مسرحية "الطامة": ذاكرة العدوان الإسرائيلي على لبنان

07 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 07:21 (توقيت القدس)
من العرض (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- كتاب "مذكّرات النزوح في لبنان" يوثق تجارب النازحين بعد العدوان الإسرائيلي، مسلطًا الضوء على الجروح المستمرة حتى بعد العودة إلى المنازل.
- تحولت المذكرات إلى مسرحية "الطامة"، التي تمزج بين الأداء والفنون المختلفة، وتستند إلى شهادات حقيقية، لتعرض تجارب فقدان المنازل والذكريات.
- المخرج حسام دلال والكاتب حسن عقول يقدمان القصص بأمانة، مؤكدين على أهمية مواجهة الذكريات للتعافي، وتحويل المسرح إلى مساحة للذاكرة الجماعية والعزاء.

مرّ عام تقريباً على بدء العدوان الإسرائيلي الموسع على لبنان. عام من القصف الإسرائيلي، انتهى بتشريد أكثر من مليون إنسان من بيوتهم. ورغم أنّ وقف إطلاق النار لا يزال قائماً على الورق، فإن القذائف لم تتوقف، والحياة بقيت معلّقة، بعيدة عن أي عودة إلى طبيعتها.
في هذا الزمن المعلّق، جاءت محاولة فنية لتوثيق الحكاية من داخلها. بعد ستة أشهر على الهدنة، صدر كتاب "مذكّرات النزوح في لبنان"، وهو مشروع صحافي تشاركي من منظمة ذا نيو هيومانيتاريان، يقدّم شهادات حقيقية للنازحين، لا باعتباره حدثاً عابراً بل جرح مفتوح يلاحق الناس حتى بعد العودة إلى منازلهم، أو منفى داخلي للذين لم يجدوا سوى الخراب.
اليوم تنتقل هذه المذكرات إلى الخشبة عبر مسرحية "الطامة"، إنتاج مشترك مع مسرح لبن، حيث تتحوّل الشهادات إلى عرض حي وتفاعلي بالعربية. العمل يمزج بين الأداء والموسيقى الأصلية والصور والفيديو، ويكسر الجدار مع الجمهور عبر سؤال مباشر: "خبرونا قَصصكم"، لتُعاد تمثيل شهاداتهم على الفور. هنا لا يقتصر المسرح على استعادة الماضي، بل يضع الحاضرين في قلب التجربة.
المسرحية تستند إلى عشر شهادات حقيقية: أبو علي، عباس، حسن، ليو، نور، راجيدا، ريهام، روبرت، زهرا، وياسمين. وجوه مختلفة وبيوت متروكة بين الملاجئ والمدارس والبساتين وأرصفة البحر. بعضهم حمل معه ذكرى صغيرة؛ قطعة مجوهرات، أو كتاباً مقدّساً، أو كلباً أليفاً، بينما غادر آخرون خفافاً بلا شيء. بعضهم عاد، وبعضهم وجد الخراب وحده.
تبدأ المسرحية بقصة عروس ضاع زفافها تحت القصف، وتنتهي عند ارتباط عاطفي بـ"السيد حسن نصر الله" (الأمين العام لحزب الله الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/ أيلول 2024) على وقع جملة من أغنية شعبية: "عشرة قديمة ومتخاوي أنا وياه".
المخرج السوري حسام دلال، الذي تولى إخراج العمل، قال لـ"العربي الجديد": "الأصعب كان الحفاظ على إيقاع العرض ومنح كل شخصية حقها، لأنّ القصص أمانة. إعادة هذه الذاكرة هي أرشفة ومسؤولية جماعية، لنقول للعالم إنّ ما جرى قد وقع فعلاً. المواجهة مع الذكرى شرط من شروط التعافي". وأضاف أنه يأمل أن يصل العرض إلى الجنوب: "لأنّ هناك أناساً يصعب أن يأتوا إلى بيروت، ومن واجبنا أن نأخذ العمل إليهم".
أما الكاتب السوري حسن عقول، صاحب نص المسرحية، فيوضح أن الكتابة استغرقت شهراً واحداً، وتعمد خلالها نقل الشهادات كما رويت. وحين سُئل عن كتابة نص عن قصص لبنانية وهو سوري الجنسية، قال: "عندما أنظر إلى الإنسان باعتباره إنساناً، أستطيع أن أكتب عن أي مكان في العالم، بعيداً عن الأيديولوجيا والهويات".
من برعشيت، تحدثت الممثلة فرح ورداني التي أدّت دوري نور وليو: "الحرب على العاملات الأجنبيات بدأت من زمان. عنصرية على الأرض وصواريخ في السماء. في الحرب يتهمّش الجميع، لكنّ المهمّشين أصلاً يتضاعف تهميشهم".
شخصية نور تجسد عروساً ضاع زفافها المقرّر في 8 تشرين الأول تحت وابل القصف.
أما الممثل أحمد مصري من ميس الجبل، الذي عاش النزوح بنفسه، فيشارك بدور مؤثر: "ضيعتنا كلها ذهبت، ولم يرجع أحد. أجرّب أن أوصل هذا الوجع بالمسرحية"، مشيراً إلى أنه جسّد دور الكلب في أحد المشاهد: "الحرب لا ترحم بشراً أو حجراً أو حيوانات".
أما حمزة عبد الساتر من بعلبك، فجسّد شخصية عباس مع كلبه، إلى جانب أبو علي السبعيني من كفر كلا الذي خسر منزله، قائلًا: "المسرحية بالنسبة لنا عزاء جماعي. ننعى بعضنا ونشهد معاً على الخسارات".


ومن شبعا، أدت الممثلة غالية سعد شخصيتي ياسمين ورهف، وقالت: "مصيبة المشلول بالحرب أنّه لا يقدر على أن يهرب بمفرده. أحببت أن أذكّر العالم أنّه حتى لو كُتب علينا أن نكون أرقاماً، فلن نكون أرقاماً عابرة أو عادية".

وسط بكاء الجمهور واعترافاتهم، تقدّم "الطامة" نفسها مساحة للذاكرة الجماعية، ووسيلة لإبقاء قصص الحرب حيّة في الثقافة اللبنانية، بعيداً من الأرقام الباردة والتقارير الرسمية. خشبة المسرح تتحوّل هنا إلى عزاء جماعي، وشهادة مفتوحة على كارثة لم تنتهِ بعد، محاولة لصون الذاكرة ومواجهة النسيان

المساهمون