كيف بَنَت روسيا شبكة من المضللين لتشويه الوقائع في سورية؟

كيف بَنَت روسيا شبكة من المضللين لتشويه الوقائع في سورية؟ دراسة جديدة تجيب

21 يونيو 2022
ركزت حملات التضليل على تشويه عمل "الخوذ البيضاء" (عبد العزيز كتاز/فرانس برس)
+ الخط -

أكد بحث أجراه باحثون في "معهد الحوار الاستراتيجي" وجود شبكة مدعومة من روسيا تروج لنظرية "المؤامرة على سورية"، وقوامها آلاف التغريدات والتدوينات المضللة التي أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تشويه واقع النزاع السوري ومنع تدخل المجتمع الدولي ضد نظام بشار الأسد.

وأوضح البحث الذي أجراه المعهد بالتعاون مع منظمة "الحملة السورية"، ونشر أول أمس الأحد، أنّ هناك 28 حساباً (لأفراد ومنظمات) منخرط في هذه الشبكة. وأضاف أنّ الموضوعات الرئيسية التي ركزت عليها الشبكة، تشمل تشويه عمل "الدفاع المدني السوري" (الخوذ البيضاء) وإنكار أو تشويه الحقائق حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، ومهاجمة النتائج التي توصلت إليها لجنة المراقبة التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

ولاحظ البحث انخراط الحسابات الرسمية للحكومة الروسية في إنشاء ونشر محتوى مضلل، خصوصاً السفارتين الروسيتين في بريطانيا وسورية، مشيراً إلى أنه من بين 47 ألف تغريدة مضللة في تويتر و817 منشوراً في فيسبوك، كان هناك 19 ألف منشور أصلي (تنشر لأول مرة)، وأعيد نشرها أكثر من 671 ألف مرة، ليصل هذا المحتوى إلى نحو ثلاثة ملايين حساب، منهم 1.8 مليون شخص يصلهم المحتوى لأول مرة، بحسب البحث.

أبرز المنخرطين في حملات التضليل

ومن أبرز من ورد ذكرهم في التقرير على أنهم ناشرون مؤثرون للمعلومات المضللة، الصحافية المستقلة، فانيسا بيلي، التي وصفت لحظة لقائها رئيس النظام السوري بشار الأسد، بأنها "أكثر لحظات حياتي فخراً"، وكانت روسيا قد قدمت نظريات المؤامرة التي تروج لها بيلي كأدلة في مجلس الأمن.

وفي سبتمبر/أيلول 2015، اتهمت بيلي "الخوذ البيضاء" بالتحالف مع تنظيم القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية، مدعية أن لقطات الفيديو التي يجمعها متطوعو الخوذ البيضاء وهم ينقذون المدنيين من المباني التي دمرت، "ملفقة". 

وأضاف البحث: "في عام 2015، كانت معظم المنشورات المضللة باللغة الإنكليزية التي جمعناها في بحثنا من وسائل التواصل الاجتماعي تعود إلى بيلي، ولكن عام 2017 شهد انضمام مجموعة من الأشخاص الآخرين ممن ينشرون رواية الكرملين ذاتها. بعضهم من المبتكرين الأساسيين لنظريات المؤامرة، وينضمون إلى الرحلات الصحافية التي ينظمها النظام السوري بمجرد استيلاء القوات الروسية والسورية على منطقة ما ويروجون لنسختهم الخاصة للأحداث". 

وكشف أنه منذ عام 2020 أصبح آرون ماتيه الذي ارتبط اسمه بموقع غرايزون Grayzone الإلكتروني، المروّج الأول للمعلومات المضللة. ومثل زميلته بيلي، دُعي للحضور إلى الأمم المتحدة من قبل روسيا، ليشرع في محاولة الدفاع عن النظام السوري ضد الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية.

وأوضح البحث أنه رغم الأدلة الكثيرة في الفيديوهات والتوثيقات وشهود العيان على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، استطاعت نظريات المؤامرة حشد الدعم، حتى في بعض أوساط الأكاديميين البريطانيين. 

وأضاف التقرير أنّ بين 2015 و2021، زاد التضليل حول سورية كثيراً على تويتر، حيث جمع فريق البحث 47 ألف تغريدة تضليلية عن سورية نشرتها الحسابات الـ 28.

تأثير هذا التضليل على أرض الواقع

حول النتائج العملية لهذه الحملات التضليلية، وجد التقرير أنّ تأثير هذا الكمّ الكبير من المعلومات المضللة، تُرجم في زرع "الارتباك والشك" بين صانعي السياسة الحكوميين، ما ساعد على وضع سياسات مناهضة للجوء، والتطبيع مع النظام السوري، وشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تكرار هذه التكتيكات في أوكرانيا.

وأوضح البحث أن هذه الجهود ساعدت على تبرير استهداف أفراد الخوذ البيضاء والعاملين في المجال الطبي، من قبل القوات الروسية والسورية، حيث قُتل 296 متطوعاً في أثناء أداء واجبهم منذ عام 2012.

يضاف إلى ذلك، أنّ الريبة والشكوك وفّرت غطاءً للتقاعس السياسي، حيث أظهرت مقابلات مع صنّاع السياسات أن التضليل حول النزاع السوري سهّل على الحكومات التهرب من مسؤوليتها في التحرك. كذلك أسهمت هذه الحملات في تبرير سياسات الحكومات المعادية للاجئين، حيث تصدق الحكومات اليوم مزاعم الأسد وروسيا بأنّ سورية أصبحت الآن آمنة، ويمكن اللاجئين العودة إلى بلادهم، إضافة إلى تبديد الطاقات في تكذيب الروايات الروسية المضللة، ووضع المدافعين عن حقوق المدنيين في موقع الدفاع والتبرير دائماً.

المساهمون