية العربية، إلى آخر هذا الكلام الذي لولا جرأة درويش وإجازته له، لفقدت مصر فيلماً عظيماً يعدّ الآن إرثاً فنياً خالداً في ذاكرة السينما المصرية. وهو أيضاً من أجاز فيلم "شيء من الخوف" (1969، حسين كمال).
كما أجاز مجموعة أفلام أوروبية منعها رقباء سابقون، فكانت قراراته الجريئة بعرض أفلام "بلو-أب" لمايكل أنجلو أنطونيوني، و"رجل وامرأة" لكلود ليلوش، و"أقدم مهنة في التاريخ". وهذا الفيلم بالذات استُدعي بسببه إلى مجلس الأمة الذي هاج وماج من قبل "حراس الأخلاق الحميدة".
بل حدث ما هو أكثر من ذلك، فقد أجاز درويش "المتمردون" (1968، توفيق صالح ونادر جلال) رغم اعتراض شعراوي جمعة، وزير الداخلية آنذاك، بدعوى أن الفيلم نقد لاذع للتجربة الناصرية. قرار العرض تسبب في غضب جمعة الذي أمر بإقالة درويش.
وهكذا، كان درويش المِعْوَلَ الذي حطَّم تابوهات الجنس والدين والسياسة في السينما، بل وشجَّع السينمائيين على مزيد من الجرأة في تقديم أعمالهم السينمائية. كثيرة هي الصدامات العنيفة والمعارك المخيفة التي خاضها من أجل حرية التعبير سينمائياً، والتي لم تتوقف بإزاحته من منصبه رئيساً للرقابة، إذ استمر بجرأة يُحسد عليها في المواجهة والمكاشفة إلى آخر نفس في حياته.
ففي فترة حسني مبارك اتُّهمت الرقابة بازدواجية المعايير، لأنها منعت فيلم "نمس بوند" لأن بطله ضابط، وكانت وزارة الداخلية لها مآخذ على تناول الفيلم لشخصية الضابط، وفي الوقت نفسه أجازت الرقابة فيلم "هي فوضى" ليوسف شاهين.
نعم، لم يستسلم درويش، ولم يخنع، ولم يرفع الراية البيضاء كما فعل كثيرون، أسرى السلامة وطامعين في الرضا. ظل كما هو، متمسكاً بقيم الحق والخير والجمال في مشروعه الأثير، أمام قوى الظلام والقبح والشر.