مسلسل معاوية: صورة التاريخ الفوتوغرافية

26 مارس 2025
لوجين اسماعيل يلعب دور معاوية (MBC)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسلسل "معاوية" يثير جدلاً بسبب تصويره غير الدقيق لشخصية معاوية بن أبي سفيان، حيث يركز على الجانب الإنساني بعيداً عن الصراعات السياسية والدينية، مما يذكر بالشخصيات الشكسبيرية.
- النقاش حول المسلسل يعكس تحديات تقديم الشخصيات التاريخية في الدراما، حيث لم يوفق في تقديم دراسة شاملة للبيئة الثقافية والاجتماعية لمعاوية، مما يترك للمشاهدين مهمة البحث عن الحقائق.
- المسلسل أغفل تأثير دمشق الثقافي على معاوية، مما يثير تساؤلات حول نقص البحث التاريخي والثقافي الذي كان يمكن أن يثري العمل.

سال حبر كثير في توصيف ونقد وانتقاد مسلسل "معاوية" المعروض في الموسم الرمضاني الحالي، ما أدى إلى اختلاط واسع وعميق في الرؤية إلى هذا العمل الدرامي المنجز بتكاليف باهظة تفوق المعتاد والمنفّذ بمهارات عربية متعددة الجنسيات، بما يشي بإجماع ما تم التوافق عليه، من ناحيتي الطرح التاريخي، وكذلك الطرح الفكري، في قضية من أعتى قضايا الفقه المختلف فيها تنظيرياً، والمختلف عليها تأريخياً؛ يشكل مؤسس الدولة الأموية، معاوية بن أبي سفيان، قطباً من قطبي ما يسمى بالفتنة، في أول انقسام فكري كبير ومعلن في الإسلام، وهنا مربط الخطورة، فهذا الشقاق لما يزل مستمراً وربما بانحياز أشد، بسبب تطور وسائل الاتصالات التي تُستخدم بسهولة لتسويق الانحياز وتبريره، أو ما يمكن تسميته بالمراوحة في المكان المعرفي، رغم مرور أجيال على التكنولوجيات المحدثة للخطاب التراثوي المبني على الانحياز التأكيدي.
وهذا يسمح لنا بالسؤال عن مسلسل مقابل يُرد فيه على هذا المسلسل، بغض النظر عن الرؤوس الحامية التي بادرت بالاحتدام مع أو ضد، بما يتفارق مع موضوعة النقد الفني لهذا العمل، وإفساح المجال للنقد المعلوماتي الذي يتداخل مع صياغته، ثم تأويله، ومن بعده التمترس وراء وجهات نظر تاريخانية، تحتاج إلى الكثير من الدراسات المعمقة في الأنثروبولوجيا تحديداً، للاطلاع على معلومات ذلك العصر ببيئته الأقرب إلى الحقيقة. عدم حصول ذلك يمنع عن العمل الصفة التاريخية، فالتأريخ المعاصر الذي يتناسب مع عصر التكنولوجيات هذا بحاجة أكيدة إلى مقاطعة ومقارنة النصوص التأريخية، للوصول إلى التوافقات والتناقضات في رواية التاريخ، وهذا صنع مفارقة بين الرؤية الأدبية ووسائل التجسيد المعاصرة من كاميرات ومونتاج وأصوات، وهو ما حاول مؤلف المسلسل، الكاتب الصحافي المصري خالد صلاح، تجاوزه، بوصفه معاوية شخصيةً درامية في تاريخ غير ممسوك بدقة، ما يذكّرنا بشخصيات شكسبيرية اخترقت الزمن إلى يومنا الحالي، بسبب علاقتها بالتركيبة الإنسانية وليس بالتاريخ. ومعاوية الشخصية المصنوعة بالتأريخ فقط لم تتوضح ولا مرة (تأريخياً) علاقته بالأنموذج الذي يمكن مقاربته درامياً شخصاً يحاور الحياة عبر معاناته القيمية.
حسم الدكتور يوسف زيدان المتخصص في التراث العربي النقاش حول صلاح الدين الأيوبي، باعتباره "بطل" فيلم "الناصر صلاح الدين" (1963، إخراج يوسف شاهين) المتمثل بالممثل المصري أحمد مظهر. وبغض النظر عن رأي زيدان بصلاح الدين التاريخي، إلا أنه ومع فصله المعرفي بين الصلاح دينين ــ التأريخي والدرامي ــ أكد التأثير المعلوماتي الكبير في المشاهدين. وهذا يعيد طرح السؤال الأساسي المسبب في صناعة الدراما: من هو صلاح الدين أو معاوية أو غيرهما من الشخصيات التاريخية؟ ويتضخم السؤال عمن هو فلان إلى كيف هو فلان. وهذا ما حاول أن يقدمه مسلسل "معاوية" الحالي، ولكنه غرق في السؤال الأول.
في السياق التاريخي للسرد (الكتابي والبصري) في هذا المسلسل، تم تجاهل الدراسة الأنثروبولوجية للبيئة التي أنبتت شخصية مثل معاوية، إذ غفل المسلسل عن الكثير من التواريخ والأحداث المفصلية في هذه السيرة، وهذا يعني إعطاء حق ترجيحها وإثباتها للمشاهدين في حال أرادوا معرفة ذلك، ولكن الأهم هو المعرفة الأنثروبولوجية المبثوثة في ثنايا المسلسل، وتحديداً في مسألتي العمارة والإكسسوار؛ فمن أين جاءت هذه الكيلومترات من الأقمشة للستائر والمفروشات والملابس؟ ويجب أن يكون هذا السؤال مهماً في خضم طرح هكذا موضوعة تاريخية تتأثر شخصياتها بمحيطها، وربما كانت دراسة بسيطة تكشف كميات القماش المنتجة في كل الشرق الأوسط آنذاك.

والأهم، أن مسلسل "معاوية" لم يتطرق إلى دمشق، التي أصبحت لاحقاً وبعد زمن طويل أموية، إلا بوصفها مكاناً جغرافياً. دمشق الشام هي مكان ثقافي لآلاف السنين قبل حضور معاوية إليها، وهذ يعني تأثيراً تربوياً عليه وعلى القادمين معه، فهي ابنة الحضارة المشرقية منذ ما قبل سومر وإلى ما بعد البيزنطيين، وهنا لا نتكلم عن أديان، بل عن حواضر معمارية وثقافية وإدارية، تستقبل الوافدين إليها بمعارف من عندها وتدمجهم في طياتها. وغريب ألا نرى للأثر الدمشقي/ الشامي تأثيراً واضحاً أو مهماً في تشكيل "سيرة" معاوية الذي يفترض أن يعرف الشام قبل توليته عليها، وهنا فخ المسألة الثقافية المطروحة في طيات هذا المسلسل، في ابتعاد واضح عن سؤال كيف هو معاوية، فالاستبدال الثقافي لا يتم بحالة عسكرية قسرية، فهل دمجت دمشق معاوية في ثقافة بلاد الشام؟ هذا السؤال بحاجة إلى معلومات بحثية تتجاوز الشعارات الجارية، وتتجاوز ثقافة القطف عبر ترديد معلومات سمعنا عنها عرضاً، أو معلومات أجمع الكثيرون على صحتها من دون تثبت أو مرجعيات، وهذا يقودنا إلى رؤية التاريخ من زاوية واحدة، يؤدي تكرارها إلى العماء المعرفي الذي هو نفسه الاكتمال المعرفي.

المساهمون