كراسناهوركاي الفائز بنوبل الآداب 2025: تجربة سينمائية لا تُنسى

18 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 08:48 (توقيت القدس)
لاسلو كراسناهوركاي: السينما تُكمِل بعض عالمه الروائي (كارلوس أر. ألفاريز/WireImage)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فوز الروائي الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب 2025 يبرز تجربته السينمائية الفريدة، حيث كتب خمسة سيناريوهات بالتعاون مع المخرج بيلا تار، مستلهمة من رواياته أو مكتوبة خصيصًا للسينما.
- تتميز كتابات كراسناهوركاي بأسلوب سردي معقد يشبه مارسيل بروست، مما يطرح تحديات في الترجمة السينمائية، لكن بيلا تار ينجح في نقلها إلى الشاشة من خلال أفلام بطيئة الإيقاع مثل "تانغو الشيطان".
- الأفلام المقتبسة من رواياته، مثل "تناغمات فيركمايستر"، تعكس الغموض والعمق النفسي، وتستخدم الأبيض والأسود والموسيقى التصويرية لخلق أجواء سينمائية فريدة.

 

فوز روائيّ بجائزة نوبل للآداب تذكيرٌ بجانب سينمائيّ في اشتغالاته. الهنغاري لاسلو كراسناهوركاي (1954) ينالها قبل أيام (9 أكتوبر/تشرين الأول 2025)، فتُستعاد تجربته السينمائية، التي توصف بـ"خمسة سيناريوهات ومخرج واحد". السيناريوهات تلك مكتوبة إمّا بقلمه مباشرة، وإمّا تُستلّ من رواياته فيُشارك في صوغها السينمائي. أمّا المخرج الواحد، فهو أحد أبرز السينمائيين في بلده (هنغاريا) والعالم، بيلا تار (1955).

التجربة تلك، إنْ تكن كتابة مباشرة للسينما أو "إعادة كتابة" رواية له تصبح (الإعادة) فيلماً، غير مختلفة عن تجارب روائيين آخرين (الأميركي بول أوستر والمصري نجيب محفوظ مثلاً)، يكتبون نصوصاً باهرة، تصدر في كتب أو تُصبح صُوراً سينمائية، وغالبية رواياتهم مليئة بصُور سينمائية أصلاً، لشدّة ما في صوغ الجُمل من تقنيات الوصف والسرد والتوليف، ما يدفع إلى تخيّل شرائط بصرية تُترجِم مزيجَ المكتوب بالإحساس به. أي أنّ الخيال، المنبثق من قراءة مؤلّفات روائيين وروائيات عديدين، مصنوعٌ مما يصل من قلب الجمل ومتنها وهوامشها إلى ذات قارئ/قارئة، ومن إحساس ذاتي بحت إزاء ما يُقرأ، أي ما تُثيره القراءة من انفعال وتفكير وتأمّل.

أيجوز هذا كلّه في "الصنيع السينمائي" للاسلو كراسناهوركاي، خاصة مع تركيز على ما يُشير إليه عباس بيضون (شاعر وكاتب لبناني) في قراءته الترجمة العربية لـ"كآبة المقاومة" (الحارث النبهان، دار التنوير، 2020)، الذي يكتب ("العربي الجديد"، 20 سبتمبر/أيلول 2020)، أنّها (هذه الرواية تحديداً) "تنفي دائماً، في مستواها، أنّها رواية على طول الخطّ"، رغم أنّ ما تُسوّقه من سرد، وترويه من أحداث، وتديره من أسئلة وأفكار، "رواية أولاً وأخيراً"؟ أيُمكن مُشاهدة فيلمٍ "ينفي"، مدّته كلّها، أنّه فيلمٌ، بينما كلّ ما يُقدّمه يؤكّد أنّه فيلم سينمائي؟

 

 

وماذا عمّا يُقال في كتاباته، بالإشارة إلى تميّزها بفقرات تطول صفحاتٍ عدّة، وبجمل طويلة متدفّقة؟ قول كهذا عائدٌ إلى الزميل محمد هاشم عبد السلام، الذي يرى في كتاباته ما يُشبه أسلوب الفرنسي مارسيل بروست: "توظيفه للتكرار"، ولـ"مُفرادت ولغة وتراكيب وجُمل اعتراضية مُربكة"، إضافة إلى "خلو جُملِهِ من علامات الترقيم التقليدية" (الموقع الإلكتروني Cinarts24، في 12 يناير/كانون الثاني 2024). فكيف يُمكن "ترجمة" هذا سينمائياً؟ أتُختزل الإجابة بـ"عبقرية" الإخراج؟ أمْ أنّ بيلا تار "متورّطٌ" كفاية بعوالم كراسناهوركاي، الموافق على اختيار المخرج "صُنع أفلامٍ بطيئة للغاية، لخلق تجارب للمُشاهد"، خاصة في سبع ساعات ونصف الساعة من رواية "تانغو الشيطان" (1984، الفيلم مُنتج عام 1994) مثلاً، وهذه مدّة تدفع كليمان ألفونسي إلى القول إنّ هذا الكتاب تحديداً "يُمكن تكييفه بسهولة بساعتين" (Le Grand Continent، في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025). فتار يحافظ على الطابع الزمني لكلّ فصل من الرواية، لجعلها متساوية قدر الإمكان، ما يعني أنّ مدة كلّ فصل تتراوح بين 40 و50 دقيقة.

أمّا المقارنة بين كلّ رواية ونصّها السينمائي، فصعبٌ في مقالة كهذه. لكنّ الأهمّ كامنٌ في أنّ بيلا تار، الموصوف أسلوبه بـ"التفرّد والأصالة"، يستعين بالأسود والأبيض في قراءته السينمائية للرواية، وبموسيقى تصويرية (الهنغاري ميهالي فيغ) "شبه الجنائزية" المتكرّرة في مشاهد كثيرة، إضافة إلى اعتماده إضاءة طبيعية لا اصطناعية (تصوير الهنغاري غابور مَدْفيغي)، ما يساعد على تبيان وقائع النصّ الروائي بلمسة سينمائية.

إلى ذلك، هناك مثلاً "تناغمات فيركمايستر" (2000)، المقتبس عن "كآبة المقاومة" (1989): يصل سيرك متجوّل "شرير" إلى بلدة صغيرة في السهل المجري، ساحباً معه حوتاً في مقطورة. يحاول يانوس الحفاظ على النظام في البلدة المضطربة بشكل متزايد، لكنه في الوقت نفسه يفقد إيمانه بهذا الكون غير الطبيعي والفوضوي، الذي يبدو أنّ الخالق نفسه سيهجره كلّياً. يُقال إنّ في الرواية غموضاً، والفيلم، بقدر رغبته في نقل الجوهر والمناخ والتفاصيل العاكسة إياها كلّها، يميل إلى جعل الغموض مفتاحاً بصرياً لاكتشاف المخبّأ في نفسٍ وروح وعلاقات بشرية (هناك أيضاً سيناريوهان يشتركان معاً في كتابتهما: "الإدانة" عام 1988، و"حصان توران" عام 2011).

رغم كلّ شيء، فإنّ التجربة السينمائية لروائيّ نوبل 2025 غير منسية.

المساهمون