فوتوغرافيا الشرق الأوسط: الفن والعلم والتاريخ

بدايات التصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط: الفن والعلم والتاريخ

30 سبتمبر 2021
من أعمال المعرض (فيسبوك)
+ الخط -

نظّمت مكتبة قطر الوطنية، في الـ20 من الشهر الحالي، معرضاً فنياً بعنوان "بين العلم والفنّ: بدايات التصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط". يرصد المعرض، على مدار حقبٍ تاريخيّة مُتعدّدة، تاريخ بدايات فوتوغرافيا غربية معنيّة بتوثيق أحداث وقضايا الشرق الأوسط في الحقبتين الحديثة والمعاصرة. ولأنّ المعرض الفنّي يرتكز بالأساس على استعراض كرونولوجيّة هذا التصوير الفوتوغرافي، ومدى التحامه بمنطقة الشرق الأوسط في مرحلة سياسية حرجة، فإنّ هذه الأعمال تزداد قوّة وتفرّداً لما تنطوي عليه من معلوماتٍ تاريخيّةٍ قيّمة ووثيقة بصريّة، تُسعف الباحث المُتتبّع لتاريخ الشرق في توسيع أفق نظرته التأريخيّة، بالاعتماد على هذا السجّل الفوتوغرافي الغنيّ الذي تُوفّره مكتبة قطر الوطنية في معرضها الجديد.
يرتكز المعرض أساساً على عشرات المجموعات الفوتوغرافية الأشهر في العالم، حيث تُوثّق بعنايةٍ مُركّزة أهم الأحداث التاريخيّة والأدوات الفوتوغرافية، والقطع الأثريّة التي تمّ اكتشافها في منطقة الشرق الأوسط. إنّها، بطريقة ما، تروي سيرة هذا الفنّ الذي يُعتبر أحد دعائم صناعة الحداثة الفنيّة، بحكم فتنته التي جعلت العديد من الحكّام والسلاطين يتعلّمون التصوير الضوئي ويُمارسونه داخل قصورهم وبلاطاتهم، كما تُؤكّد ذلك شواهد تاريخيّة عديدة، مُتمثّلة في صورهم الفوتوغرافية، كما هو الشأن لدى السُلطان مولاي عبد العزيز (1878-1943)، الذي تعلّم التصوير على يد المُصوّر الفرنسي غابرييل فير (1871-1936).
والحقيقة أنّ نشأة الفوتوغرافيا في منطقة الشرق الأوسط رافقتها عواملُ عديدة، منها أنّ الفقهاء لم يجدوا في الفوتوغرافيا أيّ حرج يدعوهم إلى تحريمها في بعض المناطق إبان مرحلة الاستعمار واستعمالها داخل الوثائق الإدارية، مقارنة بالفنيّة والسينمائية التي ظلّت مُحرّمة بسبب وجود التجسيد وحضوره بشكلٍ أقوى. جعل هذا الفوتوغرافيا منخرطة في سيرورة التطوّر، لتتحوّل إلى أداةٍ فنيّةٍ مركزيّة في التوثيق والتخييل وصناعة مُستقبل الحداثة داخل المنطقة العربيّة.

تجدر الإشارة إلى أنّ تنظيم معرض "بين العلم والفنّ" لا تُمليه دوافع فنيّة وجماليّة فقط، بل ضرورة علمية ملحّة تهدف بشكلٍ ضمنيّ إلى إعادة بناء تاريخٍ جديدٍ للمنطقة، وفهم أحداثها وظواهرها إبان سنواتٍ تعود إلى المرحلة الحديثة.
يُركّز المعرض بالدرجة الأولى على مجموعة من التقنيات والأنماط المرافقة لنشوء فنّ التصوير الضوئي ووسائله وأدواته القديمة وكيف ساهم الباحثون والعلماء العرب في تطوير هذا اللون الفنّي الذي لعب دوراً محورياً في توثيق قضايا الشرق الأوسط.
تخلّلت المعرض الفنّي سلسلة من الندوات العلمية، التي تُنير جوانب مهمّة من تاريخ هذه الممارسة الفنيّة، بدءاً من تقنية chambre noire (الحجرة المظلمة)، مروراً بالتصوير الداجيري المنسوب تاريخياً إلى العالم الفرنسي لويس جاك داجير، وصولاً إلى التصوير التقليدي، قبل أنْ تظهر الفوتوغرافيا الجديدة منذ منتصف القرن العشرين وتُغيّر معها طريقة تلقّي هذا اللون الذي أصبحت التقنية عاملاً مُساعداً لتوضيح الصور وتوليفها واللعب بإيقاعها داخل وسائط بصريّة مُتنوّعة.

وعلى خلفيّة عنوان المعرض الفنّي، الذي يُختتم اليوم، فإنّه يمزج في تضاريس مادّته الفنيّة بين العلم والفنّ، بما يجعل الطرفين يتحاوران في ما بينهما ويُكمّلان بعضهما بعضاً ويُكوّنان معاً تاريخ خصوصية منطقة لعبت دوراً بارزاً منذ منتصف القرن التاسع عشر

المساهمون