استمع إلى الملخص
- تأثير الإضراب على الفعاليات والمواصلات البديلة: فرق موسيقية مثل كولدبلاي اضطرت لتعديل جداولها، وحذرت هيئة النقل من خدمات قليلة، مما دفع الجمهور لاستخدام الحافلات والدراجات.
- ردود فعل الجمهور وتأثير الحياة اليومية: البعض استفاد من مرونة العمل عن بُعد، بينما تستمر التوترات بين النقابات وإدارة المترو حول الأجور وساعات العمل.
تعيش مدينة لندن شللاً غير مسبوق في شبكة مترو الأنفاق، بدأ يوم الأحد الماضي ويستمر حتى صباح الجمعة 12 المقبل، بعدما أعلنت نقابة عمال النقل (RMT) إضراباً لمدة أسبوع. عشرات الآلاف من الموظفين والطلاب والسائحين وجدوا أنفسهم بلا وسيلة نقل أساسية، فيما تحوّلت الطرقات إلى ساحات ازدحام خانقة.
ورغم أنّ النزاع في جوهره نقابي يتعلق بالأجور وساعات العمل، إلا أنّ انعكاساته تجاوزت السياسة والاقتصاد، لتصل إلى قلب الحياة الثقافية والفنية. حفلات موسيقية أُعيدت جدولتها، ومسارح قلقة من المقاعد الفارغة، وجمهور محتار بين انتظار بدائل النقل أو بيع تذاكر الأمسيات التي خطط لها منذ شهور.
بحسب ما نشرته صحيفة ذا غارديان أول من أمس، اضطرت فرقة كولدبلاي إلى تعديل جدول عروضها في استاد ويمبلي، إذ أقيم عرض السابع من سبتمبر قبل يوم من موعده، وأُجّل عرض الثامن منه لأربعة أيّام. إدارة الاستاد أوضحت أنّ استيعاب أكثر من 80 ألف متفرج من دون شبكة المترو أمر "غير ممكن" أمنياً وتنظيمياً.
أما المغني الأميركي بوست مالون، فأعلن وفق ما نشرته صحيفة ذا إندبندنت بتاريخ أول من أمس، تأجيل حفلتين كانتا مقررتين يومي السابع والثامن من سبتمبر في استاد توتنهام هوتسبر إلى يومي 20 و21 من الشهر الحالي، مع منح الجمهور خيار استرداد قيمة التذاكر.
تشير وكالة رويترز في تقرير نشرته قبل يومين، إلى أنّ هذه القرارات لم تكن معزولة، بل جاءت نتيجة مباشرة لـ"شلل شبه كامل" أصاب شبكة المترو. وأوضحت الوكالة أنّ موقع هيئة النقل في لندن (TfL) تعطل صباح الاثنين الماضي بسبب الضغط الهائل من المستخدمين الباحثين عن بدائل، بينما حذّرت الهيئة من خدمات "قليلة أو معدومة" على معظم الخطوط خلال أيام الإضراب.
ربطت الصحافة البريطانية الأزمة مباشرة بالمشهد الثقافي اليومي. وذكرت سكاي نيوز أنّ الإضراب شمل أيضاً توقف خط القطارات الخفيفة (DLR) يومي الثلاثاء والخميس، ما يضاعف من صعوبة وصول الجمهور إلى قاعات مثل O2 ودوكلاندز.
أما موقع What’s on Stage المتخصص في المسرح، فنشر يوم الخامس من سبتمبر تقريراً حذّر فيه رواد مسارح ويست إند من "تأخيرات حتمية"، ودعاهم إلى الحضور مبكراً أو استخدام بدائل كالحافلات والدراجات.
ولم تقتصر الأزمة على جمهور الحفلات فقط؛ فبحسب تقرير يورونيوز في الثامن من سبتمبر 2025، امتدت إلى المسافرين عبر مطارات هيثرو ولوتون وغاتويك. وبات الوصول من وسط لندن إلى هذه المطارات مهمة شاقة من دون المترو، ما دفع المنصة إلى نشر دليل خاص للطرق البديلة.
في المقابل، بدا أنّ الإضراب كان فرصة إيجابية لبعضهم. في هذا السياق، التقت "العربي الجديد" على إحدى محطات الباص في لندن موظفة شابة تُدعى أماندا، في العشرينات من عمرها. سألناها إن كانت تنتظر الحافلة لتذهب إلى مكتبها بدل القطار اليوم، فضحكت وقالت: "لا، أنا هنا فقط لأشتري قهوتي وأعود إلى المنزل. سأعمل من البيت طوال الأسبوع".
وأضافت أماندا أن الإضراب يمثّل بالنسبة لها عذراً مثالياً كي لا تذهب إلى المكتب. قالت إنه "حجة مناسبة للعمل من المنزل، خصوصاً أن الطقس في لندن جميل هذا الأسبوع، فلا بأس من الاستفادة من الوضع".
أما فلاديمير، شاب في العشرينات أيضاً، فقال إنّه ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة قليلاً عن معظم سكان لندن الغاضبين، مشيراً إلى أنّه ينتقل حالياً إلى بيت جديد، وهذا الإضراب هو بمثابة فرصة ذهبية ليوفّق بين عمله عن بُعد ومهام النقل والتنظيم. قال: "أحياناً تأتي الإضرابات في الوقت المناسب، تعطيك مبرّراً لتأخذ الأمور برويّة، وأنا سعيد أن لدي وقتاً إضافياً لأرتّب منزلي الجديد".
هذه الأصوات تكشف وجهاً آخر للإضراب: بالنسبة إلى بعضهم، كان مناسبة لإعادة ترتيب إيقاع الحياة والاستفادة من مرونة العمل عن بُعد، في مدينة اعتادت سباق المواعيد والقطارات.
لم يقتصر تداول أنباء المترو على الصحف ووسائل الإعلام، بل امتد إلى منصّات التواصل الاجتماعي العربية في بريطانيا: بحسب منصة عرب لندن، نُشر موضوع يحذّر مستخدمي المترو من التخطيط للسفر خلال أسبوع الإضراب، مع الإشارة إلى إغلاقات مبكرة وتعطّل واسع في الشبكة وإرشادات بديلة صادرة عن هيئة النقل.
وعلى حساب "عرب لندن" في منصّة إكس، نُشرت تحديثات متتابعة تفيد بإغلاق المترو لأربعة أيام بدءاً من الاثنين نتيجة الإضراب، مع التوجيه إلى متابعة تحديثات هيئة النقل.
نشرت منصّة العرب في بريطانيا (AUK) على "إكس" تنبيهاً إلى "إضراب واسع النطاق في مترو لندن يشلّ العاصمة ويعطّل الحياة اليوميّة" مع دعوة المتابعين لاعتماد بدائل نقل خلال الأسبوع.
وبذلك، تحوّل الإضراب إلى موضوع رئيسي في النقاشات الرقمية للجاليات العربية، التي باتت تنشر خرائط بديلة وروابط لتحديثات هيئة النقل، إلى جانب مخاوف وأسئلة متكررة حول العروض الفنية ومواعيدها.
وفي حديث خاص إلى "العربي الجديد"، يوضح رئيس قسم الإعلام في نقابة سائقي القطارات (ASLEF)، كيث ريتشموند، أنّ النقابة "تستشير حالياً ممثليها بشأن العرض الذي قدّمته إدارة مترو لندن (LU) حول الأجور"، مشدّداً على أنّ النقابة لم تقبل العرض حتى الآن، لكنها أيضاً "ليست في حالة نزاع في هذه المرحلة".
يضيف ريتشموند أنّ النقابة نجحت في التوصل إلى اتفاق مهم يقضي بإدخال نظام العمل لأربعة أيام في الأسبوع لأعضائها، وذلك مقابل إدخال تقنيات جديدة وتغييرات في أنماط العمل.
يرى ريتشموند أنّ هذه الخطوة "تمثّل إنجازاً مهماً على طريق تحقيق توازن أفضل بين متطلبات العمل وحياة الأعضاء"، في وقت تتواصل التوترات في قطاع النقل مع استمرار إضراب نقابة عمال النقل (RMT).
ورغم أنّ الصورة الأوضح ظهرت في المسارح والحفلات، فإن الخلفية تبقى سياسية ونقابية. فقد أوضحت "رويترز" أنّ الخلاف يتمحور حول الأجور وضغط المناوبات وساعات العمل. النقابة تؤكد أنّ الوضع لم يعد قابلاً للاستمرار، بينما صرّحت الحكومة بحسب صحيفة ذا غارديان أنّ "اللندنيين ضاقوا ذرعاً"، ودعت إلى التوصل لتسوية سريعة بين هيئة النقل والنقابة. أمّا بالنسبة إلى الجمهور، خصوصاً جمهور الفعاليات، فكانت الأسئلة بسيطة ومباشرة: هل ستُقام الحفلة؟ وكيف يمكن الوصول إليها في ظل الطرقات المزدحمة وتكاليف سيارات الأجرة المرتفعة؟
مع استمرار الإضراب حتى صباح الجمعة المقبل، تتوقع صحف بريطانية أن يبقى الوضع على حاله، مع خدمات "معدومة أو شبه معدومة" خلال أيام الذروة. وتبقى بعض الفعاليات قائمة مثل حفلات رويال ألبرت هول، في ظلّ تحذيرات من ازدحام خانق على بدائل النقل.