مارثا ستيوارت على "نتفليكس"... سيرة "المؤثرة" الأولى

08 فبراير 2025
أصرت على أخذ سرد الفيلم وأحداثه إلى إبراز ثنائيات بطوليّة (مايكل هيكي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مارثا ستيوارت، المؤثرة الأولى في التاريخ المعاصر، بدأت كعارضة أزياء وانتقلت إلى التدبير المنزلي، حيث أسست إمبراطورية إعلامية وابتكرت مفهوم "افعلها بنفسك"، لتصبح أول مليارديرة عصامية ورمزًا للمرأة العصرية.

- في ذروة نجاحها، واجهت ستيوارت انهيارًا بسبب اتهامات بالتداول من الداخل وسُجنت لخمسة أشهر. الفيلم الوثائقي "مارثا" يستعرض هذه الأحداث ويطرح أسئلة حول تأثيرها على حياتها، لكنه يترك بعض الأسئلة دون إجابة.

- بعد محنتها، أعادت ستيوارت اختراع نفسها في العصر الرقمي، متعاونة مع شخصيات مثل سنوب دوغ، مما يبرز قدرتها على التكيف مع التغيرات الثقافية والاجتماعية واستمرار تأثيرها.

مارثا ستيوارت ربة منزل أميركيّة بيضاء. هذه الصفات الرئيسية لبطلة الفيلم الوثائقي "مارثا" Martha الصادر عن "نتفليكس". كل أحداث الفيلم ومصائبها وإنجازاتها الشخصيّة كان سببها هذه الصفات. بنظرة إلى تاريخ التلفاز والإعلان، نستطيع القول إن مارثا ستيورات هي أول "مؤثرة" (influencer) في التاريخ المعاصر. وكانت، في زمنٍ ليس بعيداً، أشهر ربة منزل في العالم، وهي أيضاً عميدة التنظير في الحياة المنزليّة وبيع نماذج اللايف ستايل، وأخيراً وليس آخراً، مُلهمةٌ لنارا سميث، الملقبة بأكثر ربة منزل مكروهة في العالم.

يتناول الفيلم "مارثا" جانباً من حياة مارثا ستيوارت غير العادية، من خلال مقابلات حميميّة معها هي نفسها التي فتحت أرشيفها الشخصي لمشاركة صور ورسائل ومذكرات لم يسبق لها إتاحتها. تبدأ هذه المراجعة التي تستغرق ساعتين تقريباً بكلمات من ستيوارت حول تفاصيل لا تحبها، كالإسراف وعدم الكفاءة والتسويف وقلة الصبر والأشخاص الذين يبالغون بتقدير أنفسهم وعدم الانتباه إلى التفاصيل ومآزر المطبخ وفساتين المنزل واللون الأرجواني، وتمر مروراً سريعاً حول خياناتها وخيانات زوجها أندرو ستيوارت، وبرودة نشأتها الكاثوليكيّة في أسرة مكونة من ثمانية أفراد في نيوجيرسي، وسمعتها السيئة في التعامل مع الموظفين، والصمت المدويّ حول القضية التي أدت إلى دخولها السجن. تفاصيل غير متناسبة مع صراحتها السابقة حول ما تفضل في الحياة؛ فتقول في نقطة ما خلال العرض: "هل يمكننا أن ننتقل إلى موضوع أكثر سعادة؟".

اشتهرت مارثا ستيوارت في بداياتها كعارضة أزياء جميلة بمقاييس عصرها، ثم انتقلت بعد زواجها إلى منزل جديد في الضواحي خارج المدينة. كان المنزل في حالة يرثى لها، لكنه سرعان ما أصبح أمثولة للأناقة والعصرنة، بفضل جهود ستيوارت الشخصيّة. كما بدأت العمل في مجال تقديم الطعام، فكانت تقيم العديد من الحفلات لأصدقائها وجيرانها، وتنسق أطباق الضيافة على نمط اللوحات التشكيليّة الهولنديّة في القرون الوسطى. كان زوجها شخصية بارزة في مجال النشر في مدينة نيويورك. في حفلةٍ ما، اقترب منها ناشر ذو مكانة مرموقة في مجاله، واقترح عليها أن تنشر كتاباً عن تدبير المنزل. ما قالته في العرض هو أن ذلك كان حجر الأساس الأول نحو شهرتها منقطعة النظير خلال العقدين التاليين. بمجرد أن حقق كتابها الأول مبيعات جيدة، نشرت المزيد والمزيد من الكتب عن تدبير المنزل، واخترعت عن غير قصد ما يعرف اليوم بـDIY، ويعني "افعلها بنفسك".

تحولت بعدها إلى رائدة في فن "بيع" نمط الحياة: كيف تكونين مضيفة أنيقة من دون عناء، وطاهية ماهرة وبستانيّة منتجة ومصممّة ديكور ماهرة، وتحافظين بعد كل هذا على كينونتك كامرأة عصريّة لا تقبل بأقل من الكمال. وبدأت أيضاً، من دون قصد، بترسيخ صورة نمطيّة عن الزوجات التقليديات، وما يعرف اليوم بظاهرة Tradewives، وصورة نمطيّة لامرأة تجلس الى مائدة الرجال وهي ترتدي مئزرها وتغادر منتصرة.

دخلت ستيوارت عالم النشر وبدأت بتقديم مجلاتٍ مزركشة حول تفاصيل التدبير المنزلي والصورة المثاليّة المبالغ فيها عن دور الزوجات. بيعت ملايين النسخ من هذه المجلات، ولاحقاً قدمت برنامجاً تلفزيونياً خاصاً بها بالمحتوى نفسه، ثم أصبحت تتربع على إمبراطورية إعلانية متكاملة وأول مليارديرة عصاميّة في التاريخ.

يطرح الفيلم أسئلة عدة خارج مشاهد الحوار مع ستيوارت (لا يظهر أحد غيرها، بعض المداخلات تكون صوتيّة فقط): هل لكونها مليارديرة عصاميّة أصبحت نسوية؟ هل كانت أسيرة لرغبتها في الكمال؟ وعلى الرغم من أن العمل مستمد من أرشيف ستيوارت الشخصي، إلا أنه ينتهي به الأمر إلى الإجابة عن القليل منها، ويبدو للمشاهد بوضوح أنها اعتادت على نبرة الاستجواب التي خاطبها بها المخرج.

في ذروة نجاحها، واجهت إمبراطورية مارثا ستيوارت انهياراً مفاجئاً من خلال مكالمة هاتفية مصيريّة كانت عبارة عن نصيحة من أحد مساعديها بالتخلص من أسهم ImClone قبل انخفاض قيمتها. لاحقاً، صدرت اتهامات بالتداول من الداخل ضد الرئيس التنفيذي وأصدقائه، وكان من بينهم ستيوارت. استمر الصراع زمناً طويلاً، وانتهى بالحُكم على ستيوارت بالسجن لمدة خمسة أشهر.

تمنحنا المقتطفات من مذكراتها الشخصية لمحة صغيرة عما قد يكون شكل قاع حياتها ومسيرتها المهنية الذي ارتطمت به. من الأشياء المثيرة للاهتمام في الوثائقي أن جيمس كومي، الرجل الذي عرقل مسيرة هيلاري كلينتون، هو نفس الرجل الذي دمر مارثا ستيوارت. علقت ستيوارت باستحياء غير مفهوم حول هذه القضية، وقالت إنها لو كانت رجلاً لما حدث هذا، وكانت كبشَ فداءٍ حتى لا تتجرأ نساء أخريات على الدخول إلى عالم المال والسلطة، لكنها أصرت على أخذ سرد الفيلم وأحداثه إلى إبراز ثنائيات بطوليّة كالخير والشر والمرأة والرجل. كان العمل الذي انتقدته ستيوارت لاحقاً عبارة عن قوس تقليدي يبدأ من النجاح ويصعد إلى النعمة ثم السقوط، وفي نهاية المطاف يأتي الخلاص.

ستيوارت اليوم أيقونة تبلغ من العمر 83 عاماً، أعادت اختراع نفسها مع سنوب دوغ ووسائل التواصل الاجتماعي، وتقدم نفسها كعارضة ملابس سباحة على "إنستغرام".

لم ينجح صانع الأفلام الوثائقية المخضرم آر. جيه كاتلر (1962) في هذا العمل كما نجح في عمله الشهير Billie Eilish: The World’s a Little Blurry عن نجمة البوب بيلي أيليش. ووقع هو أيضاً في ثنائيات لا تأتي بأجوبة أو حتى أسئلة عميقة لقضايا تمس نساء العالم أجمع. قدم لنا المرأة التي غيرت نسيج ثقافة نمط الحياة الأميركية كضحية لأنانيتها وليست كضحية لنظام العدالة ولمؤسسة النظام الأبوي، وأصر على حريّة نوع المحتوى الذي تقدمه، حتى لو كان فيه تلميع لصورة الأدوار التقليدية، أو كان صورة مفصلة لنا خصيصاً للمرأة النسوية العصرية في المطبخ.

دلالات
المساهمون