Skip to main content
لماذا تختفي الإعلاميات في أفغانستان؟
صبغة الله صابر ــ كابول
قمع تظاهرة للنساء في كابول العام الماضي (بولنت كيليتش/ فرانس برس)

مع سيطرة حركة "طالبان" على العاصمة كابول الصيف الماضي، ثم على كامل الأراضي الأفغانية تباعاً، انقلب كل شيء في بلد ضربته الحرب خلال العقود الأربعة الماضية. كما توقع الأفغان، كانت النساء أكبر ضحايا تلك التغييرات، فلم يفقدنَ جلّ ما أحزرنه من التقدم خلال عقدين ماضيين فحسب، بل أيضاً آمالهنّ، رغم وعود "طالبان" المتكررة بأنها "تعمل من أجل تحسين حالهن"، في حين أنها لم تقدّم لهن سوى فتح الجامعات والمراكز التعليمية في وجههنّ، وتوظيفهن في بعض الدوائر الحكومية.

ومن بين ما أنجزته النساء خلال حقبة الحكومة الديمقراطية (من سبتمبر/أيلول 2001 إلى أغسطس/آب 2021) الوصول إلى مختلف وسائل الإعلام من القنوات والإذاعات والصحف. كما ازدهرت خلال تلك الفترة الكليات الجامعية والمراكز الخاصة بتعليم النساء مهنة الإعلام، غير أن كل تلك الإنجازات اختفت بعد وصول "طالبان" إلى الحكم، كما كان الأمر خلال حكمها الأول في التسعينيات.

تقول الإعلامية فرشته محمد، في حديث لـ"العربي الجديد": "لم نكن نتوقع كثيراً من طالبان، إذ كنا نعرف جيداً ما حلّ بنساء أفغانستان في التسعينيات، حين حرمنَ من كل حقوقهنّ بحكم أيديولوجيا الحركة وسياساتها"، مؤكدةً أنها "كانت تتخوف من ما سيحدث بحق النساء، مع تحرّك طالبان صوب العاصمة وسقوط الولايات واحدة تلو الأخرى في يدها، لا سيما العاملات في وسائل الإعلام المختلفة، على الرغم من تأكيد الحركة بأنها تغيرت كثيرًا وأنها ليست حركة التسعينيات بل تؤمن بحقوق النساء".

وتؤكد محمد أن "طالبان مع سيطرتها على كابول منعت النساء من الذهاب إلى أماكن عملهن في وسائل الإعلام الحكومية، خاصة التلفزيون الوطني". وتضيف "لاحقاً فرضت قيود على وسائل الإعلام الخاصة، ما جعل الكثير من النساء يتركن العمل، ذلك علاوة على خوف أصحاب وسائل الإعلام من طالبان، ما جعلهم يتوقفون عن توظيف النساء، إضافةً إلى إقالتهن بذريعة أو أخرى".

في بيان لـ"الاتحاد الدولي للصحافيين"، في فبراير/شباط الماضي، أكد أنّه منذ 15 أغسطس /آب 2021، تركت 318 وسيلة إعلامية الساحة في أفغانستان وأغلقت أبوابها، من بينها 51 محطة تلفزيونية و132 إذاعة و49 موقعاً إلكترونياً. وجاء في بيان الإتحاد أن من بين 114 صحيفة أفغانية لم تعد تزاول العمل سوى 20 منها، وفق إحصائية أجراها الاتحاد في 33 ولاية أفغانية، توصلت إلى أن المواطن الأفغاني هو أكبر الخاسرين، لأن وسائل الإعلام كانت الطريق الوحيد لديه للوصول إلى معلومات مهمة إزاء بلده والعالم.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

لم تكن سياسات "طالبان" وقيودها على النساء السبب الوحيد وراء قلة أعدادهنّ في وسائل الإعلام، بل إنّ الحالة المالية والاقتصادية في البلاد عموماً والوضع المالي لوسائل الإعلام الأفغانية خاصة من الأسباب الرئيسية، فمعظم وسائل الإعلام كانت تمولها مؤسسات دولية. وإذ إنه لا يمكن لوسائل الإعلام الأفغانية، بسبب الحرب وما نتج عنها، الحصول على المال بنفسها، أغلقت وسائل إعلام عدة مع إغلاق المؤسسات الدولية أبوابها.

في هذا الشأن، تقول الإعلامية فرخنده محبي التي كانت تعمل في قناة "أينة" المحلية التي أغلقت أبوابها في بداية فبراير/شباط الماضي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "سياسات طالبان بالإضافة إلى التغيرات التي شهدتها أفغانستان أخيراً، أدت إلى تدهور الحالة المعيشية والاقتصادية لوسائل الإعلام، ما دفع الكثير منها إلى تقليل أعداد العاملين عليها. وكانت سياسات طالبان قد أتاحت الفرصة لإقالة الكادر النسائي"، مؤكدةً أنها عملت لأشهر عدة في المحطة وسط خوف وقلق بسبب سياسات الحكومة، غير أن المحطة أخيراً أغلقت أبوابها بسبب الوضع المعيشي، وهذا حال الكثير من النساء اللاتي تركن الساحة بسبب الحالة الاقتصادية والمالية.

علاوة على ما سبق، باتت الأعراف القبلية المتجذرة وخوف الأسر على بناتهن من أهم العوامل وراء قلّة أعداد النساء في وسائل الإعلام. إذ تقول فرخنده محبي إنّه "مع سيطرة طالبان على الحكم باتت الضغوطات تتزايد على النساء من قبل ذويهن وأسرهن، فالمجتمع الأفغاني مجتمع ذكوري، للرجال فيه هيمنة كبيرة، وبأدنى ذريعة يلجأ الآباء إلى حرمان البنات من العمل وإبقائهن في المنازل، وهو ما حصل في حق الكثير من الإعلاميات".

وعلى إثر ما شهدته أفغانستان، فرّت إعلاميات من البلاد، وتوجهنَ إلى دول مختلفة، منهنّ الإعلامية فيروزه عزيز التي تعيش حالياً في فرنسا. تقول عزيز لـ"العربي الجديد": "عندما أجلس لوحدي وأفكر في ما حصل ببلادنا وما حصل لنا نحن نساء أفغانستان، أجد أنّه مفزع للغاية. كانت لدي أحلام كثيرة. كنت أنوي خدمة نساء بلادي المهمشات من خلال العمل في وسائل الإعلام. ولكن فجأة، ومن دون أي تخطيط مسبق، أرغمت على ترك البلاد. كنت ألوم نفسي حينها، وكنت مترددة في الخروج، غير أني الآن، عندما أرى أحوال صديقاتي اللاتي بقين في أفغانستان، أتأكد أن الخروج من البلاد كان قراراً صائباً".

واليوم، ثمة محطات إعلامية في أفغانستان لا تتواجد فيها الإعلاميات البتة، مثل تلفزيون "بيشكام" الذي كانت تعمل فيه 15 إعلامية في مختلف المجالات، لكنّ بعضهنّ تركن العمل، فيما هربت أخريات من البلاد. يقول نائب مدير البرامج في المحطة وحيد نويسا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك أسباباً كثيرة وراء عدم وجود النساء في المحطة، منها خروج البعض من البلاد، ومنع الأسر أخريات من الذهاب إلى العمل، علاوةً على سياسة القنوات وسياسة الحكومة الحالية، وكل تلك العوامل أدت إلى منع النساء من مزاولة العمل، وشأن بيشكام كشأن باقي المحطات الإعلامية".

والإعلاميات اللاتي ما زلن يزاولن العمل يواجهن مشاكل متعددة، في ظلّ مخاوف من أن يجبرن على ترك العمل في القريب، إذا استمرت الظروف على ما هي عليه. في هذا الصدد، تقول الإعلامية في صحيفة "بيك أفتاب" زهرة نوا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع في بلادنا متفاقم وعمل النساء في وسائل الإعلام حالياً صعب جداً، ويصعب بشكل مضطرد، إذ إن الأرضية لعمل النساء غير متاحة، والمجتمع الدولي يكتفي بالدعوات والإدانات لا أكثر".

في الولايات والمناطق النائية عن العاصمة يسوء الوضع ويأخذ في التدهور. على سبيل المثال، في ولاية بدخشان، لا توجد أي امرأة تعمل في وسائل الإعلام المحلية. وعن ذلك، تعتبر رئيسة إدارة الإعلام في إدارة الثقافة والإعلام المحلية، بنفشه نعيمي، في بيان، أنّ "في بدخشان رغم الأعراف والتقاليد والعراقيل المختلفة كان عدد الإعلاميات 18، وهن اللواتي كن يعمل في وسائل الإعلام المختلفة، ولكن الآن وبعد سيطرة طالبان، هنّ لا يعملن بسبب ما شهدته الساحة الأفغانية من تطورات".

في تعليق له على هذا الحال، يقول رئيس نقابة الإعلاميين في أفغانستان، حجت الله مجددي، لـ "العربي الجديد" إنّ "الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن 80 في المائة من الإعلاميات والعاملات في وسائل الإعلام تركن العمل، ذلك في حين أن الإحصائيات الرسمية تقول إنّ 50 في المائة من النساء تركن العمل في الإعلام". ويضيف: "هو أمر مؤسف سواء كانت النسبة 80 أو 50. ولكن مع الأسف هذا هو الواقع". ويشير إلى أنّ نقابة الإعلاميين في تواصل دائم مع السلطات المحلية والمؤسسات الدولية المعنية من أجل تغيير تلك الحالة.

من جانبه، يقول نائب الناطق باسم "طالبان" بلال كريم لـ"العربي الجديد" إن الحركة "سمحت للنساء بالعمل في جميع المجالات في دائرة الشريعة الإسلامية وهي لم تمنع أحداً من مزاولة العمل، غير أن تطبيع الأمور يحتاج إلى بعض الوقت".