فول آوت: التوغّل في أنقاض العالم القديم

فول آوت: التوغّل في أنقاض العالم القديم

12 نوفمبر 2020
يحتفل مبتكرو اللعبة بمرور عشر سنوات على إصدار أول نسخة منها (فيسبوك)
+ الخط -

تغير الكثير بين صدور لعبة Fallout New Vegas عام 2010، والاحتفال بالذكرى العاشرة لصدورها منذ أيام. ونقصد بالكثير صدور Fallout 4 وFallout 76، والكثير من تعديلات المستخدمين على اللعبة وشراء مايكروسوفت لشركة بيثيسدا، التي تملك العلامة التجارية للعبة، وإعلان أمازون نيتها العمل على مسلسلٍ عن أحداث اللعبة، وبضعة أحداث عالمية يحلو لبعض المعجبين أن يقاطعوها مع خط اللعبة الزمني المغاير.
 
مع ذلك، تبدو اللعبة للكثير من اللاعبين النقطة التي توقفت عندها السلسلة والمرجع الذي تبنى عليه توقعاتهم للنسخ القادمة (رغم إحباطهم كل مرة). ولا شيء يدل على ذلك، كمحاولة بعض المعجبين إعادة تصميم اللعبة كتعديلٍ على نسخة Fallout 4، واستمرار المشروع حتى يومنا هذا، رغم ضخامته وصعوبة إنجازه من قبل أفراد مستقلين. ولذا، فلا ضير من تجربة العودة إلى اللعبة في ذكرى صدورها العاشرة، بحثاً عما جعلها تصمد حتى يومنا هذا، رغم عيوبها التي يعرفها اللاعبون جيداً.

لطالما امتازت سلسلة Fallout بعامل جذبها التاريخي؛ إذ ثمة تاريخ هائل يسبق لحظة اللعب، وينشق عن تاريخنا الذي نعرفه بعد الحرب العالمية الثانية، ويمتد إلى ما بعد "الحرب العظمى" ودمار الأرض. تترك اللعبة بذلك مهمتين للاعب، تنحصر الأولى بالتعامل مع الحاضر الذي تقدمه، وتمثل الثانية استكشاف شذرات من ذاك الماضي، عبر الرسائل وأجهزة الكومبيوتر واللوحات الإعلانية والشخصيات الأخرى. 

وحقيقةً، فإن هذا العالم القديم، الذي نتوغل في أنقاضه، يبدو مثيراً للاهتمام، ويبدو كما لو كان تهيّؤاً عن المستقبل، كما بدا لأميركي في خمسينيات القرن العشرين، حيث توجد الروبوتات والصواريخ والأسلحة المتطورة، جنباً إلى جنب مع موسيقى الجاز والسوينغ والخوف من المد الشيوعي، إضافةً إلى كم هائل من الإشارات الخفية إلى ألعاب وأفلام وكتب حقيقية. وتغيب الاكتشافات اللاحقة كالاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة، وقد يكون غياب الترانزستور واحداً من أهم المسببات لتاريخ زمني مغاير كهذا.

لا داعي للقول إن هذا التصور للتاريخ يشد الاهتمام، ويدفع الكثير من محبي اللعبة للمطالبة بإصدارات تغطي عالم ما قبل الحرب العظمى، قبل أن يصبح "أرضاً يباباً" كما بات اسمها. وفي إصدار New Vegas، فإن الموقع الجغرافي المُختار أعطى هذا الإصدار أسبقية عن سابقه Fallout 3، الذي غلبت عليه الألوان القاتمة ومشهد المدينة المدمرة في "عاصمة اليباب" واشنطن. وعلى عكس ذلك، فإن المشهد في New Vegas مشمس وصحراوي، ومتقاطعٌ في الوقت ذاته مع حكايا الويستيرن ومغامرات لاس فيغاس، وهو ما يلاحظه اللاعب أثناء انتقاله من الصالون في غوود سبرينغز بداية اللعبة إلى اللاكي 38 مثلاً.

إن أفضل ما يمكن ذكره عن Fallout New Vegas هو مدها اللاعب بالكثير من الخيارات، ما يجعلها بحق واحدة من الألعاب التي تعبر بصدق عن نوع الـRPG أو ألعاب تقمص الدور. إذ تعتمد اللعبة على التشعب في سرد القصة وإعطاء اللاعب الحريّة في الاختيار بين أربعة تحالفات كبرى، والمزيد من الخيارات الأقل حجماً. أكثر من ذلك، تسمح المهمات الجانبية وعلاقتها بتلك الرئيسية بالتمتع بتجربة لعب مختلفة كل مرّة. ويُدعَم هذا بأكثر من 65 ألف جملة حوار مختلفة، بفارق هائل عن سابقتها Fallout 3. 

تسخر كل هذه الإمكانيات بالطبع لأجل قصة. وفي حالة Fallout New Vegas، فهي حكاية ساعي بريد يتحول تدريجياً إلى عامل الحسم الرئيسي في معركة صراعٍ على سد هووفر ومنطقة صحراء موهافي. وخلال هذه الرحلة، يتعرّف اللاعب إلى هذه الأحلاف الرئيسية ومشروعها للمستقبل وأيديولوجيتها. إن الروعة في هذه القصة تكمن في اكتشاف هذه الأحلاف والشخصيات، ويعود الفضل في هذا بشكلٍ رئيس إلى مرحلة الكتابة. 

ونجد أنفسنا أمام حلفٍ يدعى جمهورية كاليفورنيا الجديدة، وهو في جوهره أقرب الأشكال إلى الولايات المتحدة الأميركية في عالم ما قبل الحرب، وآخر يحاول إعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية محكومة بشخص يطلق على نفسه لقب قيصر وجنودٍ يرتدون دروع كرة قدم، ورجل أعمالٍ ومبتكر من عالم ما قبل الحرب يدعى روبرت هاوس، ويعتبر نفسه الوصي على المدينة بعد حمايتها من آثار الحرب النووية ونجاحه في استعمال تكنولوجيا تبقيه حياً (بشكلٍ فريد) لأكثر من 200 سنة بعد الحرب، وأخيراً التحالف مع روبوت مبرمج على الطاعة لمنح المدينة استقلالها عن كل الأحلاف السابقة.

إن الكتابة المحكمة لهذه القصة وبناء شخصياتها، يجعل من متعة الاستماع إليها مكافئةً لمتعة اللعب بحد ذاتها، سواء كان ذلك مع مجموعة أشخاصٍ اكتشفوا تسجيلاتٍ لإلفيس بريسلي وقرروا عبادته وتقليده من دون أي دراية بتاريخه، أو باقتباس قيصر لجدليات هيغل محاولاً تفسير المعركة القادمة، أو كان ذلك مع روبرت هاوس المبني بالاعتماد على هوارد هيوز ووالت ديزني. 

يصعب على اللاعب إنهاء اللعبة بطريقة "جيدة" مهما حاول

وعلى عكس Fallout 3، يصعب على اللاعب إنهاء اللعبة بطريقة "جيدة" مهما حاول. إذ كان الطابع الرمادي لخيارات اللاعب واحداً من النقلات التي تغيّرت مع Fallout New Vegas، ورغم أن بعض الخيارات تبدو بكل وضوحٍ أسوأ من غيرها، كالتحالف مع قيصر الذي تعد العبودية واستغلال النساء من أعمدة إمبراطوريته، إلا أن الخيارات الجيّدة أكثر إبهاماً، ما يودي بالمدينة إلى درجات متفاوتة من العذاب في نهاية اللعبة بحسب الخيارات.

تشمل الجودة ذاتها الشخصيات الأقل أهمية أيضاً، سواء كانت من المرافقين الذين يتفرّد كل منهم بحكايةٍ وصراع شخصيٍ مختلف، أو بتلك التي يصادفها اللاعب أثناء ترحاله، أو في المحتوى الإضافي للعبة، كشخصية أوليسيس التي تغيّر مصادفتها من طريقة النظر إلى اللعبة والتاريخ.

مرت اللعبة أثناء تصميمها بطريقٍ عسير بعدما أوكلت بيثيسدا مهمة تطوير اللعبة إلى استديو أوبسيديان بمهلة قدرها 18 شهراً فقط. انعكس ذلك على الرسوم التي لم تختلف عن تلك التي في Fallout 3 بسبب استعمال اللعبتين للمحرك نفسه، لكنه أيضاً ساهم في ظهور لعبة ذات سمعة سيئة حين يتعلّق الأمر بجودتها. وإن لم يكن اللاعب من المخلصين بشدة لهذه السلسلة فقد يفقد كل اهتمامه بعد أن تتوقف اللعبة عن العمل فجأة في منتصف مهمة معقدة، أو حين يواجه مشاكل في العثور على شخصية محددة. وكما هو الحال مع الإصدار السابق، فإن بعذ الحلول لهذه المشاكل يأتي من المعجبين باللعبة أنفسهم على شكل Patches من مواقع كـNexus Mod.

ومع ذلك، فإن اللعبة لم تصمد حتى اليوم وحسب، بل لا يزال الحديث عن جزءٍ ثانٍ لها أو نسخة محسنة منها الموضوع المفضل مع كل خبرٍ يتعلّق بالسلسلة أو بالشركة، كما يحدث اليوم بعد أن بات استديو بيثيسدا قريناً لأوبسيديان نتيجة شراء مايكروسوفت الأخير وتلميح أوبسيديان المبهم بتغريدة رداً على سؤال أحد المعجبين عن حصول ذلك. وسواء حدث ذلك أم لا، لا يمكن لأي معجب باللعبة ألا يتساءل عما كانت ستبدو عليه لو تم تطويرها بظرفٍ ملائم.

المساهمون