استمع إلى الملخص
- تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تزييف الحقائق ونشر المعلومات المضللة عبر مواقع تبدو موثوقة، مما يخلق حالة من عدم اليقين بين الناخبين ويُصعب عليهم التحقق من صحة المعلومات.
- تُدار حملات التضليل بتقنيات متطورة مثل الروبوتات، مما يُعقد مهمة السلطات في التصدي لها، وتواجه السلطات تحديات قانونية في التعامل مع هذه المعلومات المضللة.
قبل أسبوع على الانتخابات الألمانية (23 الشهر الحالي)، تتزايد المخاوف من تأثير المعلومات والدعاية المزيفة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تُتهم هذه الحملات بتشويه صورة الأحزاب التقليدية، في محاولة لتعزيز حضور حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي. فما هو مصدر هذه المعلومات المضللة؟ وما أهدافها في ظل اشتداد المنافسة على أصوات الناخبين؟
الدعاية الروسية تستهدف الانتخابات الألمانية
أفاد موقع مؤسسة هيسن شو الألمانية عن المديرة المشاركة في مشروع مراقبة الانتخابات الفيدرالية ومركز مراقبة التحليل والاستراتيجية "سي إي إن إيه سي"، سيمونه رافائيل، التي تشارك بشكل مكثف في مجال التقنية الرقمية والتضليل، أن الانتخابات الألمانية تتعرض لتأثير من أطراف أجنبية تابعة لروسيا من خلال مواقع إلكترونية مزيفة، لافتة إلى أن الحملات والأخبار الضارة انتقلت بالكامل إلى العالم الرقمي، على منصات إنستغرام أو يوتيوب وإكس وحتى تليغرام. وترى هي وزملاؤها انتشاراً للمعلومات المضللة بصورة لافتة في البلدان الناطقة باللغة الألمانية.
وتنسجم هذه المخاطر مع ما انتشر في الآونة الأخيرة على تطبيقَي تيك توك وإنستغرام، بينها مقطع فيديو توثق عملية اغتصاب جماعي مزعومة ارتكبها أشخاص من أفغانستان في فرانكفورت وشاهده أكثرمن 800 ألف شخص، ونال إعجاب آلاف من المتابعين قبل أن يُحذف لأن القصة كانت مركبة ومزيفة.
من وجهة نظر محللين فإن الهدف من هذا الفيديو طبعاً، هو التصويب على مخاطر الهجرة واللجوء التي يناهضها "البديل"، وتعزيز مصداقية اليمين الشعبوي وطروحاته ضد الهجرة، مع العلم أن دراسة أجريت لصالح شبكتي "زد دي أف" و"إيه أردي" الإخباريتين، بينت أن منصة الفيديوهات القصيرة تيك توك الصينية تكتسب أهمية متزايدة بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 14 و29 عاماً، وأن 38% منهم يستخدمون "تيك توك" يومياً.
الذكاء الاصطناعي: أداة جديدة لتزييف الحقائق
تماشياً مع ما سبق، بينت تحقيقات استقصائية بينها لموقع كوركتيف، أنه وللوهلة الأولى تبدو المواقع الإلكترونية التي تنشر الدعاية الكاذبة، مشابهة لمواقع الأخبار الألمانية إلا أنها تنشر نظريات المؤامرة، وتحمل أسماء مثل "ناراتيف" و"إكو دي تسايت"، حيث تعاد كتابة النصوص من مواقع أخرى على الشبكة ولكن بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الإطار، قال رالف بيستي، مسؤول قسم الثقافة والمجتمع في وزارة الخارجية الألمانية والمكلف بتحليل مثل هذه المواقع والتي أطلقت عليها الخارجية المواقع النائمة، إن الخارجية حددت أكثر من 100 موقع إخباري زائف باعتبارها مواقع نائمة ولا يديرها صحافيون أو ناشرون معروفون، بل شبكات ذات نيّات شريرة. وعن طبيعة عملها، أوضح بيستي بأنه يُعاد نشر رسائل غير ضارة عبر هذه الشبكات حتى تأتي اللحظة التي توضع المعلومات الكاذبة عمداً، ويصار بعد ذلك إلى نشرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل "إكس" أو"بلوسكاي" أو "فيسبوك". ويعتقد بيشتي أن هذه المواقع كانت جاهزة لتفعيل عملها في الفترة التي تسبق الانتخابات، وهذا ما حصل في رومانيا ومولدوفا العام الماضي. وتوقع مع فريقه أن تزيد الحملات من هذا النوع لاستهداف الانتخابات البرلمانية الألمانية.
علاوة على ذلك، أبرز بيستي ظهور نمط ثان بالتوازي يطلق عليه "الحمل الزائد"، مبيناً أن السلطات والمنظمات التي تتعامل مع المعلومات المضللة تتلقى عدداً كبيراً من الطلبات وعمليات التدقيق، مفيداً بأن هذا النمط أو هجمات التحميل الزائد تهدف إلى إرباك مدققي البحث بالتدقيق في المعلومات ودقتها، أي التحقق المستقل من البيانات والموضوعات الشائعة، حتى لا يتمكنوا من الوصول إلى الحقيقة، علماً أن الخبيث في التضليل هو التلاعب، ومن ثم تدمير الثقة وخلق حالة من عدم اليقين، وما يسمح بأن تنتشرالأكاذيب ويضيع المتلقي بين ما يجب تصديقه من عدمه.
وفي هذا الإطار، أشار خبراء في مجال التواصل والتكنولوجيا إلى أن ما ميز هذه الحملة الروسية، هي المقالات التي تُكتب بواسطة الذكاء الاصطناعي على مواقع الويب، إذ إنها تبدو كتلك الموجودة على المواقع الإخبارية العادية، ناهيك عن مقاطع الفيديو المزيفة التي تحمل تصريحات مزعومة لسياسيين ولأشخاص مؤثرين في الرأي العام وتلقى رواجاً كبيراًعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد بيّن استطلاع أجرته الجمعية الرقمية الألمانية (بيتكوم) أن 88% من الناخبين المؤهلين في ألمانيا يتوقعون التلاعب بالانتخابات العامة من الخارج، فيما اعتبر 30% من المستطلعة آراؤهم أنهم واجهوا معلومات مضللة حول الانتخابات على شبكات التواصل، في وقت وجد 37% أنه ليس من السهل وفي كثير من الأحيان التحقق من المعلومات قبل مشاركتها.
تقنيات متطورة: كيف تُدار حملات التضليل؟
عن التقنيات التي تعتمدها هذه الشبكات، أفاد بيستي بأن الأنظمة المعتمدة متطورة جداً ومن الصعب إيقافها، ويمكن أتمتة هذه الخدع بسهولة أكبر بمساعدة الذكاء الاصطناعي، وكل هذا يمكن تزويره أيضاً باستخدام الروبوتات والآلات، وهذا ما لم يكن متاحاً خلال السنوات القليلة الماضية. تجدر الإشارة إلى أن السلطات أوضحت أنه لا يوجد مجال كبير للتحرك ضد مثل هذه المعلومات المضللة من جانب الجهات الفاعلة في الدولة.
وفي خضم ذلك، أفاد المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) أنه وعلى خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، من المرجح أن تكون لروسيا المصلحة الأكبر والأكثر وضوحاً في التأثير على الانتخابات بما يخدم مصالحها الخاصة.
وأفاد تحليل للمكتب المذكور بأنه يجب أن تؤخذ في الاعتبار أعمال التضليل وتشويه السمعة والهجمات السيبرانية، وكذلك التجسس والتخريب. ووفق الاستخبارات الداخلية الهدف هو خلق أو تعميق الشكوك وخطوط الانقسام في المجتمع الألماني، بل يتعلق الأمر أيضاً بتقليل الرغبة في دعم أوكرانيا، وبهذا المعنى التأثير على القرارات السياسية.
ووفق نتائج التحقيقات فإن المسؤولين عن هذه الهجمات ومحاولات نشر المعلومات المضللة جهات موالية لروسيا، وهذا ما أكّده بيستي، وموضحاً اكتشاف بعض الشبكات ومن بينها الشبكة المسماة "دوبلغانغر". وبعد تحديد هويتها تبين أنها تحمل توقيعاً روسياً، وأن الوكالات التابعة للحكومة الروسية كانت وراء هذه الأساليب بهدف بث المعلومات المضللة ونشر القصص الإخبارية الكاذبة عبرمواقع الويب التي تبدو كأنها مواقع أصلية لوسائل إعلام مرموقة، فيُعاد نشر المحتوى من خلال التعليقات على شبكات التواصل.
ومن زاوية أخرى، تؤكد وزارة الداخلية الألمانية أن نشرالمعلومات المضللة سراً من قبل وكالات حكومية أجنبية في ألمانيا لا يشكل عموماً جريمة جنائية، وهذا يجعل من الصعب على السلطات إصدار تعليمات لمقدمي الخدمة الألمان بإغلاق خدماتهم، كما هو الحال في ما يخص المزود الألماني "سيم نتواركس"، الذي يُشغّل عبر خوادم الشركة الليتوانية "هوستينغر"، إلا بناء على عمليات تحقق وتدقيق ونتائج تُجرى حصرياً من قبل المحققين والنيابة العامة وما إلى ذلك، أي عبر الادعاء العام وحكم قضائي.