كندريك لامار: العالم مجرّد تهديد

كندريك لامار: العالم مجرّد تهديد

17 يونيو 2022
كنت مشغولاً في إعادة بناء عالمي الخاص (جيف كارفيتز / Getty)
+ الخط -

بعد غياب دام لأكثر من خمس سنوات، يعود مغني الراب الأميركي كندريك لامار، بألبوم غنائي جديد. يحمل العمل عنوان Mr. Morale & the Big Steppers؛ ويضم 18 أغنية، موزعة مناصفةً بين أسطوانتين، اجتمع فيها عدد من مغني الراب، وهم: إيكهارت تول وبيبي كيم وسام ديو وتانا ليون وويتني ألفورد.
دلالات ورسائل عديدة يطرحها لامار، ضمن إطار موسيقي ينقسم- بين الأسطوانتين- إلى رؤيتين في شكل التوزيع واستخدام الآلات الموسيقية من جهة، والسرد الشعري الذي يكشف عن اعترافات شخصية، تعكس مشاعر لامار الجارفة، من جهة أخرى.

الأسطوانة الأولى

يسعى لامار، في الشريط الأول، إلى توجيه المستمع نحو وجبة موسيقية حارة، مليئة بالألحان الحيوية والمتفاوتة في شكلها وتوزيعها، انطلاقًا من الأغنية الافتتاحية United In Grief. تستهل الأغنية ألحانها على موسيقى الهيب هوب والجاز- الطاغية على معظم الإصدار- ضمن نسق موسيقي تقوده أصوات آلة البيانو. وبينما تنجح مسارات موسيقية في ضبط بعض الإيقاعات المكبوتة خلف نقرات البيانو، يتماهى غناء لامار المتسارع وسرده المرن مع الفواصل الصامتة المقحمة، ليتسنى له تفسير عمل آلية الألبوم وغايته في تطوير السلم الأخلاقي والعاطفي لأفكاره الغاضبة والمتهكمة.
وإن كانت هناك نزعة عدمية بين السطور، فإنما لتكوين رؤية خاصة مرتبطة بالعالم الخارجي، وتهديده لحياة الإنسان وأفكاره وعقله وغطرسته، التي تهيمن على نجاحاته درجةً يبقى معها الاستمتاع والبذخ من أكثر الأشياء إيلامًا للنفس. هكذا، نستمع إلى مقاطع مثل "اشتريت ساعة رولكس ارتديتها مرة واحدة. اشتريت مسبحًا ضخمًا لم أسبح فيه مطلقًا. العالم مجرد تهديد".


هذه الاعترافات تجعلنا نشكك بداية في مآرب لامار في جميع الأغنيات المتبقية من الأسطوانة الأولى، والتي يبلغ مجموعها تسع أغنيات. هل يريد التعبير عن روحه أم أنيابه؟ عن صدقه أم غطرسته وشروره؟ ربما صورة الغلاف تكشف لنا عن إشارات ودلالات عديدة، وعلى رأسها التاج الشوكي الذي يرتديه لامار (إشارة إلى تاج المسيح الذي وضع على رأسه قبل صلبه). قد يفسر هذا، بشكل مباشر، ما لا يصلح أن يكون موضع شك.
ولكن، كما أشرنا، هناك خطة تحتاج إلى تصعيد خطابي وموسيقي، ليتمكن لامار من توجيه المستمع، وبشكل أخص المستمعين من ذوي البشرة السوداء، نحو تجاربه في الزواج والتربية الأسرية والسياسة والحقوق الاجتماعية والرأسمالية والنفاق. ونقول من ذوي البشرة السوداء، لكثرة ما استخدم لامار كلمة "نيغا" في معظم أغنيات الإصدار.

الأسطوانة الثانية

نتتبع مع مطلع الأغنية الأولى من هذه الأسطوانة Count Me Out، درجات الاختلاف والتحول في شخصية لامار وشخصية الألبوم موسيقيًا وشعريًا. الألحان ستغدو أقل صخبًا وضجيجًا، وأكثر رقة وشجنًا. المسافات بين الجمل اللحنية متداخلة ومتناسقة. ستختفي فوضى الآلات ضمن توزيع متناسق ورصين، مع الاكتفاء بلغة موسيقية بسيطة وهادئة، لا تزيد في نوتاتها عن مازورة أو اثنتين، لقيادة الخط العام للألحان، عدا عن أغنيتين لم تخرجا عن النسق، وإنما عرفتا لونًا موسيقيًا مغايرًا للجاز، وذلك بالانتقال إلى موسيقى الـ آر أند بي كما حصل في أغنيتي Mirror وCrown.

هذا التحول الموسيقي يتقاطع مع انتقال لامار من السرد المرن والتهكم اللاذع، إلى أداء أكثر انضباطًا ورتابةً. حكمة التحول، هنا، ستغدو أكثر ارتباطًا بأفكار لامار وشخصيته، التي تعكس رحلة علاجه وتطهيره نفسيًا وبعثه من جديد، اقتباسًا من رحلة المسيح واقتداءً بتعاليمه وأخلاقه وحكمته. فنستمع إلى مقاطع شعرية توضح عملية هذا التحول في الشق الثاني من الألبوم: "تمت إعادة توجيه أفكاري. آسف، لم أنقذ العالم يا صديقي.. كنت مشغولًا في إعادة بناء عالمي الخاص. أنت لا تشعر بالذنب حتى تشعر بالرضا. استيقظت روحي وعقلي نائم. التحول هو حياة أو موت".

المساهمون