مصر: "توجيهات القيادة" تهدم قصراً تاريخياً آخر

مصر: "توجيهات القيادة" تهدم قصراً تاريخياً آخر

28 اغسطس 2021
شهد القصر على مراحل هامة من تاريخ مصر الحديث (فيسبوك)
+ الخط -

"بناءً على توجيهات القيادة السياسية"، عادة ما يردد المسؤولون في مصر هذه العبارة عند اتخاذ أي قرار لهدم مبنى أثري. فتارة تكون الحجة إنشاء طريق جديد كما حدث مع عمليات إزالة منطقة جبانة المماليك في قلب القاهرة (يوليو/تموز 2020)، وتارة تكون كشف بانوراما معبد الأقصر في جنوب البلاد، من خلال تنفيذ قرار هدم قاصر توفيق باشا أندراوس التاريخي الذي يعود إلى عام 1897، وهو ما حصل قبل أيام قليلة.

إذ أنهت الأجهزة التنفيذية في الأقصر عمليات هدم قصر توفيق باشا أندراوس التاريخي، عن طريق جرافات تابعة للمحافظة، على غرار العديد من المباني والمواقع الأثرية التي سويت بالتراب تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي. فيبدو أن اهتمام النظام الحالي ينحصر بتوسيع الطرقات وبناء الجسور، ولو على حساب آثار وحضارة الدولة المصرية.

بدأت أعمال إزالة قصر أندراوس يوم الاثنين الماضي، من الأعلى إلى الأسفل، ومن الخلف إلى الأمام، حتى تمت عملية الإزالة النهائية، وتسوية القصر بالأرض كاملاً، تحت مزاعم أنه من المنشآت التي تشكل خطراً على المارة ــ على خلاف الحقيقة ــ في ضوء قرار الهدم الصادر من هيئة الآثار في الأقصر؛ استناداً إلى تقرير للجنة المنشآت الآيلة للسقوط في المحافظة. وتضمنت أعمال الهدم إزالة الأبواب والنوافذ الخشبية التي استغرقت نحو يومين، ثم هدم السور الخلفي للقصر الذي يطل على طريق الكباش داخل معبد الأقصر، وسط تشديدات أمنية واسعة النطاق، لمنع حدوث أي مناوشات بين العمال والمواطنين أثناء أعمال الإزالة، لا سيما مع الرفض الشعبي من جانب أهالي مدينة الأقصر حيال هدم القصر التاريخي.

وأثار قرار هدم قصر أندراوس حالة من الغضب بين المتخصصين في التراث والآثار، حزناً على هدم القصر الذي كان شاهداً على أحداث مهمة في تاريخ مصر، ومنها استضافة الزعيم الوفدي الراحل سعد زغلول في أثناء ثورة 1919، الذي أطلق عليه اسم "بيت الأمة" في الأقصر، وكذلك مصطفى النحاس، ومكرم عبيد، ومحمد عبده، وإمبراطور الحبشة هيلا سيلاسي؛ بدلاً من الحفاظ عليه وترميمه، بوصفه يشكل جزءاً مهماً من الذاكرة القومية للمحافظة.

وتعود محاولات هدم القصر التاريخي إلى عام 2009، حين شكلت محافظة الأقصر لجنة لفحصه، من أساتذة متخصصين في العمارة والتراث، وهي اللجنة التي أوصت بعدم الهدم، وأيدتها في ذلك لجنة مشكلة من وزير الثقافة السابق، فاروق حسني، غير أن إصرار المحافظة على الهدم دفعها لتشكيل لجنة ثالثة من مهندسين تابعين لها، وليس من المتخصصين في التراث، لتتخذ الأخيرة قراراً بهدم قصر يسى أندراوس الملاصق لقصر توفيق أندراوس.

من جهته، ادعى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، مصطفى وزيري، أن هناك بقايا أثرية لمعبد روماني أسفل قصر أندراوس، وسيتم البدء في أعمال الحفر للكشف عنها خلال الفترة المقبلة، وإعلانها للعالم أجمع؛ الأمر الذي شكك فيه العديد من المختصين، نظراً لاكتشاف بعض الآثار الرومانية في منطقة متاخمة لمعبد الأقصر، والتي استخدمها الرومان كمعسكر خلال فترة حكمهم لمصر.

وتورط نظام السيسي في هدم منشآت أثرية هامة، ومنها منطقة "جبانة المماليك" الممتدة على طريق صلاح سالم الرئيسي بالقاهرة، والمعروفة بـ"مقابر المماليك"، بما فيها من مقابر تاريخية، وآثار إسلامية، تعود إلى نحو خمسة قرون، وذلك لإنشاء طريق جديد باسم "محور الفردوس"، في إطار مخطط توسعة شبكات الطرق والجسور في العاصمة المصرية.

وعبر مصريون عن غضبهم من أعمال الهدم التي تمحي الحجر والأثر معاً، خصوصاً أن منطقة "جبانة المماليك" تدخل في نطاق القاهرة التاريخية، التي تعتبرها منظمة "اليونسكو" تراثاً عالمياً، والمسجلة منطقة حماية طبقاً للقانون رقم 119 لسنة 2008، إذ ترتبط هذه المقابر والأحواش بشخصيات تاريخية بارزة، أو ذات طراز معماري متميز، ومسجلة كتراث بموجب القانون رقم 144 لسنة 2006.

أيضاً تورط النظام المصري في عمليات إزالة حدائق المنتزه التاريخية في مدينة الإسكندرية، والتي سميت قديماً بـ"درة معالم عروس البحر المتوسط"، لما تحتويه على شواطئ رائعة، وأشجار نادرة ومعمرة، ومبان تاريخية فخمة؛ إذ أصدر السيسي قراراً جمهورياً برقم 481 لسنة 2020، بانتهاء تولي وزارة السياحة مسؤولية الإدارة والاستغلال المؤقت لمنطقة المنتزه، وتسليمها إلى رئاسة الجمهورية.

وعلى إثر قطع الأشجار المعمرة، وإزالة المساحات الخضراء في حدائق المنتزه التاريخية؛ ستكون هذه المنطقة أول مشروع سياحي ربحي يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، ويتضمن إنشاء مارينا لليخوت، وعجلة دوارة يطلق عليها "عين الإسكندرية" على غرار London Eye، بارتفاع 65 متراً، بالإضافة إلى إنشاء متحف "يخت فخر البحار" خاص بالملك الراحل فاروق الأول.

المساهمون