مسلسل "أركاين"... جلسة في العالم العلوي

مسلسل "أركاين"... جلسة في العالم العلوي

26 نوفمبر 2021
ينتظر الجمهور الموسم المقبل من العمل (أركاين/فيسبوك)
+ الخط -

خلقت لعبة الفيديو،"ليغ أوف ليجيندز"، التي عملت شركة "ريوت غيمز" على إنتاجها وتطويرها منذ عام 2009، عالماً فانتازياً مثيراً تأخر استثماره درامياً وسينمائياً عقداً كاملاً، حتى أعلنت الشركة المطورة للعبة، عن مسلسل الأنيميشن "أركاين" Arcane الذي بدأ بثه على منصة "نتفليكس" خلال الشهر الحالي.

تكونت ملامح واضحة لعالم "ليغ أوف ليجيندز" الفانتازي، من خلال الفيديوهات التمهيدية التي رافقت إصدار كل شخصية جديدة، والأماكن التي شهدت المعارك بينها. مسلسل "أركاين" اختار من هذا العالم جزءاً صغيراً فقط، لمدينتين متجاورتين، تربطهما علاقة عضوية. المدينة الأولى اسمها "بيلتوفر"، وهي مدينة العلماء والتجار الأثرياء. قادة هذه المدينة حاولوا أن يكتشفوا طريقاً جديداً سهلاً لتجارتهم العالمية، عبر نفق في جبل على مقربة؛ أدى تفجير النفق إلى تدهور حال المدينة القريبة "زون"، حيث انبعثت فيها المواد الكيميائية الضارة، لتصبح هاتان المدينتان تلقبان بالعالم العلوي والعالم السفلي، نظراً للهوة الكبيرة بينهما. وفي حين كانت الصناعات التكنولوجية والفيزيائية تتطور في العالم العلوي، فإن الصناعات الكيميائية راحت تتطور في العالم السفلي، لتكتسب "زون" مع الوقت خصائصها المدمرة.

هذه الحكاية الفانتازية التي تبدو محاكاة رمزية للعلاقة بين أوروبا والدول التي استعمرتها في رحلاتها الاستكشافية لطرق التجارة العالمية، سواء طريق رأس الرجاء الصالح، أو اكتشاف الأميركيتين، هي الأرضية التي يبني عليها المسلسل حكاياته الجديدة التي أحدثت تغييرات عديدة على مصائر الشخصيات، لكنها حافظت على انتماءاتها. فعلياً، لا ينشغل المسلسل كثيراً بشرح تاريخ العلاقة بين المدينتين، وإنما يحاول أن يركز بشكل كامل على العلاقة بينهما، وانعكاساتها على الناس بعد أن اتسعت الهوة، وذلك في سياق درامي مثير، يعيد فيه المسلسل بناء روابط بين شخصيات اللعبة الأسطورية، لينجح في رسم دراما تتفوق على اللعبة وحكاياتها الأصلية بجمالها.

كما هو الحال في اللعبة، فإن شخصية "جينكس" هي الشخصية الرئيسية؛ لذلك، فإن المسلسل يتمحور حولها وحول علاقتها مع شقيقتها "في" التي ستغدو غريمتها. الحلقات الأولى ترصد لنا العلاقة بين الشقيقتين، "في" و"باودر"، قبل أن تكتسب لقبها "جينكس" الذي يرمز للنحس. فقدت الشقيقتان أبويهما في زمن الانتفاضة الأولى التي اشترك في قيادتها "فيكتور" و"سيلكو"؛ الانتفاضة التي جاءت بنتائج مدمرة جعلت "فيكتور" يتخلى عن أحلامه الثورية، ويغدر بشقيقه "سيلكو"، ليعقد سلاماً مع مدينة "بيلتوفر".

الماضي ليس سوى طيف يتجلى على مرآة يعكسها الحاضر، فالحكاية الجديدة تبدأ عندما يعود "سيلكو" ليقتل "فيكتور" وينقض عهد السلم. ومن خلال حبكة ميلودرامية، ستفترق الشقيقتان، لتذهب "في" إلى سجون "بيلتوفر"، وتبقى الصغيرة "باودر" برعاية "سيلكو"، لتغدو عندما تكبر "جينكس" بطلة مدينة "زون" الثورية الجديدة، لتشعل بحقدها الشخصي نار الحرب مجدداً.

سينما ودراما
التحديثات الحية

هذه الحكاية يوازيها صراع مختلف نوعياً في العالم العلوي، صراع بين العلماء الساسة الذين يسعون للتطور والتقدم. سينتهي الصراع بانتصار الأذكى والأجدر، أي "جيس"، ليصعد حتى يحكم مدينة "بيلتوفر"، ويجد نفسه فجأة مجبراً على اختراق قواعده الأخلاقية التي يلزم نفسه بها، ويوظف علمه في صنع الأسلحة، بدلاً من الصناعات التي تستكمل مسيرة التقدم والتحضر.

لن يستغرق الأمر طويلاً حتى يتم تقديم جميع الشخصيات وفلسفاتها المتباينة القابلة للتطور، فرغم ثقل الحوارات، فإن المسلسل يسير بإيقاع سريع قادر على جذب الانتباه في كل لحظة. فعلياً، إن العرض ممتع إلى أقصى الدرجات بكل عناصره، ابتداءً بالرسوم والألوان الداكنة التي لا تنقصها البهجة، مروراً بالأداء الصوتي والموسيقى التصويرية والأغاني التي تؤديها فرقة "إيماجين دراغونز" وستينغ ومجموعة من أفضل النجوم، لدرجة أنك ستجد نفسك تستمتع بالسماع للأغنية الافتتاحية في كل مرة بدلاً من القيام بتخطي المقدمة، وصولاً إلى الحكاية التي تتطور بسرعة كبيرة، ولتتمكن من استثمار ما يعرفه الجمهور عن تاريخ شخصيات اللعبة.

يجب أن نشير هنا إلى أن المتعة لا تقتصر على الجمهور العارف بتاريخ اللعبة والمتابع لها؛ فالعرض سيبقى ممتعاً حتى من دون فهم تاريخ المدينتين، وطبيعة العالم الفانتازي الذي يضمهما، لأنه بالأصل يركز على العلاقات الإنسانية بين شخصيات توحدها بعض الدوافع والأهداف الشمولية وتفرق بينها المشاعر، أو العكس. هذه العلاقات سنلمسها وتحرك مشاعرنا، حتى ولو كان جزءاً من اللوحة مبهماً، بل إن التركيز على الدراما العاطفية على حساب الانخراط بشرح الأفكار الفلسفية وتفسير الطبيعة وما وراءها، هو أفضل ما في المسلسل. بذلك، يكون مناسباً لمن يرغب بمتابعة عمل مشوق وممتع وحسب، من دون أن تضيع منه قيمته وأفكاره؛ إذ يختزل قتل طفل واحد وهم التفوق الحضاري، وتختزل غيرة "جينكس" مع علاقة شقيقتها المثلية وهم الوعي الثوري.

سينتهي الجزء الأول من "أركاين" بجلسة في العالم العلوي للاتفاق على عقد سلام، يمنح فيه أهالي مدينة "زون" استقلالهم. سيقطع الاجتماع صاروخ أطلقته "جينكس" فجأة؛ لتكون هذه اللقطة العبثية بمثابة إعلان حرب جديدة، ستشتعل بجزء جديد بدأ الجمهور بالسؤال عن موعده منذ الآن. الأمر الذي يمكن أن نشير إليه هنا؛ إذ أكدت الشركة المنتجة بدء عملها على الجزء الثاني، لكن موعده سيكون بعد عامين، وليس هناك أي تصريحات حول عدد الأجزاء التي ستنتج من المسلسل.

المساهمون