Skip to main content
كنزو تاكادا... أن تُورث العالم زهرةً
عمّار فراس
علاقة كنزو مع الفنون حاضرة دوماً في اشتغالاته الفنيّة (Getty)

ربما هي مصادفة أن تهدم الدولة منزل كنزو تاكادا في الستينيات. كان السبب هو إعادة تأهيل البنى التحتيّة استعداداً لألعاب الصيف الأولمبية التي أقيمت عام 1964 في طوكيو. هذا الهدم والتعويض المالي الذي حازه كنزو، دفعاه - وهو من أول الطلاب الذكور في مدرسة الأزياء في طوكيو - إلى استخدام النقود للسفر، فتنقل من الشرق مروراً بمرسيليا جنوبي فرنسا حتى باريس، مدينة أحلامه، وموطن مصممه المفضل إيف سان لوران.

في هذه المدينة التي كان من المفترض أن يبقى فيها ستة أشهر، شعّ نجم كنزو لأكثر من 40 عاماً، ليرحل عن عالمنا قبل أيام بعد إصابته بمرض "كوفيد-19"، تاركاً وراءه إمبراطوريّة أزياء وعطور عالمية، نميّز منها "الوردة"، التصميم الأشهر للعطر الذي ما زال يُنتج إلى الآن، ويشكل جزءاً من ذاكرتنا عن الأناقة، وفي ذات الوقت، الكيتش، كونه من أكثر العطور نسخاً وتقليداً.

علاقة كنزو مع الفنون حاضرة دوماً في اشتغالاته الفنيّة، منذ تصميم متجره الأول المستوحى من لوحة "الحلم" لهنري روسو، حتى أول العطور التي صممها عام 1980 باسم "كينغ كونغ". هذه العلاقة جعلت تصاميمه تنتشر بشكل واسع، إلى جانب أسعارها المعقولة، ومخاطبتها ذوق الشبان الثوريين محبي الكيتش والناقمين على "الجميل" و"شديد الإتقان"، وهذا ما نلاحظه لاحقاً حين أعلن تقاعده عام 1999 ليتفرغ للفن، وأنتج بعدها عدداً من التصميمات الداخليّة، ولوحات فنيّة متعددة، لكنه ما لبث أن عاد إلى الأزياء وأطلق عام 2018 كتاباً يحوي تصاميمه الأولى وسيرته الذاتيّة.

أشهر ما قدمه كنزو هو عطر "زهرة" الذي تصفه العلامة بعد مرور عشرين عاماً على تصميمه، بأنه "تحدّ شعريّ"، هدفه إحضار الوردة إلى المدينة، "وردة حرة، تخترق الإسمنت وتلتحم مع الهواء بسبب سحرها". والأهم أنه عام 2000 أراد كنزو أن يخترع عطراً من زهرة بلا رائحة، وكان الاختيار زهرة الخشخاش ذات اللون الأحمر الذي يطغى على تصميمات قنينة العطر المتنوعة، ليكون العطر مزيجاً من "القوة والهشاشة"، وهذا ما نراه على القنينة ذاتها التي تحوي زهرة، هي هشة قابلة للكسر في ذات الوقت تحوي عطراً ذا عبق لا يشبه إلا الزهرة، وكأن وجودها المادي مع العطر دليل على استحالة التخلي عنها، عصية على النفي وحيدة بعد استخراج عطرها، بل إن الزهرة نفسها مستوحاة من الصورة الشهيرة لفتاة تضع وردة في بندقية شرطي أثناء مظاهرة في واشنطن ضد حرب فيتنام عام 1967.

تصميمات كنزو موجودة من حولنا من دون أن نعلم بذلك، فالكنزة التي تحمل صورة نمرالتي يصفها البعض بالكيتش أو المبالغ بها، هي من تصميم فريقه عام 2012، وارتديت من قبل أبرز المشاهير في العالم. وهنا تظهر الدعابة والرهانات في تصاميمه الشهيرة، وكأن العملية الإبداعية أشبه برمية نرد، لا يمكن ضبط نتائجها، يتم عبرها توظيف الرموز والعلامات في رهان على الجرأة، فالعبارة الشهيرة "لن يرتديها أحد!" أشبه بدافع لكنزو والعاملين معه، إذ لا دليل حقيقياً على ما يفضل الناس وما يكرهون.

اسم كينزو على تماس دائم مع أقرانه من الفنانين، إذ تعاون عام 2014 مع المخرج الأميركي ديفيد لينش، وأطلقت العلامة ذاك العام تصاميمها الخريفيّة بناء على منحوتات لـ لينش مستوحاة من "توين بيكس" وأعمال أخرى له، لنرى أنفسنا داخل عوالم لينش المرعبة لكن مع ألوان فاقعة أكثر. ما هو ناصع وعاكس لزخارف وتنوع كنزو، يتحول إلى صيغة مرعبة عند امتزاجه بعوالم لينش، ليكون عرض الأزياء حينها أقرب إلى رحلة جمالية مثيرة للرعب، مسحة لعبيّة تعلو العارضين والعارضات الذين يتحركون في عوالم هذيانيّة يسكنها الوحوش وربات المنازل والمراهقين الذين يخفون رعباً ودهشة تختزل هدف الجمال الأول، ألا وهو إثارة الفزع.

علاقة كنزو مع الثقافة الأميركيّة جعلته واحداً من أشهر أعلام ثقافة البوب المعاصرة، بالرغم من الجماليات المستمدة من اليابان ومن الثقافة الفرنسيّة، هيمنت المرجعية الأميركيّة على حملاته في السنوات الأخيرة، إذ تعاون مع بريتني سبيرز ووظف "النمر" في حملة أطلقت عام 2018، فسبيرز تمثل جيل المراهقين الثائرين والتقلبات التي مرت بها تعكس الانقلاب من التسعينيات إلى الألفية الجديدة.

وهذا ما نراه في تصاميم المجموعة المستوحاة من تلك الحقبة، أغلبها ثياب جاهزة تم التعديل عليها ووظفت الملصقات وحياكة الإتيكيتات كجزء من شكل الألفية الجديدة، ذاك الذي يلتهم الماضي ويعيش أزمة حقيقة على مستوى الرمز، الذي فقد قيمته، وتحول إلى زينة خالية من التاريخ.