فيلم "إميليا بيريز": جائزتا "أوسكار" واعتذارات كثيرة

04 مارس 2025
فازت زوي سالدانيا بجائزة أوسكار عن دورها في الفيلم (مايك كوبولا/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "إميليا بيريز" للمخرج جاك أوديار أثار جدلاً واسعاً بسبب تناوله لقصة مهرّب مخدرات مكسيكي بشكل موسيقي، مما اعتبره البعض استهزاءً بمعاناة الشعب المكسيكي، وحصل على 13 ترشيحاً للأوسكار.
- الممثلة كارلا صوفيا غاسكون تعرضت لانتقادات بسبب منشورات قديمة اعتبرت عنصرية وإسلاموفوبية، مما زاد من حدة الجدل حول الفيلم رغم اعتذارها.
- الفيلم لم يلقَ استقبالاً جيداً في المكسيك، وانتقد النقاد فقدان التمثيل المكسيكي الحقيقي، لكنه فاز بجائزتين في الأوسكار، وأثارت زوي سالدانيا الجدل بتصريحاتها حول موضوعات الفيلم.

"أريد أن يتوقف كل ذلك لنطوي الصفحة وننتقل إلى شيء آخر"، هذا ما قاله المخرج جاك أوديار قبل حفل توزيع جوائز أوسكار بنسخته السابعة والتسعين، بعدما لم يترك فيلمه "إميليا بيريز" أحداً إلا وأثار استياءه بشكل أو بآخر. الفيلم الذي حطم الأرقام القياسية عند ترشيحه لـ13 جائزة، من بينها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثلة رئيسية (كارلا صوفيا غاسكون) وأفضل ممثلة مساندة (زوي سالدانيا)، وهو أكبر عدد من الترشيحات التي حظي بها فيلم أجنبي منتج بلغة أخرى غير الإنكليزية، تحوّل ليلة توزيع جوائز "أوسكار" إلى مصدر لجو مشحون.

قدّم الحفل المذيع الأميركي كونان أوبريان الذي على الرغم من شهرته في المجال الكوميدي لم يستطع كسر الجليد عند ذكره الممثلة كارلا صوفيا غاسكون. حظيت كارلا صوفيا غاسكون بالكثير من التشجيع كونها أول ممثلة عابرة جنسياً علنياً تترشح لنيل جائزة أوسكار، لكن الموازين انقلبت عندما نبش صحافيون منشورات قديمة لها على منصة إكس (تويتر سابقاً). ضمن هذه المنشورات، واحد كتبَتْه عام 2020، عقب مقتل المواطن الأفروأميركي جورج فلويد خنقاً على يد رجل شرطة أبيض، وجاء فيه: "أعتقد حقاً أن قِلة قليلة من الناس كانوا يهتمون بجورج فلويد؛ مدمن المخدرات والمحتال. لكن وفاته سلطت الضوء مرة أخرى على أن هناك من لا يزالون يعتبرون السود قردة بلا حقوق، وأن هناك من يعتبرون الشرطة قتلة. كل هذا خطأ". وفي منشور آخر خلال العام نفسه، علقت غاسكون على تزايد عدد المسلمين في إسبانيا بالقول: "ما لم نحظر الديانات التي تتعارض مع القيم الأوروبية وتنتهك حقوق الإنسان، مثل الإسلام، تحت حجة حماية حرية العبادة، فلن نتمكن من إنهاء جزء من المشكلة الضخمة التي نواجهها، فالإيمان يتلاعب بأولئك الذين يتمسكون به". وعلى الرغم من اعتذار غاسكون عن هذه المنشورات بصفتها "عضواً في مجتمع مهمش"، وتعطيل حسابها على منصة إكس، فإن الصحافة والمتابعين من "مجتمع الميم عين" (+LGBTQ) لم يغيّروا رأيهم حول هذه المنشورات التي أظهرت عنصريتها ونشرها للإسلاموفوبيا.

منشورات غاسكون لم تكن وحدها ما أثار الجدل بشأن "إميليا بيريز"، إذ إنّ الفيلم الذي يتناول قصة متخيلة حول مهرّب مخدرات مكسيكي يدعى مانيتاس ديل مونتي ورحلته في التحول من رجل إلى امرأة أثار غضباً بين الجمهور المكسيكي الذي اشتكى من "الاستيلاء الثقافي"، واعتبر أن العمل استخفّ بمعاناة الشعب من آثار الجرائم المنظمة التي أدّت إلى مقتل 460 ألف شخص، واختفاء أكثر من 121 ألف شخص منذ عام 2006 حين أعلن الرئيس المكسيكي الحرب على عصابات الاتّجار بالمخدرات، وانهالت الانتقادات على طريقة معالجة هذه القصة، إذ حوّل الكاتب والمخرج الفرنسي جاك أوديار كارثة الجرائم المنظمة إلى مسرحية موسيقية يرقص الممثلون فيها على أنغام جذابة لأغانٍ تروي كيف أحرق "مانيتاس ديل مونتي" جثث الضحايا بحمض الأسيد.

هذا ما حثّ الناشطة أرتيميسا بيلمونتي على إنشاء عريضة على موقع Change.com، حاولت من خلالها منع عرض الفيلم في المكسيك، بعد أن شاهدته على "نتفليكس" خلال تواجدها في كاليفورنيا خلال عطلة عيد الميلاد عام 2024. بيلمونتي أصبحت ناشطة بعد اختفاء أمها وأخوالها الثلاثة وأحد أقاربها عام 2011 في ولاية تشيواوا بسبب حرب المخدرات، وعبّرت بيلمونتي عن استيائها من الفيلم قائلة: "لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع كأنه عمل مسرحي موسيقي... من الواضح أنهم لم يحققوا في أي شيء، ولم يجلسوا مع شخص فقد أحد أفراد أسرته".

وقد اعتذر الكاتب والمخرج الفرنسي جاك أوديار قبل عرض الفيلم في المكسيك إذا كان قد تناول هذا الموضوع الحساس بخفة، معترفاً بأنه لم يدرس بيئة المكسيك بعمق قبل العمل على الفيلم.

ولم يُعرض "إميليا بيريز" في دور العرض السينمائية المكسيكية إلا في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد خمسة شهور من عرضه لأول مرة في فرنسا، وشهرين من عرضه في الولايات المتحدة. وفي المكسيك، كانت دور العرض التي تعرض الفيلم خاوية إلى حد كبير، حتى إن بعض رواد السينما المستائين طالبوا باسترداد قيمة تذاكرهم.

ومن جهة أخرى، سلّط بعض النقاد الضوء على فقدان مصداقية "التمثّل" (representation) المكسيكي في الفيلم، سواء خلف الكاميرا أو أمامها، إذ طغت الجنسيات الأوروبية على فريق العمل، واختصر "التمثل" المكسيكي بالممثلة أدريانا باز، في حين لعبت الممثلات كارلا صوفيا غاسكون إسبانية الأصل والممثلة الأميركية من أصل دومينيكي زوي سالدانيا والممثلة الأميركية من أصل مكسيكي سيلينا غوميز الأدوار الرئيسية الأخرى. وطاول النقد الأكثر قسوة غوميز، بسبب سوء لهجتها بالإسبانية، ما دفعها إلى الاعتذار، مبرّرة بأنها بذلت جهدها في العمل على لغتها الإسبانية ضمن الفترة القصيرة التي أتيحت لها.

وعلى الرغم من الجو المشحون خلال حفلة توزيع جوائز أوسكار ليلة الأحد (بالتوقيت المحلي)، استطاع فيلم "إيميليا بيريز" حصد جائزتين من أصل الجوائز الـ13 التي كان مرشحاً لها: جائزة أفضل أغنية أصلية عن "إل مال"، وجائزة أفضل ممثلة مساندة لزوي سالدانيا. وقد اعتذرت الأخيرة من الشعب المكسيكي الذي شعر بالإهانة من عرض هذا الفيلم، وبحسب رأيها فإن "إميليا بيريز" ليس فيلماً عن المكسيك، بل "عن الصداقة... عن أربع نساء"، وأضافت في حديث أمام الصحافيين: "هؤلاء النساء كان يمكن أن يكن روسيات، أو من الدومينيكان، أو سوداوات من ديترويت، أو من إسرائيل، أو من غزة (...) نساء يحاولن البقاء على قيد الحياة في ظل القمع المنهجي ومحاولة العثور على الأصوات الأكثر أصالة".

سينما ودراما
التحديثات الحية

واعتبرت الناقدة السينمائية غريتا بادييا حبكة الفيلم "أصلية ومبتكرة جداً، لكن كل التفاصيل حولها مهملة للغاية"، وشرحت "في المكسيك ندرك أن معالجة القصة، رغم كونها متخيلة ومقدمة في شكل موسيقي، ليس الهدف منها أن تكون نابضة بالحياة فحسب، فالقصة غير متماسكة لأن تقديم الأبطال لا يتوافق مع أي واقع رغم أنه مأخوذ من واقع معقد وصعب. وإذا كانت الأفعال مبررة بكونها خيالية أو تنتمي إلى نوع أدبي، فإن أي قصة ستكون صحيحة من دون أن يكون لها تماسك، والقليل من الأشياء التي تحدث في إميليا بيريز تتميّز بالتماسك". في المقابل، اعتبر مدير شركة زيما إنترتينمنت التي وزّعت الفيلم في المكسيك، دايفيد شيلمينسكي، أن الإجماع على نقد "إميليا بيريز" والانتفاض عليه قد سلب من أحبّوا الفيلم أو حتى أرادوا أن يشاهدوه فرصة التعبير عن رأيهم.

المساهمون