فنون أحواش... سيرة الجنوب المغربي بأجساد أبنائه

فنون أحواش... سيرة الجنوب المغربي بأجساد أبنائه

03 اغسطس 2021
من دورة سابقة لـ"المهرجان الوطني لفنون أحواش" (فيسبوك)
+ الخط -

قرّرت وزارة الثقافة والشباب والرياضة في المغرب قبل أيام مُواصلة أنشطتها الرقمية من خلال تنظيم الدورة التاسعة من "المهرجان الوطني لفنون أحواش" الذي أقيم بين 9 و12 من الشهر الحالي في مدينة ورزازات (هوليوود المغرب). وقد حملت الدورة عنوان "الكنوز البشرية الحيّة في خدمة التراث والتنمية". وكان لافتاً اختيار الإنسان ليكون محور هذه التظاهرة الغنائية، وهو يُبرز تطوّراً ملحوظاً داخل أجندات المهرجانات الرسمية، لا سيما وأنّ التراث اللامادي في جنوب المغرب، غني بالأشخاص الذين راكموا تجارب غنائية، تميّزت بتحوّلات هامّة وإبدالات مُتفرّدة تجاوزت نصف قرن.

وبالتالي يشكّل هؤلاء وثيقة مادية شفهية عن أطوار فنّ أحواش، وتاريخه، ومعانيه، ودلالاته الرمزية والأنثروبولوجية، داخل المجتمع المغربي. هذا كلّه داخل مدينة عُرفت عبر تاريخها الحديث في كونها مدينة فنون شعبية بامتياز.

هكذا جاء تنظيم هذه الدورة الرقمية من المهرجان في وقت ازداد فيه تفاعل قطاع الثقافة داخل الوزارة مع مختلف الفنون التراثية المغربيّة، كنوع من السياحة الثقافية القائمة على تقديم التراث المغربي إلى الأجنبي والتعريف به عالمياً. إلا أنّ هشاشة القطاع وتكاثر فرق فنون أحواش جعل تقنينها وتنظيمها والمُشاركة في برمجتها أمراً صعباً، مع أنّه ليس مُستحيلاً، في ظل إمكانات مادية ولوجيستيكية يتوفّر عليها القطاع في المغرب.

تُعرف فنون أحواش في كونها أقدم الفنون الشعبية في جنوب المغرب، وقد جعلت الجسد أداةً للتعبير الفنيّ، لكونها تقوم في الأساس على أبعاد اجتماعية محضة. فهي تُصوّر ذلك الجنون العارم الذي يجتاح الجسد في لحظة من اللحظات، فيتم تطويعه حركياً.

تتجاوز فنون أحواش كل أشكال الترفيه التي ترتبط بالغناء والرقص المعاصرين، فهي تعبير فنيّ تقليدي قويّ يُعبّر عن روح الجماعة ومشاعر الفرد داخل القبيلة، بطريقة تغدو فيها الرقصة تعبيراً عن فرح يُوطّد صداقة الناس فيما بينهم. ومقابل البُعد التركيبي الذي يُلحم أفق مناطق الجنوب على مستوى تشكّلاتها القبلية وفسيفسائها العائلية العريقة، فإنّ فنون أحواش تجمع في فضاءاتها رجالاً ونساء وأطفالا. ورغم مظاهر التجديد والعولمة، التي خيّمت على الفنون الشعبية في الآونة الأخيرة، إلا أنّ أحواش بقيت على حالها.

فطقوسها الفنيّة لم تتغيّر كثيراً، بحيث يعثر المرء على نفس العادات المُتداولة بين الفرق الغنائية وعلى نفس الأدوات الموسيقيّة التقليدية ذات الارتباط بفضائها وناسها.
كما أنّ هذه الفرق لا تضمّ دائماً فنانين محترفين، بل فقط أبناء وبنات من القبيلة رفقة عائلاتهم، يصدحون بأغان أمازيغية ويرقصون بشكل جماعي منشدين للحياة.

لكن هذا الأمر لا يجعل فنّ أحواش عشوائياً. إذْ رغم ما تبدو عليه صورته من الخارج، فإنّه أكثر تنظيماً وتناسقاً من الداخل، لأنّه يُضمر في باطنه نظاماً قبلياً ورمزياً يستند على الأصول، بحيث يتقدم رجل كبير في السن المَشهد بموّال غنائيّ تتلقّفه الجماعة، ثم يبدأ الاحتفال بالغناء على شكل رقصات تُحاكي اجتماعياً موسم الحصاد والأعراس والختان والأعياد.

على هذا الأساس، فإنّ اختيار الرأسمال البشري عنواناً للدورة الجديدة لم يأتِ اعتباطياً، وإنّما بسبب مكانة يحظى بها رؤساء فنون أحواش في المخيلة الجماعية. من ثمّ، يُعيد المهرجان الاعتبار لحوالي 22 فرقة تضم حوالي 600 فنّان/فنّانة.

ورغم أنّ المهرجان الرسمي أُقيم افتراضياً على مدى 4 أيام، فإنّه كان كافياً للتأثير في مُخيّلة المُشاهد بعد حجر صحّي دام أكثر من سنة. كل ذلك مقابل أغان ورقصات ولوحات تُمسرح الجسد وتستعيد معه تاريخاً لا مادياً لمنطقة الجنوب المغربي، بما شهدته من أحداث تاريخيّة وسياسية.

المساهمون