محلات الكاسيتات في دمشق تبيع البسكويت

25 ابريل 2025
محل "تسجيلات بلبل الشرق" لصاحبه محمد المصري (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مع انتشار التكنولوجيا ومنصات مثل يوتيوب، تراجعت مهنة محال أشرطة الكاسيت واستديوهات التسجيل التقليدية، مما أدى إلى إغلاق أو تحول استديوهات مثل "تسجيلات شام دان" و"صوت دمشق" و"صوت آسيا" إلى محلات تجارية أخرى.

- عثمان الحناوي، صاحب استديو "صوت آسيا"، اضطر لبيع استديوهاته التي كانت تحتوي على تسجيلات نادرة بسبب التغيرات في طرق الاستماع إلى الموسيقى، حيث أصبحت التقنيات الحديثة بديلاً للاستماع التقليدي.

- محمد المصري، المعروف بـ"أبو فريد"، يمتلك "تسجيلات بلبل الشرق"، وهو آخر محل كاسيت في دمشق، ويحتوي على أرشيف موسيقي وسينمائي ضخم يُعرف بالمكتبة الذهبية، مما يجعله مرجعًا مهمًا لتوثيق تاريخ الموسيقى والسينما.

 

التهم "يوتيوب" ملايين الأغاني ومقاطع الموسيقى، وحوّلها من أسطوانات وكاسيتات إلى محتوى سمعي بصري إلكتروني، سهّلَ الاستماع إليها وتخزينها، لكنه حرَمَ أصحابَ محال أشرطة الكاسيت من الاستمرار في مهنتهم التي باتت بحكم الزوال. هذه حال استديوهات عريقة اندثرت وتحولت إلى مطاعم أو محلات ألبسة أو لبيع البسكويت والسكاكر، مثل: "تسجيلات شام دان"، أول استديو عمِلَ على تحويل الأسطوانات إلى أشرطة ممغنطة وسيديهات ليزرية، ومحل الحواصلي الذي امتلك أندر مصنّفات الموسيقى الكلاسيكية وكان مرجعاً لطلاب المعهد العالي للموسيقى في دمشق، وصديقاً للموسيقي الراحل فاهيه تمزجيان، مقدّم برنامج "لغة العالم"، ومحل الموصللي الشهير في ساحة المحافظة مَن كان متخصصاً بأحدث الإصدارات الغنائية في الثمانينيات والتسعينيات، واستديو "صوت دمشق" في باب توما لصاحبه فاروق أوضة باشي. كذلك هي الحال مع "صوت آسيا" (من 1984 إلى 2021) لصاحبه عثمان الحناوي، شقيق المطربة ميادة الحناوي.

تحدث عثمان الحناوي إلى "العربي الجديد" عن كيفية اضطراره بيع الاستديو، وحوّله المالك الجديد إلى محل لصياغة الذهب، بعد أن كان يضم 60 تسجيلاً نادراً للملحّن بليغ حمدي، ومئاتٍ من تسجيلات السهرات الخاصة بعبد الوهاب والسنباطي وعبد الحليم ووردة الجزائرية والشحرورة صباح ووديع الصافي وشقيقتيه ميادة وفاتن الحناوي. يقول عثمان الحناوي إن "التقنيات الحديثة، مثل البلوتوث في السيارات، والميموري كارد وقوائم التخزين الإلكترونية الضخمة، قضت على شكل الاستماع التقليدي عند الناس، وجعلت مهنتنا في بئر النسيان".

أما الباحث والموثِّق محمد المصري (أبو فريد)، صاحب "تسجيلات بلبل الشرق"، آخرُ محل كاسيت في العاصمة، يروي لـ"العربي الجديد" قصته: "أنا من مواليد دمشق 1946، أملك أكبر أرشيف موسيقي وسينمائي في سورية، سميته المكتبة الذهبية، ويضمّ حوالي 15 ألف كاسيت، وأسطوانات أصلية من شركات تسجيل أغاني العمالقة، مثل بيضافون وسعادفون وغرامافون وشركة الشرق اللبنانية (أكثر من نصف مليون تسجيل موثّق) مع الأفيشات الأصلية الأولى للأفلام القديمة؛ وصور الفنانين مع أرشيف هو الأكثر دقة في تاريخ توثيق الأفلام وحفلات عمالقة الطرب المصري من الزمن الجميل، مثل أم كلثوم والسنباطي وعبد الوهاب وأسمهان ونجاة الصغيرة ومحمد عبد المطلب وكثيرين غيرهم. جمعتُ كل تفاصيل حياتهم وأسماء الممثلين الذين شاركوهم أفلامهم". يتابع: "بعض هذه المعلومات غير موجودة عند أصحابها الفنانين أو ذويهم، أو عند الموثّقين الفنيين في مصر ولبنان، كما أن إذاعة دمشق التي تمتلك نوادر ذهبية من التسجيلات كانت تعتمد على ما لديّ في التأكد من المعلومات وتدقيقها، وفي استعارة بعض النسخ الصوتية غير الموجودة لديها؛ كنا نعد برنامجاً شهيراً يومها اسمه أيام زمان، ونستضيف فيه مطربين ومطربات سوريين وعرباً، وحتى في مصر عندما حصل حريق القاهرة الشهير في الخمسينيات، واحترق أرشيف دار الأوبرا المصرية، كتبت الصحف هناك أن النسخة الأصلية الثانية من الأفلام والبوسترات ستجدونها عند السوري محمد المصري". يضيف: "لدي مثلاً 11 نسخة مختلفة من رباعيات الخيام لأم كلثوم و25 تسجيلاً لأغنية أهل الهوى، وعندي أكبر موسوعة فنية مخصصة لفريد الأطرش".

بدأ المصري شغفه هذا منذ بداية الستينيات عندما كان شاباً يذهب إلى دور العرض في دمشق، مثل سينما الزهراء وعايدة والأمير وغازي والخيام وغيرها، بمساعدة رئيس غرفة صناعة السينما في سورية، الراحل تحسين القوادري. حصل على شهادات رسمية من وزارة الإعلام ووزارة الثقافة السورية، ودروع تذكارية بالعشرات آخرها الدرع الذهبي الأول عن مجمل إنجازات حياته، من "جمعية العادات الأصيلة" لمؤسسها شيخ كار النحاسيات في دمشق الأستاذ عدنان تنبكجي. يسترجع محمد المصري ذكرياته عن الزمن الجميل حين زاره مشاهير مثل عازف الكمان وقائد فرقة صباح فخري لخمسين عاماً، ياسين العاشق، وسهيل عرفة، ونجيب السراج، ورفيق شكري ونور الهدى والمطربة كروان، وعازف البزق محمد عبد الكريم. يقول: "عرض عليّ عام 1975 رجلُ أعمالٍ من إحدى الدول العربية أن يشتري كل ما لدي، لكنني رفضت".

دلالات
المساهمون