قومية المجرمين في الإعلام: تشريع روسي

قومية المجرمين في الإعلام: تشريع روسي

02 ديسمبر 2021
صحافيون أمام محكمة روسية في يناير (سيرغي سافوستيانوف/TASS)
+ الخط -

على خلفية سجالات وجدل في روسيا حول دور وسائل الإعلام في تأجيج الخلافات بين القوميات والأديان في البلاد عبر الإشارة إلى قومية أو ديانة المجرمين ومخالفي القوانين، قدم برلمان جمهورية الشيشان (المحلي) إلى مجلس الدوما (البرلمان) الروسي مشروع قانون يحظر نشر معلومات عن قومية المجرمين في وسائل الإعلام. 

وحسب المشرعين الشيشان، فإن ذكر القومية يسيء إلى مشاعر "المؤمنين الحقيقيين". ووفقاً للمذكرة التي وجهها المشرعون الشيشانيون، ونشرت في بيانات مجلس الدوما، فإنه "يحظر على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية نشر معلومات عن قومية وديانة المواطنين الروس المتورطين في ارتكاب جرائم". وعزا معدو المشروع الحظر المقترح إلى "الحاجة للحفاظ على الانسجام بين الأعراق والأديان" في البلاد، وشددوا على أنهم مقتنعون بأن نشر مثل هذه المعلومات يعتبر إهانة للمشاعر القومية والدينية للمواطنين الصادقين والمحترمين، والمؤمنين الحقيقيين الذين لا علاقة لهم بالنشاط الإجرامي". وحذرت المذكرة التفسيرية لمشروع القانون من أنه "يمكن أن تصبح كل كلمة يتم التحدث بها بلا تفكير وعدم مبالاة إلى فتيل انفجار اجتماعي، وتؤدي إلى إثارة العداوة العرقية والطائفية وعواقب لا يمكن التنبؤ بها للبلد بأكمله". واقترح معدو المشروع في حال اعتماده أن يضاف إلى قانون النشر في وسائل الإعلام وأن يدخل حيز التنفيذ بعد عشرة أيام من نشره رسميًا.

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني الحكومية في غروزني أن البرلمان الشيشاني سيقدم إلى مجلس الدوما مشروع قانون يحظر الإشارة إلى قومية وديانة المجرمين في وسائل الإعلام. وذكرت الهيئة أن معد مشروع القانون هو رئيس البرلمان الشيشاني ماغوميد داودوف. وجاء الإعلان عن العمل على المشروع بعد أيام من تصريحات غاضبة لرئيس الشيشان رمضان قديروف، انتقد فيها تغطية وسائل الإعلام لحادث هاجم فيه أربعة أشخاص رجلاً مع طفل في موسكو الجديدة. حينها قال قديروف إن "وسائل الإعلام تتصرف وكأن هناك فئتين فقط من المواطنين: قوقازي وشخص بلا قومية". 

إعلام وحريات
التحديثات الحية

سجالات بعد اعتداء بشع

بدأت السجالات حول ذكر قومية مرتكبي الجرائم في وسائل الإعلام مساء يوم 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعدما هاجمت مجموعة من الشبان رجلاً مع طفل صغير في حي في موسكو الجديدة. وتم تصوير الحادث بالفيديو، حيث تُظهر اللقطات كيف يعرض الرجل، وهو يحاول حماية طفله، القتال واحدًا ضد واحد على الشبان الأربعة. وتولت لجنة التحقيق الروسية التحقيق في القضية. واتضح أن المهاجمين هم فراماز حسانوف البالغ من العمر 19 عامًا، وإيلجان حسانوف البالغ من العمر 21 عامًا، وأراز موساييف البالغ من العمر 18 عامًا، وإلهان غ. ويحمل ثلاثة منهم الجنسية الروسية في مدينة أورينبورغ.

بعد يوم من الحادث، انتقدت رئيسة تحرير شبكة "آر تي" مارغريتا سيمونيان بشدة تصرف المعتدين على الرجل مع طفله. ودعمت سيمونيان، المتحدرة من أرمينيا، أي إجراءات قد تتخذها السلطات الروسية للتشدد في فحص وثائق القوقازيين، وقالت في قناتها على "تلغرام"، إن "الزوار والأشخاص من أصل قوقازي وصلوا إلى نقطة تدفع روسيا للعودة لإجراء فحص صارم للتسجيلات والإقامات، وستقوم بفحصهم في كل محطة مترو". وأضافت سيمونيان "أي عار هذا... في القوقاز، الشباب يخجلون حتى من دخول مرحاض مضيفيهم، عذرا، يحرجون من دخوله. يتحملون. لأن هذا غير مريح عندما تكون في ضيافة شخص ما. وفي موسكو إذن، لست ضيفا؟ حسنًا، سيُظهرون لكم من هو صاحب هذا المنزل. أقول هذا لك كزائر وشخص من الجنسية القوقازية في زجاجة واحدة".

تصريحات سيمونيان أثارت غضب رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف، الذي دعاها إلى التوقف عن الترويج لنفسها مستغلة حادثة ضرب الرجل. وشدد على أن وسيلة الإعلام ذات السمعة الطيبة يجب أن تتحقق من المعلومات. وفي انتقاد مبطن لاستغلال سيمونيان الحادثة، زاد قديروف: "لا تبحثوا عن الإثارة والضجيج، فقد أبلغني رؤساء تحرير وسائل الإعلام بشكل متكرر وعلني بأنه لا توجد مشاهدات للأخبار دون ذكر شمال القوقاز أو سكانه". وطالب الزعيم الشيشاني المقرب من الكرملين وسائل الإعلام بالكف عن ترويج الأخبار على حساب القوقازيين، محذرًا من أن "مثل هذه الأساليب لن تؤدي إلى وحدة دولتنا... سينمو جيل كامل يعتقد أن القوقاز دولة منفصلة. أنتم تعرفون بدوني ما ستكون العواقب المأساوية لهذا". وأعرب قديروف عن اسفه لأن وسائل الإعلام تتجاهل آلاف الجرائم التي تحدث في روسيا، وتختار تلك التي يمكن فيها ذكر مواطني جمهوريات منطقة شمال القوقاز الفيدرالية بشكل سلبي، ويبدأون في نفخ هذا الموضوع".

وبعد منشور رمضان قديروف، ردت مارغريتا سيمونيان على الانتقادات، وشددت على أنها تتحقق دائمًا من المعلومات قبل الإدلاء بتصريحات. وأشارت إلى أن جميع المعتقلين بسبب الهجوم في موسكو الحديدة اتضح أنهم من مواطني القوقاز.
وشددت على أنها لم تذكر شمال القوقاز أو الشيشان على وجه التحديد، وأشارت إلى أن القوقاز يضم ليس فقط داغستان وأوسيتيا، بل يشمل أيضا أذربيجان وأرمينيا وجورجيا ومناطق أخرى وممثلي هذه القوميات. مضيفةً أنه "من المستحيل التكتم على المشكلة، ناهيك عن المكان الذي ينتمي إليه المحتجز التالي". وأضافت أن هذا لا يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة. ولاحقاً اضطر قديروف إلى الاعتذار من سيمونيان بعد مخاوف من إمكانية تعرضها لهجوم من قبل مؤيدي الزعيم الشيشاني كما حصل مع صحافيين آخرين، وبدا أنّ السلطات الأمنية لعبت دورًا في تهدئة الطرفين من ذوي الأصول القوقازية والمدعومين من الكرملين. 

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

"شخص ذو ملامح قوقازية"

تعود قضية إشارة وسائل الإعلام إلى قومية وديانة المجرمين إلى تسعينيات القرن الماضي، وحينها نبه ناشطون إعلاميون وحقوقيون من خطر الاستخدام المبالغ به في نشرات الأخبار والصحف لصفة "شخص ذي ملامح قوقازية" عند الإشارة إلى الجرائم والأعمال الإرهابية والتدقيق بهويات وإقامات المتحدرين من القوقاز والمحجبات في المدن الروسية.  

وفي المقابل، لا يعد مشروع القانون سابقة، فقد حاولت السلطات حل قضية القومية من خلال منع ذكرها في وسائل الإعلام، إذ برزت هذه القصة بشكل حساس في موسكو حين كان الراحل يوري لوجكوف عمدة للعاصمة، وحينها سعى مسؤولو المدينة ونوابها للترويج لعدة أفكار من شأنها التقليل من ذكر أعراق المجرمين والجناة. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.
وفي عام 2007، بدأ فلاديمير بلاتونوف، رئيس مجلس برلمان مدينة موسكو المحلي ومساعد لوجكوف، بإجراء تعديلات على قانون الإعلام تحظر على الصحافيين تحديد قومية المجرمين. لكن المبادرة لم تجد الدعم على الفور في مجلس الدوما.
وسعى بلاتونوف للحصول على دعم الرئيس فلاديمير بوتين في هذه القضية. ففي عام 2012، أكد بوتين أن "الجاني ليس له جنسية: ما الفارق الذي تحدثه معرفة إلى أي مجموعة عرقية ينتمي الشخص الذي انتهك سيادة القانون". لكن مشروع قانون موسكو عُلق في مجلس الدوما، وفي عام 2017 تم رفضه أخيرًا من قبل مجلس الدوما الروسي. 

وما زالت نشرات المطلوبين في وزارة الداخلية الروسية تستخدم صيغاً مختلفة لتسهيل البحث عن المجرمين، مثل "شخص من قومية قوقازية" أو "شخص ذي ملامح قوقازية"، ويرى المدافعون عن الاستمرار في استخدام مثل هذه التوصيفات أن عدم ذكرها "يمكن أن يحد من قدرات وكالات تنفيذ القانون". 

جدل القانون

تعليقًا على مشروع القانون الجديد، أشار نائب رئيس لجنة الدوما للشؤون الدولية، شمسيل سارالييف، إلى أن "مسألة الحاجة إلى تعديلات قد أثيرت مرارًا وتكرارًا في العديد من الأماكن، بما في ذلك حقيقة استخدام عبارات "قطاع الطرق الشيشان"، "الإرهابيون الشيشان"، "الإرهابيون الشيشانيون السريون" إلخ... سألَنا الصحافيون والأطباء والفنانون والرياضيون الشيشان لماذا تطلق وسائل الإعلام على شعبنا مثل هذه الكلمات؟ إن الغالبية العظمى هم من المواطنين العاديين الذين يعيشون في بلادهم". وشدد سارالييف، في تصريحات لصحيفة "فيدومستوي" الإثنين الماضي على أنه يجب معاقبة أي شخص يرتكب جريمة، ولكنه رأى أنه من غير الضروري الإشارة إلى القومية، وإذا كان ذلك ضرورياً من وجهة نظر البعض فيجب حينها الإشارة إلى قومية كل المجرمين، وهنا يقصد الإشارة إلى القوميات المختلفة في روسيا مثل الروس والأوكرانيين والتشوفاش وغيرهم. 

ومع تحذير الحقوقي أليكسي دوبرينين، الشريك الأول في مكتب سان بطرسبرغ لنقابة المحامين من أن "وسائل الإعلام تشكل عمدًا أو من دون قصد موقفًا سلبيًا لا شعوريًا تجاه الأشخاص من قومية معينة"، أشار في تصريحات لصحيفة "فيدومستي" إلى أن "مشروع القانون يتضمن نواقص وعيوبًا مثل الإهمال في المصطلحات المستخدمة"، موضحًا أنه يجب إعادة صوغ المشروع بوضوح أكثر.

وفيما انتقد بعض الخبراء القانون لأنه يضيق على عمل الصحافة في الكشف عن الجرائم، وتسهيل البحث عن الجناة نتيجة لذلك، ويحملهم نوعا ما جزءًا من المسؤولية عن الجرائم، رأى آخرون أن الصحافيين قادرون على إيصال جنسية المجرمين والمتهمين بطرق مختلفة لن تكون صعبة حتى على غير المتمرسين. 

المساهمون