فوضى في الإعلام التونسي: خطواتٌ إلى الوراء

فوضى في الإعلام التونسي: خطواتٌ إلى الوراء

01 سبتمبر 2021
خطر العودة إلى "إعلام التعليمات" في ظلّ التدخل بالإعلام ونشره أجندات (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -

ملف إدارة الإعلام التونسي بعد قرارات الرئيس التونسي يوم 25 يوليو/تموز الماضي التي مدّدها أخيراً إلى أجل غير مسمّى، يبقى من أهم الملفات الحارقة في هذه الفترة، خصوصاً في غياب شبه تام لمصادر رسمية تمد الصحافيين بالخبر داخل قصر قرطاج، وباعتبار الإعلام التونسي واحداً من الأعمدة الرئيسية في مسار الديمقراطي التونسي الناشئ. 

كانت رئاسة الحكومة التونسية من خلال مستشارها الإعلامي، تشرف على إدارة الملف. لكن بعد الإطاحة برئيس الحكومة هشام المشيشي تبقى الإدارة غير واضحة، رغم أن الرئاسة التونسية تدخلت بالملف يوم 28 يوليو/تموز بقرارها إعفاء المدير العام للتلفزيون التونسي الرسمي محمد الأسعد الداهش، وتعيين عواطف الدالي للإشراف على تسيير التلفزيون التونسي بشكل مؤقت. وفي المقابل، تظلّ الإذاعة التونسية الرسمية التي تضم 11 محطة إذاعية دون مدير عام حتى الآن.

مؤسسات إعلامية تحولت فضاء للدعاية ولتجريم كل رأي مختلف، في غياب متحدث باسم الرئاسة التونسية للتواصل مع الصحافيين

والمقلق في هذا السياق هو غياب مُخاطب رسمي يمكن للصحافيين التواصل معه لاستقاء معلومات أو التحقق من أخرى تنشر بشكل متواتر وسريع في منصات التواصل الاجتماعي، مما يتسبّب في فوضى من الشائعات والأخبار المضللة التي مسّت مؤسسات وأفرادا، دون أن يتدخل أي طرف رسمي ما عدا المعنيين بهذه الأخبار، والذين قاموا بتكذيبها.

الضبابية في إدارة الملف الإعلامي كان لها انعكاس على ما يعيشه الإعلام التونسي في الفترة الأخيرة، حيث تعددت عملية الابتزاز من قبل وسائل الإعلام لمؤسسات وشخصيات معروفة، في ظلّ حملات وشائعات واتهامات تنشر بحقها. ونشر النائب فى البرلمان التونسي المجمد والوزير السابق، مهدي بن غربية، تسجيلاً لمكالمة هاتفية جمعته بمالك موقع "الثورة نيوز" الذي يهاجمه، وفيها طلب منه صاحب الموقع 50 ألف دينار تونسي (حوالي 17 ألف دولار أميركي) من أجل وقف الحملة التي يقوم بها الموقع ضده، وهو ما خلّف حالةً من الاستياء في الوسط الإعلامي التونسي. وقام حزب "حركة النهضة" برفع دعوى قضائية ضد صحيفة "الأنوار" التونسية الأسبوعية بسبب نشر تحقيق صحافي يتهم الحركة بالمشاركة عن طريق رئيسها راشد الغنوشي في محاولة اغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد. كما أكد وزير الصحة السابق عبد اللطيف المكي، والقيادي البارز في "حركة النهضة" أنه سيقاضي صحيفة "الشروق" اليومية الخاصة بعد نشرها خبرًا زعمت فيه أنه "قام بتهريب أسلحة تركية إلى الأراضي الليبية في شكل شحنة أدوية عندما كان يتولى وزارة الصحة"، وهو ما كذبه واصفًا ما فعلته الصحيفة بـ"إعلام المجاري". كما نفى الأستاذ الجامعي عياض بن عاشور ما نشره موقع يحمل شعار إذاعة "موزاييك أف أم" الخاصة، نسب له تصريحات لم يقلها وهو ما أكدته الإذاعة نفسها التي نشرت بيانا أكدت فيه أنّ موقعًا يحمل شعارها ينشر أخبار مضللة لا أساس لها من الصحة، محذرةً من هذا الموقع المزعوم.

الأخبار الزائفة والشائعات تنتشر بكثافة في ظلّ غياب مصادر رسمية للمعلومات

تلك المعطيات أكدت عليها النقابة الوطنية للصحافيين، في بيان لها صدر مساء الأحد الماضي، عبّرت فيه عن انشغالها الكبير بالتغطية الإعلامية لمختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصة بعد إعلان قرارات سعيد وما شابها من ارتباك مما أدى إلى تسجيل بعض الانتهاكات لأخلاقيات المهنة وانحراف بعض المؤسسات عن دورها لتتحول إلى فضاء للدعاية ولتجريم كل رأي مختلف. وأشارت النقابة إلى مواصلة رئاسة الجمهورية سياسة التعتيم متجاهلة حق المواطن في المعلومة الصحيحة والآنية وغلق أبوابها أمام الصحافيين وترك المجال مفتوحاً أمام انتشار الأخبار الزائفة والغموض في هذا الظرف الاستثنائي الدقيق وفي ظل عدم وجود مصادر رسمية أخرى للمعلومة غيرها.

وسجّلت النقابة عديد الانتهاكات لحرية الصحافة والإعلام من خلال التضييقات على عمل الصحافيين خاصة في الميدان أو من خلال تدخل بعض المسؤولين عن التسيير في بعض مؤسسات الإعلام العمومي (الرسمي) لتوجيه الصحافيين لخدمة الرأي الواحد والتدخل في اختيار المواضيع وطريقة طرحها، وهو مؤشر خطير، رأت النقابة أنه يعود بالإعلام التونسي إلى "إعلام التعليمات" وهو ما يعني انتكاسة للمكسب الوحيد لثورة الحرية والكرامة وهو حرية التعبير. كما جددت دعوة رئاسة الجمهورية لاحترام حرية الصحافة والإعلام وحق الصحافي في النفاذ إلى المعلومة من خلال تمكينه من المعلومة الصحيحة للتصدي للأخبار الزائفة وأيضاً من خلال احترام حقه في طرح الأسئلة سواء عن طريق حوارات أو مؤتمرات أو لقاءات صحافية. ودعت عموم الصحافيين إلى احترام الضوابط المهنية وأخلاقيات المهنة والتحلي بروح المسؤولية الوطنية وعدم الانخراط في نشر وترويج الأخبار الزائفة، وأيضًا عدم الانخراط في خدمة أي أجندات داخلية أو خارجية.

تضييق على الصحافيين وتدخل في المواضيع المطروحة ومخاوف من عودة "إعلام التعليمات" وانتكاسة مكسب الثورة

وفي تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، يعبّر نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي عن أمله في الخروج من هذه الوضعية بشكل سريع، مؤكدًا أنه طرح مع الرئيس التونسي قيس سعيد عند لقائه به يوم 26 يوليو/تموز 2021 هذه المسألة، مبيناً أن "الرئيس التونسي لا يرى من الضروري تسمية ناطق رسمي باسمه". لكن الجلاصي يؤكد على ضرورة وجود متحدث رسمي داخل الرئاسة التونسية يتواصل معه الصحافيون التونسيون لأداء مهامهم بكل حرفية ومهنية بعيدًا عن حمّى الشائعات والأخبار المضللة التي تغزو الساحة التونسية والتي تسببت في ارتدادات سلبية على الإعلام التونسي لدى الرأي العام الذي يتهمه بعدم المصداقية والمهنية.

في المقابل، يؤكد مستشار الرئيس التونسي، وليد الحجام، في لقاءات مع وسائل إعلام تونسية، أن "لا نيّة لسعيد في التضييق على حرية الصحافة التي تعد واحدة من مكاسب تونس الكبرى، وأنّ حرية النشر والصحافة والحريات الفردية والجماعية لن تُمسّ بأيّ شكل من الأشكال". تطمينات لم تجد صدى كبيرًا لدى الإعلاميين التونسيين، في ظل وضع إعلامي يكتنفه الكثير من الضبابية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية والخوف من العودة إلى التضييق على حرية الصحافة والتعبير مثلما كان الأمر قبل نجاح الثورة التونسية سنة 2011.

المساهمون