كاستينغ عاجل بحثاً عن الذين تُحبّهم الكاميرا

24 مايو 2025
الوقوف أمام الكاميرا حلم وامتحان (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت كازابلانكا توافد العديد من الأشخاص على شركات الإنتاج بعد رمضان للمشاركة في كاستينغ الأفلام والمسلسلات، حيث يسعى الكثيرون لدخول عالم التمثيل بحثًا عن مهنة أو بدافع الفضول والشهرة.
- تتنوع دوافع المرشحين بين الرغبة في الشهرة والهروب من الروتين، ويتطلب التمثيل قدرة على تقمص الشخصيات المكتوبة في السيناريو، مع التركيز على التعبير الجسدي والاجتماعي والنفسي.
- يتطلب الكاستينغ إعداد فيديو تعريفي، حيث يُظهر المرشحون فهمهم العميق للدور، مما يعكس أن التمثيل فن يتطلب التعبير بالإيماء والعقل والجسد.

عشرات الشبان والشابات والشيوخ يتزاحمون على باب شركة لإنتاج الأفلام والمسلسلات في كازابلانكا. المناسبة؟ مباشرة بعد موسم رمضان، أطلقت شركات الإنتاج دعوات كاستينغ عاجل لإنتاج المزيد من الأعمال. بعد كل الجدل الذي رافق مسلسلات رمضان، والشهرة المستحقة أو المفاجئة التي حصل عليها ممثلون طارئون، تشجّع كثيرون لتجربة حظّهم في تأدية شخصيات متخيّلة. سيكون هذا أمتع من عيشهم اليومي الروتيني.

جاءت الفرصة: موعد الكاستينغ الثالثة بعد الظهر. قبل نصف ساعة، امتلأت ساحة فيلا الشركة بالمرشّحين، فأغلق الباب. هنا، يقف عشرات الشبان والشابات يحلمون بتقمّص آخرين. كلّ واحد منهم واثق من أنّ وجهه "فوتوجينيك" (Photogenique) يصلح لإثارة اهتمام الكاميرا والمشاهدين. هناك من جاء يبحث عن مهنة ومستقبل، وهناك من يُحرّكه الفضول ورغبة الاستكشاف، وربما فرصة الشهرة. لا أحد يريد أنْ يبقى نكرة. يبلغ معدل العمر 20 عاماً. بالنظر إليهم، يبدو أنّ ثلث المرشّحين شبان، والثلثين شابات. كلّ واحد منهم واثق من أنّه قادر على الانفصال عن ذاته لتقمّص آخر متخيّل، مكتوب في السيناريو. كلّ واحد منهم واثق من قدرته على قراءة الدور المكتوب لتأديته بأبعاده الجسدية والاجتماعية والنفسية.

يتربّص السوسيولوجي البصّاص في السيارة ليعاين الظاهرة عن قرب، كي لا يكون المقال إنشائيّاً. يعاين الأفعال والأعمار والأشكال، ويستجوب مرشّحين بحثاً عن تفسير. في الأفعال، قفز شابٌ فوق السياج ودخل، فباب الفيلا مغلق. في الداخل، حصل خلاف حول الدور: من سبق؟ ليُشير إلى حقّه، قال كهل: "أنا سبقت". يدخل الشيوخ ذوو الخبرة من باب خاص. بينهم رجل لديه ثقة مهولة بنفسه. من لغة جسده، يظهر اعتقاده بأنّه، بالسلام على امرأة، يضحّي بنفسه ويُقدّم لها خدمة. مع كل هذا الغرور، مشكوك أنْ ينفصل عن شخصيته ليتقمص شخصية مكتوبة في السيناريو. بغض النظر عن الجاذبية الجسدية البصرية للشخصيات في الكاستينغ، لا يتمكّن الممثلون، الذين لا يحفظون شِعراً وحكايات، من تحقيق الجاذبية والتأثير الفني، مهما كانت ملامحهم جميلة، لأنّ العيون الساذجة تفضح. الأمر مختلف مع المرشّحين الذين يحفظون القصص والأغاني، ويتمتّعون بجاذبية شديدة. المعجزة حين يجتمع جمال الملامح مع غنى الذاكرة والثقافة، فتصبح الجاذبية كبيرة جداً. في هذه الحالة، يستطيع الممثل حمل الفيلم على كتفيه، والسير به إلى الأمام.

لانتقاء هذا الممثل النادر، طُلب من كلّ مرشّح إعداد فيديو تعريفي قصير. صوّرتْ مرشّحة شابة نفسها وهي تُدلي بالمعلومات التالية: "أحلم بأنْ أكون ممثلة كبيرة. لذا، أقف أمام المرآة لأقلّد أشخاصاً يعيشون في محيطي، وأشاهد أفلاماً ومسلسلات يومياً. تابعت طيلة شهر رمضان أداء الممثلة نادية آيت في دور الطبيبة النفسية طام، التي تعتني بأطفال شقيقتها اليتامى، بتشخيصٍ يفيض حناناً وتلقائية جسدية ونفسية، رغم حملها ماضياً ثقيلاً في مسلسل (جرح قديم لمراد الخودي، 2025)". تتحدّث المرشحة في الفيديو جالسةً. ترتدي ملابس كثيرة، وهذا أضعف لغة الجسد في تعريفها بنفسها. في مواقع التواصل، يتبادل الشبان مع الشابات رسائل قصيرة مثل: "أرسلي لي صورك واقفة".

بحثاً عمن يملك الخبرة والتدريب والجسد الجذّاب، يشرح مطلع "كينغ كونغ" (2005) لبيتر جاكسون كيف يتمّ الكاستينغ في مكاتب شركات الإنتاج الهووليودية، بعد بعث المرشّح صورته وسيرته. ما دوافع المرشّحين هنا في كازابلانكا؟ قالت مشاركة: "أريد أنْ أصير مشهورة". أهذا ما تجرين نحوه؟ ما الذي تهربين منه؟ "أهرب كي لا أكرّر حياة أمي في المطبخ".

واضحٌ أنّ الوقوف أمام الكاميرا حلم وامتحان. ينفصل المرشّح عن شخصيته، ويدخل في شخصية سيؤدّيها. يدخل الممثل في دور الشخص الآخر بالخيال. سينجح أفضل ممن عاش التجربة واقعياً. سيتظاهر بالجسد وبالصوت ليقنع مشاهديه. من خلال دردشات خفيفة مع مرشّحين، يتّضح أنّهم لا يتخيّلون أنّ تقمص الآخر يتطلّب فهم الدور، جسدياً واجتماعياً ونفسياً، أي أنّه يتطلّب ثقافة عالية. في صفوف الانتظار، يعرض المرشّحون الأصغر سنّاً "قصص" إنستغرام بعضهم على بعض. كلّ وجه حصل على متابعة كثيفة جذّابة، ويصلح للتمثيل. أي اختزال. يبدو أنّ الأطول قامة والأكثر وسامة وجمالاً هم الذين يرشّحون أنفسهم للوقوف أمام الكاميرا. لدى مرشّحين كثر اهتمام هائل بالشعر: شعر طويل مُجعّد، شعر مصفوف بعناية، إلخ. هؤلاء مشاريع ممثلين وسيمين، شاهدوا سابقاً مجد جون ترافولتا. لماذا الشَّعر؟ الجواب عند لافونتين في حكاية الأسد، الذي أحبّ ابنة الراعي الجميلة، فخطبها وقبلت: "وهل من فتاة قاومت يوماً/ صاحب الشعر الجعْد الغزير؟". قبلت ابنة الراعي الزواج بصاحب الشعر الجعد، بغضّ النظر عن المخالب والأنياب. الحبّ أعمى، لذا يعتمد على اللمس.

في صفوف الانتظار، يقارن المرشّحون للتمثيل وسامةَ بعضهم بعضاً. لاحظت مرشّحة اهتمام الشبان بالشَّعر، فهمست لصديقتها: "إذا تزوجتِ شاباً كهذا، سيتسابق معكِ على المرآة والمشط". واضح أنّ الوقوف أمام الكاميرا حلم وامتحان. التمثيل أعقد من الوسامة والشَّعر الكثيف. التمثيل؟ إنّه التعبير بالإيماء، وبالعقل والجسد في وحدة موحّدة. التمثيل ليس غاية بل وسيلة نقل. التمثيل لغة الجسد الذي يتقمّص شخصية وجسد إنسان آخر.

المساهمون