مؤسسة سميثسونيان التالية... الفنون والمتاحف والتاريخ في مرمى ترامب واستهدافه الثقافة الأميركية

02 ابريل 2025   |  آخر تحديث: 20:12 (توقيت القدس)
متحف سميثسونيان للتاريخ الطبيعي في واشنطن، 28 مارس 2025 (كيفن ديتش/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- وقع الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا يستهدف مؤسسة سميثسونيان لإزالة "أيديولوجيا مثيرة للانقسام"، بما في ذلك إعادة النصب الكونفدرالية وتطهير حديقة الحيوانات الوطنية من الأيديولوجيات غير الملائمة.

- وُجهت انتقادات لترامب من مؤرخين ومنظمات حقوقية، معتبرين أن محاولاته تتجاهل تعقيدات التاريخ الأميركي، ووصفت بأنها "إعلان حرب" ومحاولة لمحو التاريخ وإخفاء العنصرية.

- تدخل ترامب يهدد استقلالية مؤسسة سميثسونيان المعتمدة على التمويل الفيدرالي، مما قد يؤدي إلى استقالات ويؤثر على قدرتها في تقديم روايات تاريخية شاملة تعكس التنوع الثقافي والاجتماعي.

تضم مؤسسة سميثسونيان في واشنطن شبكة واسعة من المتاحف ومراكز البحوث والتربية مخصصة للاحتفاء بالتاريخ الأميركي والغوص فيه، وهي آخر مؤسسة ثقافية يستهدفها الرئيس دونالد ترامب في سعيه لتقويض الجهود المبذولة لنشر التنوع. ويندرج الأمر التنفيذي الذي وقّعه ترامب مؤخراً من أجل استئصال ما يسميه "الأيديولوجيا المثيرة للانقسام" من هذه المؤسسة العريقة، في سياق سلسلة من الجهود الرامية إلى إعادة صياغة الثقافة والتاريخ الأميركيين طبقاً لمفاهيمه الخاصة، وشملت بصورة خاصة سيطرته على مركز كينيدي الثقافي المرموق في العاصمة الفيدرالية واشنطن.

وبموجب الأمر التنفيذي الأخير الصادر عن ترامب، قد تُعاد قريباً النُّصُب والتماثيل التي ترمز إلى القوات الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية الأميركية، والتي أزيل العديد منها في السنوات الأخيرة، على ضوء الاحتجاجات المعادية للعنصرية. وذكر الأمر التنفيذي أن حديقة الحيوانات الوطنية التي تديرها مؤسسة سميثسونيان واستقبلت مؤخراً حيوانَي باندا من الصين، أيضاً قد تحتاج إلى حملة تطهير لإزالة "الأيديولوجيا غير الملائمة أو المثيرة للانقسام أو المناهضة لأميركا" منها.

واتهم ترامب عدداً من متاحف سميثسونيان، بما فيها المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة، باعتماد "أيديولوجيا مضرّة"، وبمحاولة إعادة كتابة التاريخ الأميركي في ما يتعلق بمسائل العرق والجنس الاجتماعي.

وأثارت هذه الخطوات موجة من الانتقادات. وقال رئيس منظمة المؤرخين الأميركيين، ديفيد بلايت، من جامعة يال "إنه إعلان حرب". وأوضح لوكالة فرانس برس "من التبجح ومن المشين أن يدّعوا أنهم يمتلكون السلطة والحق في أن يحددوا ما هو التاريخ فعلياً وكيف ينبغي عرضه وكتابته وتعليمه". ووصفت رئيسة مركز "ساذرن بوفرتي لوو سنتر" المعني برصد الكراهية، مارغاريت هوانغ، أمر ترامب التنفيذي بأنه "آخر محاولة لمحو تاريخنا" و"محاولة فاضحة لإخفاء العنصرية ونظرية تفوق العرق الأبيض خلف قناع الوطنية". وأكدت هوانغ أن "تاريخ السود هو تاريخ الولايات المتحدة. تاريخ النساء هو تاريخ الولايات المتحدة. تاريخ هذا البلد قبيح ورائع في آن".

ويرى منتقدو ترامب مثل هوانغ وبلايت أن مسعى ترامب لرسم تاريخ وردي من "العظمة الأميركية" لا يسدي خدمة لمرتادي المتاحف في بلد معقّد مبني على قِيَمٍ مثل حرية التعبير غير أن تاريخه مجبول بالحرب والعبودية والكفاح من أجل الحقوق المدنية. وقال بلايت إن "ما هو على المحك هو كيف تصوّر الولايات المتحدة رسمياً ماضيها، لنفسها وللعالم".

تطهير الثقافة من وجهة نظر ترامب

يعتبر ترامب البالغ من العمر 78 عاماً، من المعجبين بفرانك سيناترا ومن محبي مسرح برودواي، وقد مدح بصورة خاصة المسرحية الموسيقية "كاتس" التي تعود إلى حقبة الثمانينيات. لكن حربه الثقافية أوسع نطاقاً بكثير من أذواقه الشخصية، ويبدي في ولايته الرئاسية الثانية تصميماً على استئصال كل ما يرى أنه يمتّ إلى ثقافة "الووك"، أو اليقظة حيال العنصرية والتمييز. وتندرج هذه الحملة التنفيذية ضمن مسعى للقضاء على جهود تعزيز سياسة التنوع والإنصاف والإدماج التي بذلتها المؤسسات الأميركية في السنوات الأخيرة، وتطهير الثقافة من أي توجه مناهض للعنصرية وداعم لمجتمع الميم.

ترامب يغيّر تاريخ مؤسسة سميثسونيان

تعوّل مؤسسة سميثسونيان التي تشمل حديقة حيوانات و21 متحفاً و14 مركزاً تعليمياً وبحثياً، على التمويل الفيدرالي لتأمين ثلثي ميزانيتها البالغة حوالي مليار دولار، وتستمد الثلث المتبقي من مصادر مختلفة من بينها هبات واشتراكات وتبرعات. وإن كان مجلس حكام المؤسسة يضم نائب الرئيس، إلا أنه بقي حتى الآن، على غرار مركز كينيدي، بمنأى عن الانقسام السياسي، ولا سيما في ما يتعلق بوضع البرامج. ويرى المعارضون أن توسيع ترامب قبضته إلى مؤسسة سميثسونيان يمثل تدخلاً في استقلالية مؤسسة يعود تاريخها إلى أكثر من 175 عاماً في تحديد برامجها بنفسها. قال أستاذ التاريخ في جامعة ولاية واشنطن، روبرت ماكوي، إن مؤسسة سميثسونيان التي نشأت في منتصف القرن التاسع عشر "تحوّلت بموازاة تحوّل ثقافتنا ومجتمعنا".

"المعنى والانتماء"

قال ماكوي لوكالة فرانس برس إن مجلس حكّام المؤسسة "أصبح أكثر تنوعاً، والقصص التي يرويها أصبحت أكثر تعقيداً" موضحاً أن أعضاءه "يحاولون مساعدتنا على توسيع مفهومنا لما معناه أن يكون الواحد أميركياً، وأن نروي حكايات عن أنفسنا أصحّ وأشمل". وأضاف: "حين نفقد ذلك، نبدأ في تهميش الكثير من المجموعات المختلفة".

ويخشى ماكوي أن تتسبب مساعي البيت الأبيض لوضع يده على المؤسسة في استقالات في صفوف أعضائها، وهو ما عبّر عنه أيضاً بلايت قائلاً: "إذا بقوا في وظائفهم، فسوف يعملون في الواقع لحساب عملية استيلاء استبدادي على عملهم، وهذا لن يكون مقبولاً". وقال إن محاولات ترامب للهيمنة الثقافية على المؤسسات الفيدرالية هي جزء من حملة لبسط سيطرة واسعة النطاق، وفق نمط شبيه بكيفية استيلاء الأنظمة الاستبدادية على السلطة. وأضاف أن الهدف "ليس المؤسسات السياسية والاقتصادية فحسب، بل كذلك المؤسسات التي تمنح الناس حساً بالمعنى والانتماء، حساً بأنهم أميركيون".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون