قتلٌ في بلدة بولندية: تسلية مؤقّتة وعادية

قتلٌ في بلدة بولندية: تسلية مؤقّتة وعادية

22 ديسمبر 2021
آنّا سْمولوفيك: أداءٌ طريفٌ في البحث عن القاتل (كارول سَرَفيشي/Getty)
+ الخط -

فيلمٌ بولنديّ جديد، تبثّه المنصّة الأميركية "نتفليكس"، بعنوان In For A Murder، الذي يُمكن ترجمته إلى العربية بـ"التدخّل في جريمة قتل"، وفقاً للحكاية. "التدخّل" يحصل بسبب "حشرية" ماغدا (آنّا سْمولوفيك)، القارئة النهمة لروايات آغاتا كريستي، والمهووسة بالتحقيقات البوليسية في جرائم القتل، والمتألمة بصمتٍ إزاء فقدانها أعزّ صديقة لها، تختفي فجأة منذ وقتٍ، والمرأة البريئة والعفوية والساذجة (كما توهم تصرّفات لها)، كأمّ وزوجة تظنّ أنّ زوجها يُحبّها، رغم عجرفته وأنانيته ولسانه السليط.

المخرج البولندي بيوتر مُولاروك غير مهموم كلّياً بالتشويق البوليسي، الذي يُشكّل نواة الحبكة. التفاصيل الجانبية تبدو متن حكاياتٍ، ترويها عينا ماغدا وحماستها لكشف جريمة قتل شابّة غير منتمية إلى "بودكوفا ليشنا"، البلدة الصغيرة في مقاطعة "غرودجيزك مازوفياتسكي" (وسط بولندا)، التي تمتدّ الغابة فيها على 78 بالمائة من مساحتها (10،1 كلم)، والتي يعيش فيها 3822 شخصاً (إحصاء عام 2009)، بينهم 2031 امرأة. التحقيق البوليسي محرّك أساسيّ لتحقيق موازٍ تُجريه ماغدا، فتنكشف أمامها وقائع مخفيّة، بعضها مرتبط باختفاء صديقتها وسرّ هذا الاختفاء، وبعضها الآخر متعلّق بشخصيات عدّة، منها أثرياء لديهم أمزجة وأساليب عيشٍ ورغبات وانفعالات.

أرقام كهذه غير واردة في الفيلم (سيناريو مُولاروك، بالاشتراك مع كاتارْجِنا سْتاخوفيتش كاتْزك)، لكنّها تكشف شيئاً من طبيعة البلدة وهدوئها وجمالها وطيبة أناسٍ كثيرين فيها، من دون إغفال جشع الأثرياء وتورّطهم في علاقاتٍ ومصالح، وأحدهم مُرشّح لمنصبٍ سياسي. ماغدا محور كلّ شيءٍ. تكتشف جثّة الشابّة المجهولة، فتُبلّغ المحقِّق ياتْزِك شيكورا (بافل دُماغالا)، المرتبك وغير المتمكّن من مهنته، فتتدخّل في عمله، إذْ تُدرك أنّه غير قادرٍ على حلّ القضية، وكشف الفاعل، ومعرفة سبب الجريمة.

 

موقف
التحديثات الحية

 

في تدخّلها، تُثير ماغدا شيئاً من الطرافة، في مواقف وتصرّفات وعلاقاتٍ. في الوقت نفسه، تُعرّي تلك البيئة، التي يُفترض بها أنْ تكون مسالمة وهادئة، فتفضح، من دون قصدٍ (ظاهرياً على الأقل)، مستوراً في نفوسٍ وعائلاتٍ ومنازل، وبينها منزلها الزوجيّ، إذْ تُدرك متأخّرة أنّ لزوجها عشيقة، فتطرده، بعد اكتشافها المجرم، وتبيان أسباب الجريمة، وفضح متورّطين فيها.

الحبّ حاضرٌ، والعاشقان يتستّران عليه؛ فالرجل متزوّج وثريّ، والشابّة متواضعة ترغب في عاطفةٍ وعشق لا أكثر. الثراء المالي يعني نمط حياةٍ، تحاول زوجة الثري تحصينه من كلّ ضياع، بمشاركة ثري آخر يدعم الزوج في حملته الانتخابية. كثرة المال تحتاج إلى حماية، وأحد أشكال الحماية قتلٌ من دون رحمة. اختفاء الصديقة منبثقٌ من رغبتها في الخلاص من أبٍ، لن يتفهّم حَمل ابنته الوحيدة من دون زواج، فتحرّضها الأم على خروجٍ آمن من المنزل العائلي. المحقِّق مُغرم بماغدا منذ زمن الدراسة الثانوية، لكنّ خجله يحول دون البوح بحبّه لها. في فترة التحقيق، تكتشف ماغدا هذا صدفة، كاكتشافها مسائل أخرى مخفيّة في أعماق أناسٍ وبيئة، قبل بلوغها لحظة الاغتسال العميق من كلّ شيءٍ، خصوصاً من شعورها بالقهر إزاء اختفاء الصديقة، وصدمتها القاسية بمعرفتها سبب الاختفاء.

مزيجٌ من الكوميديا المخفّفة، والتشويق البوليسي، وجمال الطبيعة المُعاكس لوحشيةِ قتلٍ، وعنفِ نفوسٍ، وغلبة مصالح على براءة وبساطةٍ، إضافة إلى حبٍّ صادق، وخللِ علاقاتٍ زوجية ـ عائلية: بهذا، يُختَزل "التدخّل في جريمة قتل"، المشغول سينمائياً بحِرفية عادية، يبرز بفضلها أداء لطيف ومُحبَّب لآنّا سْمولوفيك، التي تُظهر ماغدا مرحة وبريئة وحسّاسة ومتحمّسة وجريئة ومصدومة وقلقة وخائفة ومتمرّدة. هذا غير لاغٍ بساطة أداء الآخرين، فـ"التدخّل في جريمة قتل" غير متطلّب أكثر من اشتغالٍ مُسلٍّ، تُضيفه "نتفليكس" إلى أفلامٍ أوروبية وأميركية لاتينية تحديداً، تُصنَع للتسلية، وإنْ يُقلِّد معظمها صناعة فيلم أميركي، في أنواعٍ عدّة، كالكوميديا والجنس والمطاردات. نتاجات أوروبية وأميركية لاتينية عدّة موضوعة في إطار واحد: الخفّة الهادفة إلى تسلية مؤقّتة، مع أنّ أفلاماً عدّة غير مُسلّية، لشدّة ما تُثيره من ملل.

"التدخّل في جريمة قتل" مُسلٍّ وطريف. هذا كافٍ.

المساهمون