كيف أغرقت روسيا الإنترنت بالأخبار الكاذبة؟

كيف أغرقت روسيا الإنترنت بالأخبار الكاذبة؟

06 أكتوبر 2022
يشير الباحثون إلى أنّ ملايين الأشخاص شاهدوا هذه الأخبار عبر "فيسبوك" (Getty)
+ الخط -

"وفاة طفل في حادث دراجة في برلين بعد إطفاء أضواء الشوارع ليلاً، حيث تواجه ألمانيا أزمة طاقة بعد قطع إمدادات الغاز الروسية".

للوهلة الأولى، يبدو هذا الخبر، الذي جرت مشاركته على "فيسبوك"، وكأنّه منشور بالفعل في صحيفة "بيلد"، الأكثر انتشاراً في ألمانيا.

لكنّ التحقيقات، بحسب وكالة فرانس برس، كشفت أنّه خبر كاذب، ضمن حملةٍ منظّمة لترويج أخبار ومعلومات كاذبة لمصلحة روسيا، عبر استنساخ وتقليد مواقع إخبارية رائدة في ألمانيا، خصوصاً، وفي أوروبا عموماً.

في أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ألغت شركة ميتا، مالكة "فيسبوك"، ما أسمته "الشبكة المترامية الأطراف" وراء هذه الحملة، التي نشأت في روسيا، بحسب الشركة، وركّزت أساساً على الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقالت "ميتا" إنّ أكثر من 60 موقعاً انتحلت صفات مؤسسات إخبارية حقيقية، من أوكرانياً مروراً بفرنسا وإيطاليا وصولاً إلى بريطانيا، أهمها صحيفة ذا غارديان البريطانية، ومجلة دير شبيغل الألمانية ووكالة الأنباء الإيطالية (أنسا).

وقالت "إي يو ديس إنفو لاب"، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بمكافحة الأخبار الكاذبة، إن أهداف الشبكة كانت "تصوير أوكرانيا على أنّها دولة فاشلة وفاسدة ونازية"، بالإضافة إلى "الترويج لسردية الكرملين عن حرب أوكرانيا".

ونقلت "فرانس برس" عن المنظمة قولها إنّ "الشبكة التي نشطت منذ مايو/ أيار الماضي كانت تهدف أيضاً إلى بثّ الخوف بين الأوروبيين بشأن "الكيفية التي ستدمر فيها العقوبات المفروضة على روسيا حياتهم".

أزمة الطاقة الألمانية نموذجاً

يبدو ذلك واضحاً في حالة تقرير "بيلد" الوهمي، المنشور في أغسطس/ آب الماضي، والذي سعى لإظهار الأثر السلبي للإجراءات العقابية ضدّ موسكو على حياة الناس في أوروبا.

وكان لتخفيض روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا، الذي يعتقد أنّه جاء ردّاً على العقوبات، تأثير شديدٌ في ألمانيا تحديداً، ما دفع الحكومة إلى الكشف عن مشروع إغاثة بقيمة 200 مليار يورو، خلال الأسبوع الماضي.

ظهرت سلسلة من الأخبار والتقارير الكاذبة الأخرى في ألمانيا، من بينها واحدة على موقع "دير شبيغل" المزيّف عن مدرسة في مدينة بريمن، شماليّ البلاد، تعرّض مبناها للانفجار خلال محاولة لتوفير الغاز.

وزعم خبر آخر منشور على الموقع المزيف لـ"تي أونلاين"، أنّ سائقي الشاحنات يغلقون الطرقات احتجاجاً على سياسات الاتحاد الأوروبي. فيما زعم خبرٌ آخر منشورٌ في موقع "بيلد" المزيّف أنّ لاجئين أوكران سبّبوا إشعال منزل خلال محاولتهم حرق علم روسي.

كانت وسائل الإعلام الألمانية أوّل من لفت الانتباه إلى هذه المواقع المزيّفة، قبل أن يبدأ باحثون آخرون بالتحقيق.

أظهرت التحقيقات، التي أجراها فريق التحقّق من المعلومات في وكالة فرانس برس، أنّ خبر "بيلد" عن الصبي الذي مات بعد أن وقعت دراجته في حفرة، قد زُوِّر.

ونفت متحدثة باسم شرطة برلين لـ"فرانس برس" وقوع حادث من هذا النوع، وقالت: "لم يمت أيّ شاب في حادث مروري هذا العام حتّى الآن".

تقع مسؤولية إنارة الشوارع في العاصمة برلين على عاتق الوكالة المعنية بالبيئة والتنقل الحضري وحماية المستهلك والعمل المناخي. وقال متحدّث باسم الوكالة إنّ التقرير "كاذب حتماً" وإنّهم لم يطفئوا إنارة الشوارع ليلاً.

ولفت إلى أنّ إبقاء الشوارع مضاءة لضمان سلامة المرور، مطلبٌ قانونيٌ في برلين و"يُطبَّق بصرامة".

كذلك، أكّد متحدث باسم "بيلد" أنّ المقال مزيف، وقال: "للآسف يتكرّر هذا الأمر بانتظام".

"القرين الشرير"

تتبع المقالات والتقارير الكاذبة نمطاً واحداً، فهي تظهر على مواقع إلكترونية تشبه تلك الخاصة بوسائل الإعلام الحقيقية، ويحمل رابط الموقع الاسم نفسه مع اختلافٍ طفيف. ثمّ تُنشَر هذه الأخبار عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"تلغرام"، ويُروَّج لها عبر خدمة الإعلانات المدفوعة لضمان انتشارها بشكل واسع.

بعد أن نجحت في تعطيلها، وصفت "ميتا" الحملة بأنّها "أكبر عملية روسية المنشأ وأكثرها تعقيداً منذ بداية الحرب في أوكرانيا"، ولفتت إلى أنّها تضمّنت "مزيجاً غير عادي من التحريف والعنف".

شبّهت "إي يو ديس إنفو لاب" الحملة الروسية بـ"القرين الشرير"، وقالت إنّ تحقيقها لم "يتمكن من إثبات مسؤولية جهّة محدّدة"، لكنّ عناصره تشير إلى تورّط أفراد يعيشون في روسيا.

وأشارت إلى أنّ بعض أسماء النطاقات الإلكترونية قد جرى شراؤها من خلال مزود استضافة ويب روسي، وأنتجت بعض مقاطع الفيديو على أجهزة حاسوب وضعت إعداداتها باللغة الروسية.

كذلك، لفتت المنظمة إلى أنّ بعض المقالات تبدو مثل تلك التي تظهر على موقع الأخبار الروسي "آر آر إن ورلد".

بحسب الباحثين، يظلّ من الصعب الحكم على مدى تأثير الأخبار والتقارير الكاذبة، لكنّهم يعتقدون أنّ المنشورات التي تروّج لها قد شوهدت من قبل ملايين المستخدمين على "فيسبوك".

المساهمون