استمع إلى الملخص
- الفيلم يقدم تأريخاً سياسياً واجتماعياً لأحداث في سورية وإيران ولبنان، متتبعاً حياة جابر وعلاقته المعقدة مع شخصيات من سورية وفلسطين، ويعرض تفاصيل تاريخية عن الثورة الإسلامية في إيران وحكم حزب البعث.
- غطفان غنوم عمل على الفيلم لمدة 10 سنوات، وحقق نجاحاً في مهرجانات عالمية، ويوثق الثورة السورية منذ بداياتها حتى تدخل روسيا العسكري، مع مشاهد من حي بابا عمرو في حمص.
لم يمر سوى أيام على إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في ديسمبر كانون الأول الماضي، حتى تحرّر أهم منبر ثقافي سوري من اسم العائلة التي سيطرت عليه منذ تأسيسه عام 2004، وتغيّر اسمه من "دار الأسد للثقافة والفنون" إلى "دار أوبرا دمشق".
وبعد عقدين استخدمت فيهما لتقديم عروض ثقافية وفنية تمجد النظام البائد وإنجازاته الوهمية، استضافت دار أوبرا دمشق في التاسع من فبراير/شباط الحالي، أولى فعالياتها في زمن ما بعد إسقاط الأسد، من خلال عرض فيلم الوثائقي الطويل "الابن السيئ" للمخرج غطفان غنوم، والذي اضطر إلى ترك سورية بعد الثورة، بسبب معارضته للأسد.
واستقطب عرض الفيلم الذي أقيم بالتعاون بين وزارتي الثقافة والإعلام ومنظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) جمهوراً متحفزاً إلى حضور عملٍ مختلف، فالأجواء ليست احتفالية كما جرت العادة في زمن الأسد، وما من حملة دعائية تسعى لتسليط الضوء على حدث أو وجهة نظر سياسية محددة.
وبدل أن يصفق الجمهور أو يصمت مكرهاً عند ظهور حافظ أو بشار الأسد على الشاشة كما كان الحال في زمن النظام، ضحك الحاضرون أكثر من مرة، خاصةً مع عرض لقطات تصوّر الأسد الابن في شبابه، وهو يمشي ممسكاً بعلم كبير ومرتدياً ملابس عسكرية غير متناسقة مع بنيته الهزيلة.
بين السياسة والحياة الخاصة
اعتمد الفيلم في سرديته صيغة قدم فيها تأريخاً سياسياً عن تغيرات جذرية حدثت في دول مثل سورية وإيران ولبنان والعراق وفلسطين، بالتزامن مع رواية السيرة الشخصية لجابر وهو ثائر من عرب إيران، حيث عاش مناهضاً للنظام السياسي القائم فيها، ثم هاجر لاحقاً إلى أوروبا.
تتبع الفيلم مسار حياة جابر وترحاله بين إيران والعراق وسورية وإقامته فيها ثم زواجه بفلسطينية لاجئة وإنجابهما فتاةً صارت في المستقبل زوجة مخرج الفيلم. من خلال تقاطع مصير هذه الشخصيات (العربي الأهوازي وزوجته اللاجئة الفلسطينية والمخرج السوري الذي ارتبط بابنتهما) رسم الفيلم هيكلية معقدة من الأحداث التي امتدت على مسار يقارب 40 عاماً، على رقعة جغرافية واسعة تبدأ من إيران وتصل إلى فنلندا حيث يقيم غطفان غنوم اليوم.
وترافقت هذه المسارات الحياتية مع تفاصيل تاريخية تتعلق بانتصار الثورة الإسلامية في إيران، ووصول حزب البعث إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 1963 في سورية، ومن ثم انقلاب حافظ الأسد عام 1970 وحكمه للبلاد لمدة 30 عاماً، وتوريثها لاحقاً لابنه بشار عام 2000. كذلك، تطرق الفيلم إلى تاريخ القضية الفلسطينية ووجودها في لبنان، والتحالفات التي بناها حافظ الأسد مع دول الإتحاد السوفييتي ورومانيا وكوريا الشمالية، واستغلاله مناهضته لتيار الإسلام المتشدد لتبرير وجوده في السلطة والعنف الذي يقوم به.
الثورة السورية
بدأ غطفان غنوم العمل على فيلمه بعد مغادرته سورية باتجاه أوروبا، منطلقاً من فكرة الابن السيئ الذي لم يستطع البقاء في وطنه، واحتاج إلى 10 سنوات حتى يكمل العمل، ونجح في تقديم مادة وثائقية يجمع فيها الشخصي والوطني والقومي. وسبق أن عرض الفيلم البالغة مدته 180 دقيقة في عدد من المهرجانات السينمائية العالمية وحقّق جوائز عدة، من دون أن يخطر في بال المخرج أنه سيكون قادراً على عرضه في دمشق يوماً ما.
وكتب غنوم في تقديم فيلمه "الابن السيئ": "انهار النظام القمعي الذي جثم على صدور السوريين لأكثر من نصف قرن، ومع سقوطه، تكشّفت أهوال إرثه الثقيل. في أول عرض جماهيري لفيلمي الابن السيئ الذي يسرد حكاية ثورتنا وأسبابها عبر حقبتي الأب والابن، نستحضر أرواح شهدائنا الأبرار، الذين بذلوا دماءهم لنعيد المجد والكرامة إلى سورية. نتذكر إخوتنا في مخيمات اللجوء وأهلنا في الشتات".
حضرت أحداث الثورة السورية التي بدأت عام 2011 ضد حكم نظام بشار الأسد القمعي في مساحة واسعة من الفيلم، الذي أرخ لعدة مفاصل أساسية في تاريخها، من بداياتها على شكل مظاهرات سلمية، وعسكرتها لاحقاً مع تعنت النظام، ودخول البلاد في حرب دامية، وما تبعها لاحقاً من تدخل عسكري روسي عام 2015 حوّل الأمور جذرياً لصالح الأسد بعد أن كان قاب قوسين من السقوط.
وسجل الفيلم عديداً من المشاهد بالغة القسوة عن أحداث حقيقية جرت في حي بابا عمرو الذي نشأ فيه غنوم في مدينة حمص، وكيف مات العديد من الناس بفعل البراميل المتفجرة، سلاح جيش بشار الأسد الذي فتك بالثورة السورية، كما ظهرت بعض المشاهد الحقيقية للتنكيل بمواطنين.
مسار محفوف بالمصاعب
لم يكن مسار حياة المخرج غطفان غنوم المهني طبيعياً، بل اصطدم بمطبات عديدة، بدأت بطرده من المعهد العالي للفنون المسرحية بقرار تعسفي، مما اضطره إلى الرحيل إلى مولدافيا حيث درس الإخراج السيمائي، ثم عاد إلى سورية لكنه اصطدم بغياب فرصة العمل بوصفه سينمائياً، فامتهن التمثيل، وظهر في مسلسل "الولادة من الخاصرة"، قبل أن يقدم مؤخراً دور شخصية ماهر الأسد شقيق بشار في مسلسل "ابتسم أيها الجنرال".
وفي عام 2012، أخرج غنوم فيلماً روائياً قصيراً مع المؤسسة العامة للسينما حمل عنوان "الحارة سد"، يحكي عن مدينة دمشق وطبيعة الحياة فيها عبر شخصيتي سرور وفرحان الصديقَين اللذين يعيشان حياة قاسية، لكنه منع من العرض، ولم ينجح المخرج في الحصول على نسخة منه قبل سقوط النظام، وهو يأمل اليوم من أن يتمكن قريباً من عرضه في دمشق.
وقال غنوم عن هذا الفيلم: "إن مدينة دمشق لا يمكن تأطيرها في اتجاه واحد، بل هي مدينة تمتلك كل التصورات والنهايات فهي حياة دائرية، لا يستطيع شخص أن يعرف فيها أين يمضي، فكل الاحتمالات موجودة ولها فرصة بأن تكون المصير الحقيقي للناس فيها".