لماذا تتراجع خصوبة النساء؟ تقنية تصوير تكشف نظاماً بيئياً خاصاً
استمع إلى الملخص
- استخدم الباحثون تقنية تصوير ثلاثية الأبعاد لكشف تجمعات البويضات والخلايا العصبية داخل المبيض، مما يوضح دورها في توقيت نضوج البويضات والإيقاع الزمني للخصوبة.
- تقدم الدراسة خريطة زمنية للمبيض وتفتح آفاقاً لعلاج العقم، مع اختبار أدوية قد تؤخر شيخوخة المبيض وتطيل فترة الخصوبة.
كشفت دراسة علمية حديثة، نُشرت في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول في مجلة Science، عن مشهدٍ غير مسبوق داخل المبيض يُعيد رسم فهمنا لخصوبة النساء وشيخوخة أجهزتهن التناسلية. فقد أظهر فريق بحثي متعدد التخصصات أن المبيض ليس مجرد مستودعٍ للبويضات، بل نظام بيئي معقّد يضم شبكة من الخلايا الداعمة والأعصاب والأوعية الدموية والأنسجة الضامة، تعمل بتناغمٍ لتوجيه نضج البويضات، وتحديد سرعة تراجع الخصوبة مع التقدّم في العمر.
لطالما ركّز الباحثون على عدد وجودة البويضات لتفسير الساعة البيولوجية لدى النساء، لكن الدراسة الجديدة تقول إن القصة تتجاوز البويضة نفسها. وتوضح ديانا ليرد، أستاذة طب النساء والتوليد وعلوم التكاثر في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أنّ "شيخوخة المبيض لا ترتبط فقط بانخفاض عدد البويضات، بل أيضاً بتغيرات عميقة في البيئة المحيطة بها: الخلايا الداعمة، الأعصاب، الأنسجة الضامة". وتشير إلى أن هذه التغيرات قد تفسر أيضاً الفروقات الفردية في الخصوبة بين النساء من العمر نفسه، إذ قد تكون بعض المبايض أقدر على مقاومة آثار الزمن بفضل مرونة أنسجتها، أو انخفاض مستويات الالتهاب فيها.
استخدم الفريق تقنية تصوير ثلاثية الأبعاد متطورة، مكّنتهم من رؤية البويضات داخل المبيض دون الحاجة إلى تقطيع النسيج إلى شرائح كما جرت العادة. وعند تطبيق التقنية على فئرانٍ في عمرٍ يعادل الثلاثينيات لدى البشر، لاحظ العلماء انخفاضاً حاداً في البويضات الاحتياطية، وتراجعاً في الاستجابة للإخصاب المخبري، في مشهدٍ يشبه ما يحدث لدى النساء بعد سنّ الثلاثين.
وحين انتقل التصوير إلى المبايض البشرية، اكتُشف أن البويضات لا تتوزع بالتساوي، بل تتجمّع في جيوبٍ محاطة بمناطق خالية، تقلّ فيها الكثافة مع التقدم في العمر. وتقول ليرد في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد": "هذه الجيوب توحي بأن البيئة الدقيقة داخل المبيض قد تتحكم في مدة بقاء البويضات وقدرتها على النضج، وربما تفسر سبب اختلاف معدلات الاستجابة للعلاجات الهرمونية بين النساء".
ولفهم ما يجري على مستوى أدق، تعاون الفريق مع منصة "بايوهاب" لتحليل أنماط نشاط الجينات داخل أكثر من 100 ألف خلية من الفأر والإنسان. المفاجأة كانت في اكتشاف وجود خلايا غِليا -وهي خلايا عادة ما توجد في الدماغ لتدعم الأعصاب- داخل المبيض نفسه، إلى جانب شبكة كثيفة من الأعصاب الودية التي تزداد مع التقدّم في السن.
وعندما عطّل الباحثون هذه الأعصاب في فئران التجارب، ازداد مخزون البويضات الاحتياطية، لكن في المقابل قلّ عدد البويضات الناضجة، ما يشير إلى أن الأعصاب تلعب دوراً محورياً في توقيت نضوج البويضات، وربما في تحديد الإيقاع الزمني للخصوبة الأنثوية.
تقول ليرد إن الجمع بين التصوير ثلاثي الأبعاد وتقنيات تسلسل الخلايا المفردة مكّن الفريق من رسم خريطة غير مسبوقة للمبيض وكشف أنواع جديدة من الخلايا، قد تفتح الباب لاكتشافات مستقبلية في مجال الصحة الإنجابية. كما رصدت الدراسة خلايا ليفية تُطلق التهابات وتُحدث تليفاً مبكراً في مبايض نساء في الخمسينيات، قبل سنواتٍ من ظهور مؤشرات تليف مماثلة في أعضاء أخرى مثل الكبد أو الرئتين، ما يدلّ على أن المبيض يبدأ بالشيخوخة في وقتٍ مبكر نسبياً، وأنّ الالتهاب المزمن فيه قد يكون أحد مفاتيح فهم تراجع الخصوبة قبل انقطاع الطمث.
وترى الباحثة أن التشابه الكبير بين مبايض البشر والفئران يمنح ثقة بإمكانية تجريب العلاجات الوقائية على الحيوان قبل نقلها إلى الإنسان. ويختبر الفريق حالياً أدوية قد تُبطئ شيخوخة المبيض أو تؤخرها، ما قد يساعد على إطالة فترة الخصوبة، وتقليل مخاطر الأمراض المرتبطة بانقطاع الطمث، مثل هشاشة العظام وأمراض القلب. وتقول ليرد: "قد يكون ينبوع الشباب الحقيقي هو المبيض نفسه؛ إبطاء شيخوخته قد يعني شيخوخة صحية للجسم بأكمله".
وتقدّم الدراسة، كما يوضح الفريق البحثي، خريطة زمنية لما يحدث داخل المبيض السليم عبر مختلف مراحل العمر، وتشكّل نقطة انطلاق لأسئلة جديدة حول كيفية تغيّر هذا النظام البيئي تحت تأثير التوتر المزمن أو البدانة أو العلاجات الهرمونية. وهي بذلك تفتح أفقاً جديداً لعلاج العقم لا يعتمد فقط على تحسين جودة البويضات أو زيادتها، بل على فهم البيئة المعقدة التي تحتضنها – الأعصاب، الأوعية، الخلايا الداعمة، الأنسجة الضامة – بوصفها مفتاح الحياة الخصبة ومرآة الشيخوخة المبكرة لدى النساء.