استمع إلى الملخص
- يتناول المسلسل قضايا اجتماعية معاصرة مثل الأنانية والانقسام وكراهية النساء، ويعكس التوترات السياسية في كوريا الجنوبية، مقدماً نقداً للرأسمالية المتطرفة.
- يواصل الموسم الثاني تقديم تجربة درامية مثيرة، مع التركيز على تطور الشخصيات ومحاولاتها لتدمير اللعبة من الداخل، مما يضيف عمقاً جديداً للقصة.
المزيد من الرأسمالية، والمزيد من الكلبية، والمزيد من الألعاب. بهذه الكلمات، يمكن تلخيص الموسم الثاني من "لعبة الحبّار" (Squid Game)، الذي يجد طريقه لسرد، مع بعض الاختلافات، الحكاية نفسها التي أثارت اهتمام المتفرّجين في الموسم الأول: كيف تدمّر الرأسمالية الجامحة البشر، خصوصاً "الخاسرين" منهم؟
في المجتمع الأميركي، ثمة إعجاب مبالغ فيه بـ"الفائزين"، أو مَن يعتبرون أنفسهم كذلك، أولئك الناجحين في الحياة، ولديهم أفضل وظيفة وأكثر منزل إثارة للإعجاب، وأولئك الذين يحملون إلى مرحلة البلوغ حقيقة أنهم كانوا الأكثر شعبية في المدرسة الثانوية. هي فكرة تكمن وراء، على سبيل المثال، شخصية وسلوك دونالد ترامب (كما ينعكس في فيلم The Apprentice). أسوأ ما يمكن أن يُقال له إنه خاسر، شخص غير قادر على الاستفادة من المزايا والثغرات التي يقدّمها النظام الرأسمالي للانتهازيين والأوغاد. أكثر من ذلك، يُعتَقَد أن كون المرء فائزاً مسألة شخصية وجهد شخصي، فالخاسرون خاسرون لأنهم أرادوا ذلك.
عبر السينما والتلفزيون والإنترنت، انتشر هذه المنظور للعالم إلى أماكن أخرى، وحيث تسود الرأسمالية أكثر حتى من الولايات المتحدة، تغدو ثنائية الفائزين/الخاسرين ضمن النظام أكثر قسوة. فلنأخذ كوريا الجنوبية كمثال. فجارتها كوريا الشمالية دكتاتورية شيوعية مُحكمة الإغلاق. ومن الواضح أن التعايش معها مليء بالتوتر وأجواء الحرب الباردة. احتل اقتصادها المرتبة 12 عالمياً من ناحية الحجم لعام 2024، والرابع في آسيا، ويُعَد أحد الاقتصادات التي سيكون لها أكبر تأثير على بقية الكوكب بحلول منتصف هذا القرن. صعودٌ ملحوظ من دولة "متخلّفة" انقسمت إلى نصفين عام 1953، بعد الحرب الكورية، قبل شهودها صعوداً صاروخياً جعل الاقتصاديين يطلقون عليه لقب "معجزة نهر الهان"، مدعومةً إلى حدّ كبير بتكتلات عائلية اقتصادية ثرية، من أصحاب الشركات التي تمارس احتكاراً في أسواقٍ معيّنة.
في هذا السياق، إضافةً إلى مجتمع أكثر تحفظاً وكراهية للنساء مما يبدو أحياناً إذا التزمنا الصورة التي قدّمها الكيبوب وسردياته التلفزيونية، يسهل جداً فهم من أين جاء "لعبة الحبّار"، ظاهرة "نتفليكس" الناجحة التي تجاوزت النجاح الهائل السابق للمنصة بلغة غير الإنكليزية، "البروفيسور"؛ إذ انتقل موسمه الأول من التوقعات بتحقيقه أداءً جيداً في آسيا إلى الهيمنة على لوائح الأكثر مشاهدة حول العالم. واعترفت به جوائز إيمي بعدة ترشيحات وجوائز تمثيل وأصبح العمل السمعي البصري الكوري التالي الأكثر نجاحاً بعد فيلم "بارازايت"، الحائز أوسكار أفضل فيلم لعام 2020.
هذا يعني أن التوقعات للموسم الجديد مرتفعة للغاية، وأن أي شيء بخلاف ظاهرة ضخمة أخرى في استقباله سيُنظر إليه كخيبة أمل. صوّر مبتكره، هوانغ دونغ هيوك، هذا الموسم والثالث (والأخير مسبقاً) في الوقت نفسه لتقصير وقت الانتظار بين المواسم، وربما أيضاً لإغلاق مرحلة من حياته المهنية جعلته المشرف على كونٍ موسّع خلقت "نتفليكس" من حوله تجارب غامرة وألعاب فيديو متضمّنة. الواضح في هذه الحلقات السبع الصادرة أخيراً أن هناك موسماً آخر في طور الإعداد بسبب الوتيرة التي تتكشّف بها القصّة وتطوّرات معينة لن يصحّ الكشف عنها، لأن عامل المفاجأة كان أحد الأسباب وراء النجاح الأولي للمسلسل وهذا العامل ضاع مع الموسم الثاني.
مثل سيونغ جي هون، يعرف المتفرّجون ما الذي يتوقعونه عندما نعود إلى الملعب، لذا فمن الضروري اختيار طرق أخرى. يكشف المقطع الدعائي، على سبيل المثال، عن بعض الاختبارات الجديدة وما هو جديد نسبياً أيضاً مستوى اليأس والجشع لدى المشاركين. يعمل منظمو اللعبة على تعزيز عدم الثقة والانقسام بين اللاعبين، الغارقين بدورهم في الديون والسُبل المسدودة للخروج، فيسقطون مراراً في خططهم.
إضافةً إلى ذلك، قدّم هوانغ شخصيات أصغر سناً، متأثرة بالثقافة الأميركية والفردية الشديدة. في الواقع، لا يعتقد أي لاعب أنه سيموت تالياً؛ كلّهم مقتنعون بقدرتهم على النجاة من اختبارٍ آخر، وتسمين رصيدهم النهائي، والخروج بما يكفي من المال لسداد ديونهم والبدء من جديد. في هذا الصدد، فالوحشية التي يمكن أن يذهب إليها المتسابقون أكبر حتى من الموسم الأول لأن الشعور بالوجود في حالة من الفوضى أكثر انتشاراً، والذي يشمل أيضاً إقصاء المنافسين ليس فقط لتأمين الجائزة، ولكن حتى تزداد مع كل حياة مفقودة. مثالٌ فظيع للرأسمالية الأكثر جنوناً والاستقطاب الحادّ الراهن في كافة المجتمعات الغربية تقريباً.
في كوريا، عُرض الموسم الثاني من "لعبة الحبّار" لأول مرة بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة على الديمقراطية التي أقدم عليها الرئيس الكوري (عبر فرضه الأحكام العرفية)، بعد عامين من انتخابه. وهذا يعني أن الخيال التلفزيوني لم يُخلق في فراغ (ولا يوجد أي منه كذلك) بل يستجيب لقضايا راهنة ووثيقة، من الترويج للأنانية والانقسام وتغليب المصلحة الشخصية على قيم التضامن والتكافل، إلى كراهية النساء وثقافة الإجهاد في العمل. بالنسبة للعديد من اللاعبين، هذه هي المغالطة الكبرى التي قادتهم إلى حيث هم الآن.
هل سيعمل هذا الموسم الثاني على نفس مستوى الموسم الأول؟ سيكون غريباً ألا يفعل. عناصره الدرامية هي نفسها (رغم أنه ربما يفتقر إلى شخصية يرتبط بها المتفرّج كما فعلوا مع المنشقة الكورية الشمالية ساي بيوك)، ويحافظ على هويته البصرية ذات الألوان الزاهية مع نغمة طفولية معيّنة تزيد من جانبه المزعج. يبدو سيونغ جي هون أكثر صمتاً وإصراراً على تدمير اللعبة من الداخل، لكن المسلسل يقدّم متغيّراً مفاجئاً يملك قدراً كبيراً من الإمكانات، إضافة إلى الخوض بعمق في عالم الرجال المقنّعين والمغامرات الشنيعة التي تنتشر فيه.
طرق جديدة للتوسّع في فرضيته المزعجة، حيث يعيد الأبطال إلى المحنة. ورغم غياب مفاجآت كبيرة، إلا أن المسلسل يحقق استمراراً لافتاً على قدم المساواة مع سابقه، إذ يرسّخ نفسه كقصّة مسلّية ومزعجة اجتماعياً في الوقت نفسه.