لبنان وفلسطين في "دار النمر": استعادة بصرية لأهوال ومصائب وحكايات

لبنان وفلسطين في "دار النمر": استعادة بصرية لأهوال ومصائب وحكايات

10 يونيو 2022
جوسلين صعب: توثيقٌ ذاتي لمدينة وحالة ولحظة (ربيع مغربي/فرانس برس)
+ الخط -

"دار النمر" (كليمنصو، بيروت) مركز ثقافي مُشارك في الدورة الـ11 (10 ـ 19 يونيو/حزيران 2022) لـ"أيام بيروت السينمائية" (تنظيم "جمعية بيروت دي سي"). الأفلام المعروضة في إحدى قاعاته تعاين أحوال لبنان وفلسطين، والأخيرة متمثّلة بمخيّمين فلسطينيين في لبنان وسورية (beirutdc.org/ayam).

الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) ركنٌ أساسيّ في 3 أفلامٍ لبنانية، مختارة من اشتغالاتٍ منبثقة من تجربة "السينما البديلة"، المنتفضة على مسارٍ سينمائيّ ممتدّ في البلد، في ستينيات القرن الـ20 تحديداً، علماً أنّ الأفلام هذه منجزةٌ في النصف الأول من أعوام الحرب الأهلية: "رسالة من بيروت" (1978) لجوسلين صعب، و"حروب صغيرة" (1981) لمارون بغدادي، و"بيروت اللقاء" (1982) لبرهان علوية.

هذا الأخير (بيروت اللقاء) يُحتفل به لبنانياً منذ أشهر، بعد الانتهاء من إنجاز نسخة مُرمّمة له، ما يُتيح فرصاً عدّة لمُشاهداتٍ أفضل، فالنسخة المُرمّمة تمنح مُشاهدة أهمّ، وتُتيح للمُشاهد إمكانية التمعّن، أكثر، في جوانب وتفاصيل وآليات اشتغال. النسخة نفسها تطرح سؤال الترميم، والجهات التي يُفترض بها الإشراف عليه وتنفيذه. إذْ لن يكفي التزام "نادي لكلّ الناس" مهمّة كهذه وحده، فالترميم يحتاج إلى ميزانيات وجهود غير متوقّفة على الثقافي والتراثي والتاريخي، كما على الذاكرة، فرغم أهمية هذا كلّه، هناك حاجة إلى مالٍ وافر، كي يستوفي الترميمُ شروطه الفنية والتجارية، والجمالية أيضاً.

وقائع العيش اليوميّ في مخيّم فلسطيني، في مكانين مختلفين جغرافياً، وزمنين/حالتين غير متشابهتين البتّة، حاضرةٌ في "عودة رجل" (2016) و"3 مخارج منطقية" (2019) للفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل (مخيم عين الحلوة، صيدا، جنوبي لبنان)، و"فلسطين الصغرى، يوميات حصار" (2021) للفلسطيني السوري عبد الله الخطيب (مخيم اليرموك، دمشق).

فيلما فليفل يتكاملان معاً في مسائل عدّة: الشخصية الأساسية واحدة (رضا الصالح)، المخيم نفسه (عين الحلوة)، الواقع قاسٍ والحياة منغلقة والعيش معطوب. محاولة الصالح الخلاص من بؤس وألم واختناق تتمثّل بسفر إلى أثينا لـ3 أعوام، تنتهي بعودته إلى المخيم، مع مزيدٍ من بؤس وألم واختناق. فشل التجربة يصنع من الصالح رجلاً مختلفاً. تجربة أثينا تنتهي بفشل الخلاص، وبقسوة العودة إلى المخيّم. الصالح يحمل مسدّساً الآن. عيناه قاسيتان، تُخفيان انفعالاتٍ تتمكّن الكاميرا (تصوير فليفل وطلال خوري) من إبراز بعض المخبّأ في ثناياها، وفي مسام روحها وتفكيرها الصامت. "3 مخارج منطقية" يستند إلى تسجيلاتٍ مُصوّرة عن أحداثٍ في المخيّم، أو عن لقاءات سابقة مع الصالح، إثر عودته الملعونة من غربة أثينا (عودة رجل)، مُدمناً الهيرويين ("العربي الجديد"، 25 سبتمبر/أيلول 2020).

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

مخيّم اليرموك محاصر من جيش النظام الأسديّ، بسبب مشاركة فلسطينيين كثيرين في "الثورة السورية" (بدءاً من 15 مارس/آذار 2011). يوميات الحصار خانقة. التجويع أداة للقهر والإذلال. التداخل كبير بين تنظيمات وسلطة. عبد الله الخطيب مُكتفٍ بتصوير/توثيق لحظاتٍ مليئة بقسوة وخرابٍ وتحدّيات، وإنْ تعجز التحدّيات عن إحقاق حقّ، وحماية مكانٍ، ومنع موتٍ. الخروج قاسٍ أيضاً. الأعوام الفاصلة بين تهجيرين (1948 و2015) لن تكون تمريناً على تهجيرٍ يتلو تهجيراً. لكنّ القدر خَطَرٌ، كما التهجير والحصار والتنكيل والمهانة. غلبة الواقع على سينما "فلسطين الصغرى" متأتية من قسوة الواقع نفسه، وعجز كلّ كاميرا عن الخروج على توثيقها إلى مُتخيّلٍ، يُكمِل التوثيق، ويمنحه جمالية بصرية ("العربي الجديد"، 2 يونيو/حزيران 2021).

يغيب مهدي فليفل وعبد الله الخطيب عن عروض أفلامهما. بعد عرض "رسالة من بيروت"، مساء 11 يونيو/حزيران 2022، يُنظّم لقاء مع الباحث والأستاذ الجامعي فواز طرابلسي، والمخرج والكاتب محمد سويد. مساء اليوم نفسه، يلتقي مُشاهدو "بيروت اللقاء" مع الباحث أحمد بيضون، كاتب سيناريو الفيلم. الأفلام اللبنانية تعاين أهوال حربٍ، وقسوة عيش. صعب تغرق في البدايات الأولى لتلك الحرب، موثّقةً علاقتها الشخصية بمدينةٍ تعاني تمزّقاتٍ وانقسامات ومصاعب، تعود إليها فتعجز عن معرفتها. الذاتيّ يترافق مع نصوص/رسائل للكاتبة الأميركية اللبنانية إيتل عدنان، مؤلّفة رواية "الست ماري روز" (1977). فيلما بغدادي وعلوية يؤسّسان نمطاً سينمائيّاً لبنانياً يُراد منه تجديد في لغة الصورة، ومقاربة أعمق وأقوى بتحوّلات بلدٍ وأناسٍ وتفكير وعلاقات.

هذا حيّز سينمائيّ يكشف، مجدّداً، مدى الترابط متنوّع الأشكال والمضامين بين لبنان وفلسطين. مخرجو الأفلام اللبنانية الـ3 يلتزمون فلسطين، قضية وشعباً ونضالاً، عبر بيروت وتحوّلاتها، أو باستعادة لحظة تاريخية في سيرة المجازر الإسرائيلية بحق مدنيين فلسطينيين (برهان علوية في "كفرقاسم"، 1974).

حيّز سينمائي يُتيح للمهتمّ فرصة مُشاهدة/إعادة مُشاهدة أفلامٍ مُثيرة لنقاشٍ نقدي ومتعٍ بصرية.

المساهمون