مسلسلات رمضان السورية: هل سقط النظام أم لم يسقط؟

21 يناير 2025
تحولت المسلسلات السورية خلال الثورة إلى نوع من أنواع الهوس الأكاديمي (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد سقوط نظام الأسد، تواجه شركات الإنتاج السورية تحديات في تصوير مسلسلات رمضان 2025، حيث يتعين عليها تعديل النصوص لتتماشى مع التغيرات السياسية، مما يثير تساؤلات حول استقبال الجمهور لهذه الأعمال.

- التناقض بين ما يُعرض على الشاشة والواقع السوري يفتح الباب أمام حرية أكبر في الصناعة التلفزيونية، مما يسمح بمنافسة عادلة بين صناع الأعمال بعد هروب رؤوس الأموال.

- موسم 2026 يمثل فرصة للتركيز على الجوانب الفنية والإنسانية في المسلسلات السورية، بعيداً عن الدعاية السياسية، مما يتطلب من المبدعين تقديم حكايات تتجاوز السياق السياسي.

أعلن عدد من شركات الإنتاج السورية العودة إلى تصوير مسلسلات رمضان 2025، بعد أن توقفت عقب سقوط النظام. بصورة ما، تمكن متابعة العمل في ظل الإدارة المؤقتة الجديدة، لكن هنا لا بد من طرح أسئلة قد تبدو ساخرة.
أغلب هذه المسلسلات كُتبت، وبعضها صُوّر، أو بدأ تصويره قبل سقوط النظام. ومع حدث جلل يمس كل السوريين متمثلاً بهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد، سنشهد عام 2025 في مسلسلات رمضان رقابة النظام السابق ومحاظيره. بصورة ما، سنشاهد ما ينتمي إلى عهد الأسد، في ظلّ شرط جديد يتمثل بغيابه.
هذه المفارقة ستتركنا أمام حيرة نقديّة. كيف سيتلقّى الجمهور هذه المسلسلات؟ وكيف ستتناولها في الصحافة؟ والأهم ما سيكون رأي الجمهور الذي يعيش مناخ الحرية الجديدة فيها؟ خصوصاً حين يشاهد في وقت فراغه ما لم يعد مقبولاً على مستوى الحكايات والرقابة.
كثير من الأسئلة والعقبات ستواجهها المسلسلات، خصوصاً تلك التي قد تجد نفسها في مواجهة شرط يهدد تماسك الحكاية فيها؛ فهل ستبث كما هي مع الإشارة، في البداية، إلى سقوط النظام؟ هل ستخضع إلى تعديل ما؟ وتلك التي تصوّر الآن، هل ستُعدّل نصوصها وحكاياتها وفقاً لما يحدث راهناً؟ نطرح هذه التساؤلات كون كثيرين يرون أن الحكم على "المنتج الجديد" لن يبدأ الآن، بل الموسم المقبل، أي رمضان 2026، أو ما قد يُصوّر ويُنتج ويُعرض بين الرمضانين.
هذا النتاج سيكون معلقاً بين زمنين، زمن الأسد البائد، وزمن الإدارة الجديدة في دمشق، لنرى أنفسنا -ربما- أمام قراءة ساخرة، كيف نصدق/ننغمس في ما نراه، بينما الشوارع نفسها تحتفل وتنعم بالحريّة بعد سقوط الأسد؟ هذا التناقض بين الشاشة والشارع لطالما كان يحكم النتاج التلفزيوني في سورية، لكن هذا التناقض سيزداد مع موسم هذا العام، خصوصاً أن الجمهور، خصوصاً السوري، لم يعد يسكت عن شيء، ولا نعلم إلى الآن ما هي مضامين هذه الحكايات الجديدة. هل ستستفزّ بسبب الرقابة الأسدية الجمهور الذي حطم كل التماثيل ومزّق كل الصور؟
ربما سيكون هذا الموسم فرصة للسوريين لتلقي المنتج التلفزيوني من دون الخوف من الرقابة المعهودة، إذ ستتكشف حقيقة الحكايات التلفزيونية التي كانت تنتج في ظل الأسد أمام الجمهور الذي لم يعد خائفاً، والذي حوّل مراكز الاعتقال والتعذيب إلى مساحات للمؤثرين (إنفلونسرز) والاستكشاف، وهذا بالضبط ما قد يفتح الباب أمام تغير عميق في هذه الصناعة التي لطالما سيطر عليها القصر الجمهوري مباشرةً، إلى حد التقاط الصور مع الممثلين في القصر الجمهوري.
هذا الموسم أيضاً قد يكون بادرة لكسر احتكار رمضان أيام بث المسلسلات، الأمر الذي مضى عليه عدة سنوات، لكنه أيضاً قد يفتح الباب أمام المنافسة العادلة بين صناع الأعمال التلفزيونيّة، خصوصاً أن رؤوس الأموال السورية ذات المال المشبوه هربت خارج سورية، أو خاضعة للعقوبات، بالتالي مال السلطة الذي كان يتحكم بالحكايات، وأحياناً باختيار الممثلين، لم يعد موجوداً، ما قد يكسر الاحتكار، ويفتح الباب أمام "الجميع" لصناعة الحكاية السوريّة.

تحولت المسلسلات السورية خلال الثورة إلى نوع من أنواع الفيتش الأكاديمي، تقرأ بوصفها منتجات دعاية صرفة، تختزل داخلها مكونات نظام الأسد. لكن ربما نحن أمام فرصة نادرة في موسم 2026 لفتح الباب أمام قراءات جمالية تبتعد عن القراءة الثقافيّة، وتقييم الحكايات ضمن الإطار الفنيّ على حساب السياسي. قراءة ربما تنبه صناع هذه المسلسلات إلى أنه لا حجة الآن سوى المهارة والصنعة والقدرة على مخاطبة مخيّلة السوريين، الذين سيضطرون هذا العام إلى مشاهدة مسلسلات عن نظام بائد، مسلسلات لم تشر إلى المقتلة السورية طوال 14 عاماً، إلا بإشارات مبطّنة. أما المسلسلات التي حاولت تناول نظام الأسد، فلم تُشر إلى العائلة صراحةً، بل خلقت عالماً مُتخيّلاً عن منظومة ما، يمكن أن تكون موجودة في أي بلد في العالم.

المساهمون