لا توقّعات لكنّ المُقبِلَ مُنتَظرٌ

لا توقّعات لكنّ المُقبِلَ مُنتَظرٌ

28 ديسمبر 2020
صالة سينمائية في زمن كورونا: سنعود.. لاحقاً (يوتيوب)
+ الخط -

 

لن يغيب عام 2020 عن أذهان كثيرين وذكرياتهم وانفعالاتهم، بسهولة. قسوة وتمزّقات ومخاوف، وتمرّدات ناقصة، سماتٌ يُدركها أناسٌ يعانون قلق الاستمرار في فضاء مغلق، أو في عزلة مفتوحة على ضيق واختناق.

تكرارُ قول ذلك مُملّ. لكنّ أفق المُقبل من الأيام غير مُبشِّر بخلاصٍ قريب، أو بخروج آمن من عتمة العزلات إلى المساحات الشاسعة للحياة. وإنْ كان المُقبِلُ مُنتَظراً. صناعات معطوبة، والسينما معطوبة أيضاً، رغم استعادة استديوهاتٍ نبضها، وإنْ بشروط السلامة الصحّية. إغلاق الصالات مأزق، وانفتاح منصّات ومواقع على أفلامٍ، بعضها مختلف جمالياً وفنياً ودرامياً، يُثيران تناقضاً في تعاملٍ مع حالةٍ، ينقسم نقّاد وجمهور ومهتمّون حولها. الرغبة في المُشاهدة، أياً تكن الظروف، تقوى عند البعض على طقوسٍ والتزامات سابقة؛ وتمسّكٌ بـ"أخلاقية" علاقة ماضية مع طقوسٍ والتزامات تَحُول، أحياناً، دون مُشاهدةٍ مريحة عند بعضٍ آخر.

كلامٌ مُكرّر. 3 أيامٍ أخيرة تُنهي عاماً مُتْعٍباً ومُدمِّراً. أسئلة سابقة على تفشّي وباء كورونا غير ممتلكة إجاباتٍ، فتستمرّ في طرح مسائل تبقى معلّقة في زمن كورونا. الأهمّ بينها مرتبطٌ بالسينما العربيّة: أحوالها ومساراتها واشتغالاتها. الإنتاج العربي ـ العربي المشترك مفقود. توزيع أفلام عربية في بلدان وصالات عربية معطّل. مشاركات وعلاقات عمل وتواصل حاضرةٌ، وإنْ بخفّة غير مُحتَمَلة أحياناً. جهات تُقدِّم منحاً ماليّة لمشاريع عربية، فتكتفي بما تجود به من مالٍ، فارضة شروطاً بسيطة على مرحلة ما بعد إنجاز المشروع، ثم ينتهي كلّ شيء. مواطنون كثيرون منفضّون عن أفلامٍ تُصنع في بلدانهم، في مقابل مواطنين، كثيرين أيضاً، يتابعون إنتاجاتٍ محلية يرون فيها أحوالاً وتفكيراً وتأمّلات وانفعالات تُصيبهم، سلباً أو إيجاباً.

لكنّ هذا يبقى ناقصاً. فالتواصل الجغرافي بين العرب حاجةٌ تبغيها صناعة أفلامٍ عربيّة تريد تماساً مع عربٍ، تروي شيئاً من حكاياتهم، وتلتقط بعض مشاعرهم، وتحرّض على تفكيرٍ ومعاينة حسّية. أو هذا يجب أنْ يحدث، على الأقلّ، إنْ تختفي الحاجة إليه عند عربٍ كثيرين.

 

الأرشيف
التحديثات الحية

 

منذ بداية القرن الـ21 (ربما منذ ما قبل البداية بأعوامٍ عدّة أيضاً)، تتشكّل سينما عربيّة جديدة، تريد مغايراً في قولٍ واشتغالٍ. تسعينيات القرن الـ20 تشهد نهاياتٍ، من دون بلورة أفق تجديديّ لـ"سينمات عربية" جديدة. ثنائية الجديد والتجديد غير مطروحة، نقدياً، بما يتجاوز مقالةً أو تعليقاً. أفلامٌ كثيرة تعكس غلياناً مطلوباً لصُنع جديدٍ يقول، بلغة تجديدية في الصورة والصوت والتوليف والموسيقى والأزياء والكتابة، مسالك اجتماع وأناسٍ، وإنْ ينقص التطرّق إلى بقعٍ، تُحرِّم سلطات حاكمة الاقتراب منها.

التحدّي قائم. سينمائيون عرب يقتربون ويخترقون، والممنوع يُفتَح أمام كاميراتهم، مُواربة واحتيالاً أو مباشرةً، وإنْ مُنع المُباشر وغيره لاحقاً. اشتغالاتهم تحثّ على قراءات دائمة، لعلّ العام المقبل يُتيح متّسعاً، ولو متواضعاً، لقراءات كهذه. كورونا يدفع إلى إنتاجٍ يربط الصورة بالحالة والعيش. أفلامٌ عربيّة قليلة (فلسطين ولبنان والمغرب تحديداً) تؤكّد حيوية عملٍ في عزلاتٍ قاتلة، وتقول إنّ الكاميرا مهيّأةٌ دائماً لتوثيق لحظة، جمالياً. ملاحظات عدّة تُثيرها أفلام كهذه، لكنّ الأهمّ منبثقٌ من تمكّن سينمائيين من العمل في غليان راهنٍ وانسداد أفقٍ وتمزّق حالة.

العام المقبل آتٍ بعد قليل. لا توقّعات ولا تطلّعات. انتظار الجديد روتين سنوي، وما يحمله الجديد مُنتَظرٌ، غالباً. لاحقاً، سيكون نقاشٌ، أو أكثر.

المساهمون