قائمتا إبستين وباف ديدي والبحث عن اسم ترامب

30 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 08:33 (توقيت القدس)
"لماذا لا تكشف عن قوائم إبستين يا ترامب؟"، نيويورك، 23 يوليو 2025 (آدم غراي / Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت قائمتا جيفري إبستين وباف ديدي جدلاً واسعاً في الإعلام الأميركي، حيث ارتبطت الأولى بشبهات الاتجار بالبشر والثانية بإدارة شبكة دعارة، واختفاؤهما أثار تساؤلات حول التدخل السياسي والقضائي.

- أثرت القائمتان على الرأي العام، مما زعزع الثقة في النظام القضائي والسياسي الأميركي، وأثار تساؤلات حول تأثيرهما على الخريطة السياسية والثقافية، خاصة مع تورط شخصيات بارزة.

- تعكس القضايا تحديات في كشف الحقيقة، حيث تم تعطيل القضاء ونبذ الصحافة الجادة، مما أفسح المجال لنظريات المؤامرة وأبقى القوائم كسلاح دون اكتشاف الحقيقة الكاملة.

ضجّت وسائل الإعلام الأميركية منذ فترة بقائمتين شهيرتين؛ الأولى هي قائمة مُرتادي جزيرة جيفري إبستين، الذي تحوم حوله شبهات الاتجار بالبشر، وانتهى الأمر بـ"انتحاره" في زنزانته. قائمة إبستين التي هُدّد بها كثير من الشخصيات السياسية في العالم، ودارت حولها العديد من التكهنات، فجأة، أُعلن أنها غير موجودة، وكأنها اختفت، علماً أن حليف دونالد ترامب والمحامي سيئ السمعة آلان ديرشوفتز سبق أن قال إنه رآها واطّلع على محتواها. يُضاف إلى ذلك بعض الوقائع الجديدة التي تثبت علاقة ترامب بإبستين، إذ كشفت "سي أن أن" أخيراً أن إبستين كان حاضراً في حفل زفاف ترامب، على عكس ما يزعمه الأخير بأنهما لم يكونا صديقين.
القائمة الثانية، هي قائمة مرتادي حفلات باف ديدي، مغني الراب الشهير والمنتج المتهم بالعمل بإدارة شبكة دعارة، بعد إسقاط العديد من التهم عنه. يُقال إن هذه القائمة تحتوي على أسماء كثير من المشاهير الذين تورطوا في جرائم وأفعال مشينة، أشرف عليها ديدي بنفسه. هذه القائمة أيضاً اختفت، أو على الأقل لم تُعلَن للعامة.
أزمة هاتين القائمتين أنهما حركتا الرأي العام العالمي، خصوصاً في الولايات المتحدة. والسبب هو التدخل السياسي في العملية القضائية؛ إذ يُتَّهم دونالد ترامب، الذي لطالما تغنى بقائمة إبستين وتعهّد بنشرها، بأنه مسؤول عن إخفائها. التهمة يوجّهها إليه أشد مناصريه، ونقصد جماعة Maga؛ إذ نُظر إلى إخفاء القائمة بوصفه نوعاً من التهرب من الوعود الانتخابية التي قدمها ترامب لناخبيه، وعلى ابتذال المفارقة، لكنها محقة.
هذا الوعد بكشف الجماعات السرية في المجتمع الأميركي السياسي والفني، لطالما حامت حوله الشبهات، وبُنيت عليه نظريات مؤامرة ساهم ترامب نفسه بالترويج لها. لكن، ما إن كتب إيلون ماسك عبر "إكس" أن ترامب على قائمة إبستين، حتى تغيرت قواعد اللعبة، وفجأة، اختفت القائمة، وأكّد ترامب نفسه أنها غير موجودة ولا داعي للحديث عنها بعد الآن، وكأن شيئاً لم يكن.
في الوقت نفسه، تدور سجالات حول قائمة ضيوف حفلات ديدي، الموجود حالياً في السجن. يُقال إن هذه القائمة ستفضح عالم الترفيه والموسيقى في الولايات المتحدة، بصورة تقارب ما حصل في فضيحة واينستين وانطلاق حركة مي تو. لكن حتى الآن، لم تظهر القائمة، وبدأت الشكوك تدور حول مجموعة من المشاهير الذين ساهموا بعدم خروجها إلى العلن، خوفاً على مستقبلهم المهني.
هنا نحن أمام سؤال مريب: هل من المعقول أن يكون النظام السياسي الأميركي، ومؤسسات صناعة الموسيقى، وهوليوود كلها، مرتبطة بقائمتين فقط؟ قوائم قادرة على إعادة تشكيل وجه الخريطة السياسية والثقافية؟ خصوصاً أن التهم هذه المرة لا تتعلق بالفساد، مثل فضيحة السرقة التي أطاحت بمارين لوبان، زعيمة اليمين الفرنسي، بل تهم من نوع مشين كالاتجار بالبشر والعنف الجنسي وغيرها.
نطرح هذا السؤال لأننا أمام شبهات تدخل قضائي وسياسي لإخفاء هذه القوائم، أو تفادي الحديث عنها. لكن، وإن أردنا تذليل نظرية المؤامرة، نحن أمام طبقة اجتماعية-اقتصادية ترى نفسها فوق القانون، إلى درجة أن ينكر رئيس الولايات المتحدة الأميركية وجود قائمة يعلم الجميع بأنّها هناك. بالتالي، ربما نحن أمام عالم سري من الصفقات أو الملذات التي تصل إلى حد الجريمة، وتتمتع بها طبقة محددة فقط.
أي محاولة للاستطراد في المقاربة السابقة تدخل بنا إلى حواف نظرية المؤامرة، وهنا بالضبط تكمن المشكلة؛ إذ إن محاولة التفكير العقلاني في الموضوع تهددها حشود الذباب الإلكتروني والمبالغات والأطماع السياسية. وربما هذا ما تحوّل لاحقاً إلى سلاح خطابي-سياسي: اتهام أي محاولة لفهم خفايا السلطة/الصناعة بالتآمر أو المبالغة أو الغرق في التفاصيل غير المفيدة.
الاتهام السابق حوّل كثيرين إلى "محققين رقميين"، مثل محاولة بعضهم رصد ردات فعل جاي زي وبيونسيه، اللذين يُقال إن اسمهما على قائمة ديدي، أو تحليل لغة جسد ترامب عند سؤاله عن إبستين.

هذه الظاهرة سببها تعطيل القضاء التقليدي، ونبذ الصحافة الجادة هذه الحكايات، خوفاً من تهمة دعم نظريات المؤامرة، ليُترك الأمر برسم هواة صناع المحتوى وأصحاب نظريات المؤامرة الذين ينتهي غالباً كل نقاش معهم إلى أن الكائنات الفضائية هي مَن بنت الأهرامات، ما يترك هذه القوائم سلاحاً يمكن التلويح به بأي لحظة من دون أن نكتشف "الحقيقة".

المساهمون