متحف رفح... مساع إلى بناء ما هدمه قصف الاحتلال

05 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 06 نوفمبر 2025 - 09:27 (توقيت القدس)
كان المتحف يحتوي على أكثر من خمسة آلاف و600 قطعة (صفحة المؤسسة على فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أسست الباحثة سهيلة شاهين أول متحف للتراث الفلسطيني في رفح في ديسمبر 2022، ليكون منارة تربط الماضي بالحاضر، لكنه تعرض للقصف في أكتوبر 2023 مما أدى إلى تدميره.
- يحتوي المتحف على أكثر من 5600 قطعة تراثية، منها أثواب فلسطينية مطرزة وقطع فخارية وسيوف وعملات تاريخية، بالإضافة إلى حلي ومنتجات تراثية معاصرة.
- بدأت شاهين توثيق المقتنيات رقميًا لإطلاق المتحف افتراضيًا، وتروي علاقتها بالثوب الفلسطيني وجمعها للثياب المطرزة وتصميمها لخيام الشعر البدوية.

"سنبدأ بإعادة بناء متحف رفح من جديد". بهذه القوة والإصرار، تتحدّث الباحثة الغزية، سهيلة شاهين، التي أسست أول متحف للتراث الفلسطيني في رفح في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قصف الاحتلال المتحف، ليُدمّره، ويؤدي إلى تمزيق وتخريب مقتنياته من أثواب وقطع أثرية قديمة تعكس التراث الفلسطيني، وخاصة المتعلق بالفلاحين والبدو.
تقول شاهين، في حديث إلى "العربي الجديد": "كانت الشوارع فارغة، والناس خائفين من الخروج، وكان المتحف أول مبنى تراثي وأثري يقصفه الاحتلال في قطاع غزة. استُهدِف الجزء الغربي منه، وطاول القصف منتصف سطح المتحف مباشرة. سقطت أربعة طوابق وتدمر، وتناثرت القطع التراثية والأثرية خارج الردم، منها ما تهالك ومنها ما دُفِن تحت الركام".
كانت شاهين قد وصلت إلى المبنى رغم كل الخوف المحيط بالمكان لتتفقد أحلامها وسنوات عمرها التي كرّستها في جمع التراث وحمايته. هناك، شاهدت المقتنيات جميعها ملقاة هنا وهناك وتحت الردم، بحثت عن قطع الفخاريات الأثرية والعملات الفلسطينية القديمة والنحاسيات فلم تجدها. احترقت القشيات، واختفت العُدَد القتالية والخناجر والسيوف، حتى الخيمة التراثية التي نسجتها لم يعد لها أثر.
كانت تنظر إلى المكان وتتذكر كيف كان قبل أقل من عام، حين وافقت بلدية رفح على منحها المبنى القديم وبدأ تشييده، وساهم مجموعة من المتطوعين وأبناؤها الثلاثة الذين تخرجوا من كلية الفنون الجميلة من جامعات غزة بتنفيذ أقسام المتحف وتصميم ديكورات العرض الزجاجية، لكن الحقيقة اليوم هي أنه لم يعد هناك شيء منه.
حظيت مقتنيات المتحف الناجية من القصف، بحياة اللجوء والترحال التي فرضتها الإبادة، إذ حاولت شاهين المحافظة على ما بقي من هذه المقتنيات تحت ظروف النزوح القاسية والمفاجِئة، كانت تحرص أن ينزح معها كل شيء، لكنها بالتأكيد فقدت بعضها تحت أوامر الإخلاء التي أصدرها الاحتلال. ولم يكن هذا النزوح هو الأول لهذه الأدوات التراثية في ظل الحروب المتكررة على القطاع.
ورغم كل هذا، تحمل شاهين رؤية مؤكدة للاستمرار في تجميع القطع التراثية وبناء المتحف من جديد ليظل كما قالت: "منارة للأجيال يربط الماضي بالحاضر ومحافظاً على المخزون الثقافي للشعب الفلسطيني وشاهداً على ما ارتكبه المحتل من تدمير للتراث  الفلسطيني ورموزه.
سهيلة شاهين أستاذة جامعية متخصصة بالفن والتكنولوجيا، حاصلة على شهادتي دكتوراه واحدة في الدراسات التربوية والثانية في تكنولوجيا تعليم الفنون من مصر.
بدأت شاهين توثيق مقتنيات المتحف رقمياً تمهيداً لإطلاقه افتراضياً. في هذا السياق، تقول: "لم أستطع توثيق كل قطعة لأن عددها كبير، لكن كثيراً من هذه القطع له صور، إضافة إلى ما وثقه العديد من الإعلاميين والزوار، وهذا ما أجمعه رقمياً في الوقت الحالي".
كان المتحف يحتوي أكثر من خمسة آلاف و600 قطعة. أما قطع الثياب الفلسطينية المطرزة، فوصل عددها إلى 340 ثوباً، استطاعت انتشال 64 ثوباً فقط، 23 منها بحالة جيدة و24 بحالة متوسطة، فيها بعض الثقوب والباقي بين ممزق أو متهالك كلياً. 
تصف شاهين حال مقتنيات مؤسستها: "يزخر المتحف بالقطع التراثية القديمة، أقدمها ثلاث من قطع الفخار تعود إلى العصر الروماني في فلسطين، وسيف يعود إلى العصر المملوكي وآخر من العهد العثماني".
يحتوي المتحف على خناجر ورماح وأغمدة سيوف جلدية مزينة بالقطع الحجرية القديمة، وعملات بيزنطية وإسلامية، وحليّ من عصور مختلفة، من عقود وأساور وبراقع وأحجار كريمة ومفاتيح ومعدّات منزلية قديمة جداً. تشمل المجموعة ألف قطعة من منتجات تراثية معاصرة تجمع بين الأصالة والفن المعاصر، وقطع خشبية مثل المهباش المزين بالنقوش وجداريات فنية وخطية مقتبسة من التراث الفلسطيني.
وحول بداياتها في جمع الأثواب، تقول: "بدأت علاقتي بالثوب الفلسطيني منذ أكثر من ثلاثة عقود حين وجدت في الوالدة والجدة والعمات ونساء غزة النموذج الحي لإحياء تراثنا قبل أن يندثر، فجمعت الثياب المطرزة من الأسواق واشتريتها مهما كان ثمنها، وحافظت عليها رغم صعوبة ذلك في ظل حروب متكررة وإخلاءات وتعرضها إلى الرطوبة وللقوارض والتلف، إلى أن جاءت فكرة تأسيس متحف رفح ليضم كل هذه المقتنيات ومنها المطرزات".

جمعت شاهين في متحف رفح الأحجار الكريمة النادرة، وجوازات سفر فلسطينية قديمة قبل الاحتلال الإسرائيلي، وطوابع بريدية قديمة فلسطينية ووثائق أصلية ومصورة عن فلسطين القديمة، وأغطية رأس للمرأة الفلسطينية ذات أشكال متنوعة، وأنواعاً مختلفة أيضاً من السلال، وأيضاً غربالاً محنطاً قد يزيد عمره على 150 عاماً.
تروي أنها عاشت حياتها العملية في مدينة غزة، لكنها تحمل ذكريات طفولتها في مدينة رفح، حيث استشهد أيضاً عدد من أفراد أسرتها.
صممت شاهين خيام الشعر البدوية القديمة، وحرصت على وضع مجسمات ترمز إلى رجال ونساء بدو يرتدون الأزياء التراثية، وأدوات قديمة مرتبطة بطرق العيش كي تعطي صورة متكاملة للحياة الفلسطينية القديمة.
تذكر شاهين أنها تعلقت بتفاصيل الثوب الفلسطيني حين رأت خلال دراستها في المرحلة الثانوية رسماً لسيدة فلسطينية بدوية ترتدي هذا الثوب "شرعت بسؤال مسنّات فلسطينيات عن أنواع الثوب وميزاته التي تجعله مختلفاً. وعندما أصبحت في الثلاثين من العمر كنت أشتري الأثواب الفلسطينية من أسواق أو أقارب أو جيران أو أثواب قديمة مطرزة باليد، ثم انتقلت إلى مرحلة شراء الأدوات القديمة مثل المنجل والفأس، من أهال ومحلات متخصصة".

المساهمون