كوثر بن هنية نحو الـ"أوسكار": الواقع نواةٌ واشتغاله سينمائياً متفاوت

كوثر بن هنية نحو الـ"أوسكار": الواقع نواةٌ واشتغاله سينمائيّاً متفاوتٌ

12 فبراير 2021
كوثر بن هنية: وقائع تصنع سينما (باسكال لو سيغرُتان/ Getty)
+ الخط -

اختيار "الرجل الذي باع ظهره" (2020)، للتونسية كوثر بن هنيّة، في اللائحة القصيرة لجوائز "أوسكار" في فئة أفضل فيلم أجنبي (6 فبراير/ شباط 2021)، دعوة إلى استعادة بعض ملامح اشتغالاتٍ تحاول المخرجة، عبرها، تثبيت حيّز لها في المشهد السينمائي. تضمّ اللائحة القصيرة 15 فيلماً. الكلام يتردّد دائماً مع إعلان اللائحة سنوياً: هذه الأفلام غير مُرشّحة رسمياً. الترشيحات الرسمية تصدر في 15 مارس/ آذار 2021، وبعد 10 أيام تُعلن النتائج النهائية، وتُمنح الجوائز. هناك احتمالٌ للتأجيل، بحسب ما ستؤول إليه أحوال العالم، بسبب كورونا.

أفلامٌ مختارة في اللائحة القصيرة تمتلك سينمائيةَ اشتغالٍ أفضل وأهمّ من جديد كوثر بن هنيّة. هذا لن يحول دون مُشاهدة الفيلم العربيّ الوحيد الذي اختير في اللائحة. لكوثر بن هنيّة مسار يجمع السينمائيّ بحيوية اجتماع وعيشٍ وتبدّلات، في بلدها تونس. جديدها يخرج من بلدها إلى مزيج الهجرة السورية، بسبب الحرب والعنف والخراب، بقصّة حبّ منسوجة على مفردات فنّ حديث. الروائي الرابع هذا يختلف عن أفلامٍ روائية طويلة سابقة، بعضها يتفنّن في إلغاء كلّ حدّ فاصلٍ بين الروائي والوثائقي. "شلاّط تونس" (2014) مثلٌ أساسيّ. "زينب تكره الثلج" (2016) يتخفَّف قليلاً من وثائقيّته، من دون التحرّر المطلق منها. "على كفّ عفريت" (2017) يستعين بالوثائقيّ ما يُغذّي نصّاً يروي شيئاً من اللاحق على "ثورة الياسمين" (17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 ـ 4 يناير/ كانون الثاني 2011)، مبتعداً عنها في الوقت نفسه.

استناد أفلامها إلى وقائع مختلفة جزءٌ من اشتغالها السينمائي. غليان مجتمعها حافزٌ لها على إنجاز أفلامٍ، تستلّ حكاياتها من أحوال أفرادٍ يعانون مصاعب وتحدّيات، فتتحوّل قصصهم معها إلى معاينة أعمق لجماعة وبلدٍ. إصرارها على واقعية الحكايات يمنح أفلامها مصداقية وجماليات، رغم أنّ بعض اشتغالاتها مُصابٍ بارتباكات في الكتابة والمعالجة غالباً، وهذا نادرٌ. الوثائقي الأول، الوحيد لها كفيلم وثائقي متكامل، بعنوان "الأئمة يذهبون إلى المدرسة" (2010)، يعكس امتلاكها أصول مهنةٍ توثِّق وقائع بلغة الصورة. والفيلم القصير في سيرتها السينمائية له حضور، وآخر إنتاجاتها "بطيخ الشيخ" (2018) يُثبت براعتها في الاختزال الدرامي والتكثيف السرديّ، ويحول دون بهتانٍ أو خللٍ يحصلان، أحياناً، في أفلامٍ طويلة.

 

 

هذا كلّه منبثقٌ من استناد كوثر بن هنيّة إلى وقائع وقصص حقيقية. "شلاّط تونس" عن رجلٍ يقود دراجة نارية ويُطارد نساءً يمشين سيراً على الأقدام، ويشطب أردافهنّ بموسٍ. "زينب تكره الثلج" يروي حكاية مراهقة، تجد نفسها أمام تحدّ صعبٍ بعد وفاة والدها: عليها اختبار الهجرة رفقة والدتها، التي تستعيد حبّاً قديماً لها مع رجلٍ مهاجر إلى كندا. "القصّة حقيقية": تعريفٌ بـ"على كفّ عفريت"، المأخوذ عن كتاب "مذنبة لكونها اغتُصبت" (ترجمة حرفية للعنوان الأصلي باللغة الفرنسية Coupable D’avoir Ete Violee)، لمريم بن محمد، صادر عام 2013: شابّة تونسية (28 عاماً) يغتصبها 3 شرطيين، بعد خروجها من سهرةٍ مع خطيبها، ذات مساء في سبتمبر/ أيلول 2012. ما يحصل لاحقاً يُشبه العيش في جحيم بلدٍ واجتماعٍ مُصابين بذكورية قاتلة، وبانعدام أي تأثير إيجابيّ لثورةٍ تريد تغييراً جذرياً من دون القدرة على بلوغه.

السينما حاضرةٌ. التداخل البصري بين التوثيق والسرد الحكائيّ، رغم اختلاف حجم كلّ واحد منهما في كلّ فيلم، يؤكّد حساسية كوثر بن هنية إزاء تقليص المسافات بين الأنواع، من أجل السينما أساساً، ومن أجل سينما واقعية أيضاً.

التفاصيل الحقيقية في "الرجل الذي باع ظهره" ("العربي الجديد"، 6 يناير/ كانون الثاني 2021) قليلةٌ، فالفنان التشكيلي البلجيكي ويم ديلفوا (1965) معروفٌ باختباراته الفنية "المتطرّفة"، إذْ يستعين بأجساد أفرادٍ في اشتغاله، محوّلاً إياها إلى لوحات. أحد مانحي أجسادهم مشهورٌ بفن الوشم، يُدعى تيم شتاينر (1971). مع بن هنية، يُصبح "الرجل اللوحة" سورياً هارباً من بلده، في بداية "ثورة 18 مارس" (2011). رغم تأكيدٍ كهذا، لن يكون اعتقاله مرتبطاً بالثورة، بل بمناداته بها في قطار، تعبيراً عن حبّه لشابّة، يريدها زوجة له، لكنّ أهلها يُزوّجونها ديبلوماسياً يعمل في سفارة بلده في بلجيكا.

رغم أهمية الحكاية، يوصف "الرجل الذي باع ظهره" بالعاديّ، وبعض النقد يراه مرتبكاً، كتابة ومعالجة. مع هذا، تختاره "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها" في لوس أنجليس في لائحة تضمّ إليه 14 فيلماً، بعضها أهمّ وأجمل وأعمق.

هذا غير أساسيّ، مع أنّ لـ"أوسكار" ثقلاً معنوياً يطمح إليه كثيرون. الأساسيّ كامنٌ في الاشتغال السينمائي، ولكوثر بن هنية محطّات مهمّة فيه.

المساهمون