"كارا"... ملاذ الفنانين لحماية حقوقهم من الذكاء الاصطناعي

10 مارس 2025
يمكّن التطبيق الفنانين من نشر أعمالهم من دون استخدامها في تدريب الذكاء الاصطناعي (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الفنانون تحديات في حماية أعمالهم من استغلال الذكاء الاصطناعي، ويقدم تطبيق "كارا" حلاً آمنًا لحماية حقوقهم باستخدام أدوات مثل مشروع Glaze.
- أسست المصورة جينغنا زانغ تطبيق "كارا" بعد معارك قانونية ضد استغلال الشركات الكبرى، وحقق التطبيق نموًا سريعًا، حيث تجاوز عدد مستخدميه نصف المليون في أسبوعه الأول.
- يواجه "كارا" تحديات تقنية وقانونية، مثل مشاكل التمويل والتشغيل، مع رفض الشراكة مع مستثمرين خارجيين للحفاظ على استقلالية المنصة.

في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، يواجه الفنانون معضلة جديدة تتمثل في الاستمرار في مشاركة أعمالهم عبر الإنترنت، من دون أن تصبح هذه الأعمال وقوداً لأنظمة الذكاء الاصطناعي. فمع تزايد استخدام شركات التكنولوجيا للبيانات المتاحة على الإنترنت لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يجد الفنانون أنفسهم في معركة غير متكافئة ضد السرقة غير المباشرة لأعمالهم. منصات مثل "إنستغرام" و"فيسبوك" أصبحت ضرورية للفنانين، لكن في الوقت نفسه، يُستخدم محتواهم لتدريب الذكاء الاصطناعي من دون موافقتهم. هنا، ظهر تطبيق "كارا" (Cara) بديلاً آمناً للفنانين الباحثين عن منصة تحمي حقوقهم.
جاءت فكرة "كارا" استجابةً مباشرةً لغضب الفنانين من سياسات "ميتا" المتعلقة بالذكاء الاصطناعي التي تتيح للشركة استخدام الأعمال الفنية المنشورة لتدريب أنظمتها. المشكلة أن معظم المستخدمين خارج الاتحاد الأوروبي لا يستطيعون إيقاف هذا الإجراء نظراً إلى غياب قوانين حماية الخصوصية، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) التي أقرها الاتحاد الأوروبي.
مؤسسة التطبيق، المصورة الفوتوغرافية جينغنا زانغ (Jingna Zhang)، ليست غريبة عن معارك حقوق الفنانين، فقد خاضت عدة نزاعات قانونية ضد استخدام أعمال الفنانين من دون إذنهم. ورفعت من قبل دعوى قضائية ضد شركة غوغل لاستغلالها صور الفنانين في تدريب منصات مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي دون موافقتهم، مثل منصة Imagen. جينغنا التي هاجرت إلى الولايات المتحدة من سنغافورة، خاضت أيضاً معارك قضائية ضد شركات أخرى مثل Stability AI  وMidjourney. من أجل هذا، سعت إلى إنشاء منصة توفر مساحة آمنة للفنانين، إذ يمكنهم مشاركة أعمالهم من دون خوف من أن تتحول إلى بيانات تدريبية لنماذج الذكاء الاصطناعي.
يبدو حتى الآن أن الفنانين متحمسون للتجربة، فشهد التطبيق قفزة هائلة في عدد مستخدميه منذ الأسبوع الأول لانطلاقه، ليتخطى مستخدمو التطبيق نصف المليون مستخدم. هذا النمو السريع يعكس مدى استياء الفنانين من الوضع الحالي وسعيهم إلى إيجاد بدائل تحترم حقوقهم.
يمكن القول إن "كارا" خليط بين "إنستغرام" و"إكس"، لكنه مُصمَّم خصّيصاً للمبدعين، ويحتوي على العديد من المزايا التي تهدف إلى حماية الأعمال الفنية من سطو الذكاء الاصطناعي. صُمّم التطبيق ليكون مساحة إبداعية خالية من الاستغلال، فيمكن للفنانين نشر أعمالهم وبناء بروفايل احترافي من دون القلق من أن تُستخدم مُنتجاتهم الفنية في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ولتحقيق أكبر قدر من الحماية، يتعاون "كارا" مع مشروع Glaze التابع لجامعة شيكاغو، وهو أداة تتيح للفنانين تشويش بيانات الصور بطرق تمنع الذكاء الاصطناعي من فهمها واستخدامها في التدريب. ويتيح التطبيق للفنانين التواصل مع زملائهم في المجال، ما يعزز بيئة تعاونية داعمة للفن والإبداع.
رغم هذا النجاح السريع للمنصة الجديدة، إلا أن الأمر لا يخلو من العقبات، إذ يواجه "كارا" عدة تحديات تقنية وقانونية قد تعرقل مسيرته. من بين أبرز هذه التحديات تأتي مشاكل التمويل والتشغيل، فمطورو التطبيق يرفضون حتى الآن الشراكة مع مستثمرين خارجيين من أجل الحفاظ على طبيعة المنصة الجديدة واستقلاليتها، ما قد يضعهم في موقف صعب في حال استمرت أعداد المستخدمين في الارتفاع السريع. من أكبر الأزمات التي واجهتهم مثلاً، كانت فاتورة الاستضافة على منصة  Vercel، التي اقتربت من 100 ألف دولار في أسبوع واحد فقط، وهو مبلغ صادم بالنسبة لمنصة لا تزال ناشئة.

ورغم جهود "كارا" لحماية الأعمال الفنية، لا يزال هناك تحدٍ قانوني يتمثل في كيفية منع استخدام الأعمال الفنية الموجودة بالفعل في بيانات تدريب الذكاء الاصطناعي. العديد من الشركات، مثل Hugging Face وStability AI، أبدت استعدادها لاحترام طلبات الفنانين بعدم تدريب الذكاء الاصطناعي على أعمالهم، لكن هذه الطلبات لا تطبق بأثر رجعي، ما يجعلها أقل فاعلية.
ورغم هذه الطفرة التي شهدها التطبيق في عدد المستخدمين، فإن السؤال الأهم هنا: هل سيظل "كارا" محافظاً على زخم النمو؟ أم أنه مجرد تعبير عن موجة غضب مؤقتة من سياسات "ميتا"؟ فبناء منصة اجتماعية ناجحة يتطلب استدامة التفاعل والمحتوى، وهو تحدٍ كبير أمام فريق صغير. إن نجاح التطبيق الفوري يعكس بلا شك الحاجة الملحة إلى بدائل تحترم حقوق الفنانين في العصر الرقمي. ولكن نجاحه على المدى الطويل يعتمد على حل المشاكل التقنية والتمويلية، وإقناع الفنانين بأنه منصة جديرة بالاستمرار. بالنسبة إلى الفنانين، يمثل "كارا" فرصة لاستعادة السيطرة على أعمالهم بعيداً عن استغلال الشركات الكبرى. وبالنسبة إلى محبي الفن، قد يصبح هذا التطبيق وجهة جديدة لاكتشاف الإبداعات الحقيقية غير المشوهة بتدخل الذكاء الاصطناعي. هل ستكون "كارا" الملاذ الآمن للفنانين؟ أم أنها مجرد مرحلة مؤقتة قبل أن تستعيد الشركات الكبرى السيطرة؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام المقبلة.

المساهمون