مسلسل "البطل": لماذا حدث كل ذلك؟

27 ابريل 2025
المسلسل من بطولة بسام كوسا (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اختار المخرج الليث حجو قرية جبلية قريبة من البحر والحدود اللبنانية لتصوير مسلسل "البطل"، مستندًا إلى فكرة ممدوح عدوان وسيناريو رامي كوسا، حيث يعكس المسلسل المشهد السوري بأكمله ويقدم نموذجًا للقرى المهددة بالحرب.

- يتميز المسلسل بتوظيف بصري متميز، حيث تعكس الألوان القاتمة روح الحرب والانكسار، وتغني العلاقة بين يوسف ووالده وجده عن الحاجة لمشاهد فلاش باك أو حوارات تفسيرية.

- يعتمد حجو على حركة كاميرا حية وديناميكية، مع اختيار محمود نصر لدور فرج، ويشير ظهور مجد ببدلة رسمية إلى حمله إرث والده، بينما يغدو يوسف رمزًا للامتداد، مما يجعل "البطل" دعوة لإعادة قراءة الذات والتاريخ السوري.

قرية جبلية، قريبة من البحر والحدود اللبنانية، هي المكان الافتراضي الذي اختاره المخرج السوري الليث حجو ليكون مسرحاً لحكايته ذات اللغة البصرية العالية في مسلسل "البطل"، المستند إلى فكرة للراحل ممدوح عدوان، وسيناريو وحوار رامي كوسا. يقدّم حجو عملاً متميزاً بصرياً، يتجاوز المفهوم الدرامي السائد بأن "المكان هو البطل"، ليعتمد بدلاً منه توظيفاً دقيقاً لعناصر المكان في خدمة السرد الفيلمي.
هذا المكان، رغم واقعيته الظاهرية، قد لا يكون موجوداً فعلياً: فالمناطق الجبلية القريبة من الحدود اللبنانية ليست قريبة من البحر كما يظهر في العمل، والبلدية التي تعمل فيها زوجة الشخصية الرئيسية (يوسف، يؤدي دوره بسام كوسا) لا تنطبق تماماً على الجغرافيا السورية المعروفة. كأن حجو، عبر هذا الافتراض، يخلق مكاناً رمزياً يلخّص المشهد السوري كله، قرية تصلح لأن تكون نموذجاً لكل القرى المهدّدة بالحرب، على ضوء نهايةٍ بدا أنها عُدّلت للإفادة من التحولات السياسية وسقوط النظام.
مع بداية المسلسل، خصوصاً خلال الحلقات الخمس الأولى، بدا أن الإيقاع السردي رتيب مقابل تفوق واضح للصورة. عمل حجو على توظيف البيئة المحيطة بالشخصيات جزءاً من النص البصري، في محاولة لشدّ انتباه المشاهد عبر تفاصيل المشهد أكثر من الحبكة ذاتها.
اختيارات الألوان كانت جزءاً أساسياً من بناء هذا المشهد: ألوان قاتمة تعكس روح الحرب، إذ انتقلت العتمة من الليل إلى الجدران والستائر والمنازل المهملة، كما يتجلى بوضوح في بيت أم فرج (جيانا عيد)، التي عادت في دور صغير، لكنها قدمته بحرفية عالية أبرزت الانكسار والخوف والفقر.
والد يوسف وجده، الحاضران من خلال صورتين معلقتين على جدران البيت، كان لهما دور عميق في تشكيل شخصية يوسف، العلاقة العاطفية والرمزية التي تربطه بهما أغنت صناع العمل عن الحاجة لمشاهد فلاش باك أو حوارات تفسيرية، وظهرت جلية في تفاصيل العناية بالصور والحنين إليهما.
وفي مشهد إنقاذ الطفل أثناء حريق المدرسة، تبلغ شخصية يوسف ذروتها، حين يضحي بنفسه لينتهي به الأمر إلى الشلل، تأكيداً على انتقال الموروث القيمي من جيل إلى جيل.
اعتمد حجو حركة كاميرا حية، إذ تنتقل اللقطة بسلاسة بين الشخصيات من دون قطع، كما في مشاهد الساحة، ما منح النص البصري ديناميكية واقعية، تعكس حياة قرية يعيش سكانها بتقاطع مصائر غير معلن، والمكان هو الرابط الخفي بين هذه القصص.
لعل النص كان يحتمل اختيار ممثل أقل شهرة لدور فرج، لكن اختيار محمود نصر كشف مبكراً عن أهمية هذه الشخصية، ما جعل الجمهور يتوقع امتداد دوره وتأثيره مع تصاعد الحكاية، كما أن البوستر الرسمي، والمشاهد الأولى التي كشفت مبكراً مصير يوسف (الشلل والسجن)، وجهت المتلقي إلى انتظار معرفة تفاصيل الحدث لا نتيجته.
في نهاية الحكاية، يظهر مجد (وسام رضا) مرتدياً بدلة رسمية مع نظارات، إشارةً إلى حمله إرث والده يوسف في التعليم وحماية القرية، بينما اختفت سلاف (نانسي خوري) في سرديةٍ توحي بأنها غادرت إلى مكان بعيد. الطفل يوسف الدشت، الذي احتضنه يوسف الكبير، يغدو رمزاً للامتداد، وسط مشهد يختلط فيه الحب بالعنف، كما أثار جدلاً عبر مشهد العلاقة الجسدية بين مريم (نور علي) ومروان (خالد شباط).

سينما ودراما
التحديثات الحية

منذ البداية، كان الراوي (يوسف) يفتتح الرسائل بـ"عزيزي يوسف"، ما أتاح للمتلقي أن يظن أنه يخاطب ذاته، في محاولة لإعادة تقييم الذات وسط فوضى الحرب. المفاجأة كانت أن الرسائل موجهة إلى يوسف الصغير، الحفيد، وكأنها وثيقة للأجيال القادمة، تدعوهم إلى التساؤل: لماذا حدث كل هذا؟
هكذا، يصبح "البطل"، عبر قلم رامي كوسا وعدسة الليث حجو، دعوة لإعادة قراءة الذات والتاريخ، ومراجعة التجربة السورية بكل مرارتها وأحلامها، أملاً بالخروج من الدوامة الطويلة التي لم تنتهِ بعد

المساهمون