فيلم "6 أيام": كل جملة ناقصة

18 ابريل 2025
آية سماحة وأحمد مالك في "6 أيام" (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "6 أيام" يستعرض قصة حب يوسف وعالية عبر ستة لقاءات على مدار 18 عاماً، حيث يعكس كل لقاء خيبة أمل جديدة، ويظهر كيف تغير الحب من المراهقة إلى مرحلة مثقلة بالخذلان والفرص الضائعة.

- السيناريو يركز على تأثير مرحلة المراهقة في تشكيل الخيارات المستقبلية، حيث تحاول عالية استعادة الماضي بينما يدرك يوسف فوات الأوان لتحقيق أحلامه، مما يعكس صراع الشخصيات مع قراراتهم التي لا يمكن التراجع عنها.

- الأداء المتقن لأحمد مالك وآية سماحة يعكس التحولات الداخلية للشخصيات، مع استخدام الألوان الباردة والأجواء الموحشة لتعزيز الشعور بالعزلة، مما يجعل الفيلم تجربة رومانسية تعكس تعقيدات الحب في العصر الحديث.

ماذا لو لم تكن المشكلة في الحب، بل في الزمن الذي لا يتّسع له؟ يتناول فيلم "6 أيام" من تأليف وائل حمدي، وإخراج كريم شعبان في أول روائي طويل له، هذه الفكرة من خلال العلاقة العاطفية المتأرجحة بين يوسف (أحمد مالك) وعالية (آية سماحة)، اللذين بدأت بينهما قصة حب في المراهقة. نتابع تطور علاقتهما من خلال ست لقاءات متباعدة على مدار 18 عاماً، من 2006 حتى 2024، إذ يتكرّر اللقاء دائماً في يوم ثابت: 19 ديسمبر. كل لقاء متأخر، وكل جملة ناقصة، وكل نظرة محملة بما لم يُقَل، ما يجعل من "6 أيام" فيلماً عن حب مثقَل بالخذلان، ومستقبل لا يوجد فيه توأم الروح بالضرورة. كل تاريخ يُعرض على الشاشة هو تاريخ لفقد جديد، يشبه موتاً رمزياً يتكرّر، كصدأ يتراكم على باب مغلق لن يُفتح أبداً. ومع كل لقاء، يبدو أن شيئاً قد كُسر، وآخر لم يتشكّل بعد.

يتعامل السيناريو مع مرحلة المراهقة بوصفها جذراً لكل ما سيأتي لاحقاً من اختيارات وانكسارات، وليست مجرّد تمهيد زمني. في تلك المرحلة العمرية، توجد رغبة عارمة في "غزو العالم" وأحلام ضخمة لا حدود لها. ومع مرور الوقت، تبدأ معظم تلك الأحلام بالتلاشي تدريجياً، حتى تبدو كأنها فقدت أهميتها أو أصبحت مستحيلة. عالية التي عاشت في حالة من انعدام الأمان بسبب غياب الأب، تحاول العثور على ما هو أكثر من مجرد حب ضائع؛ تحاول، بطريقة طفولية نوعاً ما، استعادة جزء من الماضي، وفتح باب أغلقه القدر قبل الأوان. تتخيل حياةً لم تتوقف عن انتظارها، بينما يدرك يوسف الذي درس الطب لتحقيق حلم والده في حياة أفضل، وإن لم يكن ذلك هو حلمه الخاص، أنه لم يتبقّ لديه الكثير ليفعله، لقد فات الأوان بالنسبة له، ولم يعودا "مراهقين" كما كانا؛ إنهما بالغان الآن، وعليهما التعامل مع اختياراتهما. عندما يقرر الإنسان أن يكون في مكان ما، فهو يختار طريقه، وقد يكتشف، بمرور الوقت، أنه ربما لم يتخذ أفضل الخيارات، ومع ذلك، عليه أن يتعامل مع ما قرّره حتى الآن، فالحياة لا تمنح فرصة العودة إلى البداية، وهناك مسارات لا يمكن أن تُسلك مرة أخرى.

"مفيش حاجة تغيّرت، مع إن كل حاجة تغيّرت"، يقولها يوسف في أحد اللقاءات، وهي جملة تصلح لأن تكون توصيفاً لحالة الفيلم بأكملها. فالحب الذي بدأ بريئاً لا يبقى بريئاً إلى الأبد، ليس لأن المُحب قد تغير، بل لأن العالم لا يُبقي شيئاً على حاله. "مش مجرد معرفة"، تقولها عالية في أحد اللقاءات الأخيرة، وكأنها تحاول إعادة تعريف ما كان بينهما، بعد أن تلاشى معناه أو فُقد. لكن تعريف الحب ليس هو المهم، طالما أنه لم يُعَش كما ينبغي.

تمثل العلاقة بين الشخصيتين في "6 أيام" أكثر من مجرد قصة حب؛ مرآة لزمن يتغير، ولمكان فقد شيئاً من روحه. مدينة تتبدل ملامحها، وأناس تنقلب أحوالهم. العلاقة بالأهل لم تعد كما كانت، الحماس يخفت، الأحلام تنكمش، ويصبح التمسك بحب قديم أقرب إلى نوستالجيا بعيدة عن الواقع. هما في صراع داخلي مستمر، إذ تتغير الأولويات وتتبدل الأهداف مع مرور الوقت. في كل مرة يلتقي فيها يوسف وعالية، يبدو أن اللقاء يزداد تعقيداً؛ فكل منهما يحمل رؤى وآمالاً مختلفة عما كان عليه في الماضي. هذه الديناميكية بين الشخصيتين تجعل كل لقاء مليئاً بالتساؤلات حول إمكانية استمرار الحب الذي بدأ في مرحلة المراهقة في مواجهة تحديات الحياة والوقت، واختباراً لإمكانية استعادة العلاقة في زمن التحولات الاجتماعية، والتغيرات التكنولوجية، واختلاف القيم الأخلاقية.

أحمد مالك وآية سماحة يقدمان أداء متقناً، يواجهان بعضهما بعضاً والماضي بأكمله، الواقف بينهما كجدارغير مرئي، لكنه محسوس. تتحوّل ملامحهما وتعابيرهما الصامتة، على امتداد اللقاءات، إلى سجل بصري للتحوّل الداخلي: بين خفة الذاكرة الأولى للحب، ووطأة التجربة التي تركت أثرها عبر السنوات.

الألوان الباردة تهيمن على معظم المشاهد، تُغلفها بأجواء موحشة، تُشعر بالعزلة. الكاميرا القريبة من وجهي أحمد مالك وآية سماحة تفضح آثار الزمن، والغليان، والبرود المتبادل بينهما في كل لقاء. شريط الصوت ليس مجرد خلفية، بل عنصر مكمل للسرد، يعاصر كل مرحلة، ويمنح الذكريات بُعداً عاطفياً إضافياً، فيما تجسد أغاني عبد الحليم حالة رومانسية يصعب تحقيقها في الوقت الحاضر وتعبيراً عما لم يقل. "6 أيام" فيلم رومانسي يشبه زمنه والجيل الذي يخاطبه، التائه بين الحداثة والنوستالجيا، والعالق في علاقات لا تنتهي ولا تغلق، لا يعرف إن كان عليه إتمامها، أم الاكتفاء بما حدث فيها.

المساهمون