فيلم Flee: رحلة لجوء ميلودرامية

فيلم Flee: رحلة لجوء ميلودرامية

07 يونيو 2022
يروي الفيلم الأحداث الرهيبة لرحلة لجوء وعرة (IMDb)
+ الخط -

ماذا يعني لك الوطن؟ يجيب أمين: مكان آمن.
عندما كان المخرج جوناس بوهير راسموسن في الخامسة عشرة من عمره، رأى وهو عائد بالقطار إلى منزله في الريف الدنماركي زميله في المدرسة أمين نوابي، اسم بطل القصّة المستعار من أجل حماية هويته الحقيقية.
بعد عشرين عاماً من هذا اللقاء، يظهر لنا فيلم "هروب" (Flee)، ويروي الأحداث الرهيبة والمروّعة لرحلة لجوء هذا الطفل، وأسراره واعترافاته البطيئة أمام الكاميرا والمخرج لأوّل مرّة. الفيلم فائز بـ82 جائزة، ورُشّح إلى 136، منها "جائزة الفيلم الأوروبي"، و"الجائزة الكبرى للجنة تحكيم مهرجان صاندانس" سنة 2021 لأفضل وثائقي، كما اختير ليمثّل الدنمارك في مسابقة جوائز أوسكار لعام 2022، إذ دخل ضمن القائمة النهائية للمنافسة على ثلاث جوائز؛ "أفضل فيلم رسوم متحركة"، و"أفضل فيلم عالمي"، و"أفضل فيلم وثائقي طويل".
نشأ أمين في كابول في منتصف الثمانينيات. توقفت طفولته عند دخول طالبان وتصفية والده الطيار على يد الجماعات الإرهابية، لتبدأ بعدها رحلة الهروب إلى الأمان غير معروف الوجهة. أمين وأمّه وأختاه وأخوه استقروا في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي، تركوا منزلهم وانتقلوا عبر تجار الحروب ومهربي البشر إلى روسيا.
تبدأ مراهقة أمين مع انتهاء صلاحية إقامتهم في روسيا، وتحولهم إلى عائلة متطفّلة على مجتمع غريب. تتعاظم هذه الأحاسيس داخل المراهق الذي كان يشعر باختلاف هويته الجنسية عن أقرانه، لكن لم يستطع التعبير عنها لعدم فهمها ولعدم وجود مصطلح يعبر عنها في لغته.
الفيلم الوثائقي المكوّن من الرسوم المتحرّكة التي بنيت على أساس رسم يدوي، يظهر لنا شخصية كرتونية تروي قصة أمين وكأنّه في جلسات علاج نفسي، جلسات كانت أقرب إلى الاعتراف أمام الكاميرا والمخرج. تتقاطع اللقطات مع سرد الأحداث والذكريات، بتظهير الجميل منها بالألوان المائية الزاهية، والبشع منها بألوان الفحم وتدرجاته القاسية، والأرشيفية منها كانت تصويراً تلفزيونياً واقعياً لتلك الأحداث التي مزّقت بلده الأم، ليذكرنا بأفلام كـTower (2016).

التجريد الطباشيري والرسوم التوضيحية المسطّحة، ثنائية الأبعاد، مع اللقطات الأرشيفية؛ تفتح المجال لخيال المشاهِد، لتحويل قصة أمين من قضية شخصية إلى قضية عامة، فلوح الألوان المستخدم كمحاكاة لذكريات قديمة، ساعد بدعم الطبيعة الحزينة للسرد، تحديداً في لحظات تباين الأسود والأبيض مع الذكريات المأساوية، فلا تظهر مشاهد العنف، لكن المتلقّي يسمع الصوت. كما أن التصوير الفريد من نوعه، مع التقنية المتّبعة والفرادة من حيث الشكل السينمائي، قربت المُشاهد من الشخصية التي تشعر وكأنها تخاطب الجمهور، وتنفتح له بعقلها ولاوعيها. أسلوب المخرج ودعوته لنا للاقتراب من الحدث، من خلال هذا النوع المركب من الأنواع السينمائية، ساعد بتشكيل مشاعر المشاهد، وتكثيف عواطفه مع موسيقى كمان مرافقة تُجانس التكوين السينمائي العام أكثر.

يسلك الفيلم درباً ميلودرامياً في توثيقه لقصة حب ولجوء، وسط ممنوعات وتعقيدات، نشأ فيها أمين؛ فالتقاطع مع الخطوط المرتبطة بالحرب، والتداعيات كفقدان الأب أولاً، والأسرة لاحقاً، واعترافه للأسرة بميوله الجنسية، لتحتضنه بعدها وتساعده على الانطلاق حراً أكثر، تتالت بشعور ونغمة متزنة مونتاجياً.

المساهمون