لام شمسية... عن تلك المواضيع المسكوت عنها

29 مارس 2025
بطل العمل الطفل علي البيلي (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسلسل "لام شمسية" يتناول قضية حساسة وهي التحرّش الجنسي بالأطفال، مما أثار اهتمام الجمهور والنقاشات على الإنترنت. العمل من بطولة أمينة خليل وتأليف مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي.
- يتميز المسلسل بتقديم تمثيل واقعي لتبعات التحرّش النفسية على الأطفال، مع الاستعانة بخبراء لضمان سلامة المشاركين. تدور القصة حول أسرة متوسطة تواجه توترًا بعد حادثة صادمة بين الطفل يوسف وأستاذه.
- يعتمد المسلسل على الدراما لفهم الشخصيات وعلاقاتها، مع استخدام ذكي للكاميرا لسرد تفاصيل أعمق. تميز "لام شمسية" في موسم رمضان 2025 كأفضل عمل درامي.

منذ ما قبل عرضه، أثار المسلسل المصري "لام شمسية" اهتمام الجمهور بموضوعه الذي يتناول قضية التحرّش الجنسي بالأطفال، وبدا أنه ضرب عصباً دقيقاً لطالما تحاشته الدراما المصرية. البعض تفاءل بالمشروع، خصوصاً بوجود بطلته أمينة خليل التي تصدّر نفسها باعتبارها "نسوية" و"فنانّة ملتزمة" بمقاربة مشكلات اجتماعية ونسائية، فيما حاول البعض الآخر تأجيل تفاؤله حتى معاينة المنتج الفنّي والوقوف على اشتغالاته و"إفاداته". 
والواقع أن حذر المعسكر الأخير مبرّر، عطفاً على حقيقة أن الضجّة المصاحبة لمثل هذه الأعمال "ذات الرسالة" أو التي تقارب موضوعات "محرَّمة درامياً" وثيقة الصلة للأسف بهشاشة مجتمعية تماثل أخرى رسمية قمعية، ترفض تقبّل المختلف والجدلي، تهرع إلى كنس بعض الأمور تحت السجّادة، وإذا كان هذا متوقعاً من أنظمة وسلطات فإنه ليس كذلك في الفنون، فثمة إغواء لا يقاوم في استكشاف الممنوع.

وبعيداً من هذا المدخل غير المنضبط تماماً في تقييم ومقاربة الأعمال الفنّية، إلا أنه في هذا الصدد نجح مسلسل "لام شمسية" في إعادة فتح النقاش حول مسألة تكاد تكون تابوهاً (في المجتمعات العربية عموماً) مثل التحرّش الجنسي بالأطفال. أثارت أحداث الحلقة الأولى العديد من النقاشات والتكهّنات على الإنترنت حول هذه القضية. شارك المتفرّجون والمتابعون نظرياتهم وتوقّعاتهم وأبحاثهم وتجاربهم الشخصية.
المسلسل من تأليف ورشة سرد للكتابة بقيادة مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي، يتناول بذكاء قضية التحرّش الجنسي بالأطفال، بدءاً من التزامه قدر الإمكان تقديم تمثيل واقعي لكيفية حدوثه وتبعاته على نفسية الأطفال. كما استعان فريق العمل بخبراء نفسيين وقانونيين، وتلقّى تدريباً على كيفية التعامل مع الأطفال في مواقع التصوير لضمان سلامة المشاركين، خصوصاً علي البيلي، الذي يؤدّي شخصية يوسف (إشادة واجبة بهذه الموهبة والشجاعة في تجسيد تعقيدات الحالة النفسية لطفل يقع ضحية التحرّش).
تدور القصة حول أسرة صغيرة من الطبقة المتوسطة: نيلّي (أمينة خليل)، زوجة طارق (أحمد السعدني)، تعيش مع ابنه يوسف (الطفل علي البيلي)، من زوجته الأولى هبة (أسيل عمران)، وشقيقه الأصغر ياسين. نيلّي أمّ مجتهدة تحرص على سعادة أسرتها الصغيرة، خصوصاً ابن زوجها يوسف، الانطوائي والعصبي ومتقلّب المزاج. للعائلة صديق قديم، وسام (محمد شاهين)، هو أستاذٌ جامعي يدرّس اللغة العربية، ويساعد يوسف في مهامه الدراسية. علاقة وطيدة ومتينة تربط وسام بالأسرة، لكن حدثاً صادماً بين الأستاذ والتلميذ بعد انتهاء حفل عيد ميلاد الأخير التاسع سيزلزل أجواء الهناء والسرور. تدخل نيلّي عليهما أثناء مساعدة وسام للصغير في تغيير ملابسه. تشكّ في أمره. تتهمه بالتحرّش بيوسف. يدخل وسام في غيبوبة وينقل للمستشفى، ويبدأ طارق في التشكيك برواية زوجته.
في الحلقة الأولى نحصل سريعاً على شرحٍ لعنوان المسلسل من النشيد الذي يردّده يوسف (من كلمات الشاعر مصطفى إبراهيم)، مبيّناً أوصاف واستخدامات "اللام الشمسية" و"اللام القمرية"، رابطاً "اللام الشمسية" بالأسرار والذنوب والقضايا المسكوت عنها، بالتأكيد على وجودها دون نُطقها بصوتٍ عالٍ: "والشمسية لام مسروقة، مش كل المكتوب يتقال". شكّل هذا النشيد القصير استعارة ممتازة لموضوع المسلسل، وكيف يمكن أن يكون التحرّش بالأطفال قضية حسّاسة، غالباً ما تثير الوصمة والعار عند الحديث عنها، بالرغم من شيوعها ووجودها في المجتمع.
تمتد ثيمة الموضوعات "المسكوت عنها" بشكلٍ ملحوظ إلى المسلسل بأكمله. نرى بعض الشخصيات الرئيسية تعاني في صمت من مشاكل نفسية (كوابيس ومحفّزات تروما أو اكتئاب)، كما هو الحال مع نيلي ورباب. بتوالي الحلقات، يجد المتفرج نفسه وسط عيادة نفسية تقريباً، زاخرة بأمراض سيكولوجية داخل كل شخصية. لا تُروى القصة من خلال النصّ فحسب، بل عبر استخدام واضح وذكي للأدوات البصرية، مثل ردود الفعل، والإشارات غير المنطوقة، وأنظمة الألوان، والحركة، التي تُضفي لمسةً من الذكاء على الأحداث وتُعزّز السرد. في تعاونه الثالث مع أمينة خليل (بعد "خلّي بالك من زيزي" و"الهرشة السابعة")، ينجح كريم الشناوي في توظيف الكاميرا لسرد تفاصيل وإشارات أعمق، حيث يُركز بشكل أساسي على المشاعر والإيماءات لسرد أجزاء جوهرية من القصة، والإشارة إلى ديناميات العلاقة بين الشخصيات.

مسلسلٌ فاعل ومؤثّر لا يحصر نفسه في خانة الوعظ أو تقديم الرسائل، بل يعتمد الدراما وسيلة أساسية لبلوغ مقصده: يفرد مساحات للشخصيات والتعريف بها والعلاقات بينها ليتفهّم المتفرّج لاحقاً كيفية تعامل كلّ منها مع الواقعة. في أيدٍ أخرى، على الأغلب كان المسلسل سيكتفي ببعض اللقطات المجانية لإحداث صدمة، ثم يلاحقها بزعيقٍ وصراخ سردي حول "الموضوع"، ثم تستمر الأحداث في دائرة مفرغة من "الرسائل". 
ينتهي موسم رمضان 2025 إذاً، وإن كان واجب علينا اختيار فائز واحد في هذا السابق، فسيكون مسلسل "لام شمسية" من دون أي منافسة حقيقية، رغم جودة مسلسلات أخرى عرضت في النصف الأول من الشهر، نذكر منها "إخواتي"، و"80 باكو" وغيرها من الأعمال.

المساهمون