فلوريان زوين: عندما رأيت مشاهد الدمار

فلوريان زوين: عندما رأيت مشاهد الدمار

16 يونيو 2021
من صور المعرض الذي يستمر حتى 20 هذا الشهر (فلوريان زوين)
+ الخط -

قبل انفجار مرفأ بيروت، في أغسطس/آب الماضي، كان المصوّر اللبناني- الفرنسي الشاب، فلوريان زوين (1990)، يعيش في فرنسا. لكنّه، إثر الانفجار، عاد إلى المدينة المنكوبة، لتلتقط يداه ما تيسّر من ركام، وتلتقط عدسته ما تيسّر من صور، معلّقة الآن في "دار المصوّر"، في معرض يحمل عنوان "بيروت من الرماد إلى الغضب" (Beirut from Ashes to Anger)، يتواصل حتى العشرين من الشهر الحالي.

ينقل زوين، في معرضه، ثلاث محطّات أساسية؛ الأولى عبر صور ترصد الحطام أو الرماد اللذين خلفهما الانفجار؛ والثانية تتمثّل في عمل المتطوعين في تنظيف الشوارع وإزالة ما يستطيعون إزالته من ركام؛ والأخيرة تصوّر المتظاهرين وغضبهم الذي جاب شوارع المدينة.

بيروت الغضب... بيروت الحكاية

في حديث إلى "العربي الجديد" يقول زوين: "تأثرت كثيراً عندما رأيت مشاهد الدمار الحاصل في مرفأ بيروت جراء الانفجار عبر الشاشات، وآلمتني في الصميم. عدت ترافقني الكاميرا في كلّ خطوة، فيما كنت أساعد متطوّعاً في إعادة الإعمار. أتيت بشكل أساسي كمتطوّع لتقديم المساعدة، لكنّي كنت ألتقط الصور على الأرض، كما غطيت الاحتجاجات. التقطت صوراً معبّرة ومؤلمة بالأسود والأبيض لبيروت ومشاهد الدمار فيها".

بينما كان الفوتوغرافي الشاب يلتقط صوره، أثناء تطوعه، لم يخطر في باله أن يقيم معرضاً. لكن، بعد أسابيع عدة، وجد أنّ هناك قصّة لافتة يمكن أن يسردها عبر صوره. كأنّ هذا المشروع انبعث من تلقاء نفسه، عندما رأى أنّ ثمة تفاصيل عدة بإمكانها تأليف حكاية يريد أن يخبرها عن بيروت، تبدأ بالدمار وتنتهي بالغضب الشعبي. وكما يوضح زوين، فإنّ القصة لا تقتصر على الأحداث الحالية التي يمر بها لبنان، بل على البلد وتاريخه الذي بدا حاضراً فيها، وإن كانت الصور استندت إلى الانفجار والأحداث المرافقة.

قصّة لبنان حاضرة في المعرض وفي الصور والرماد الذي يشير إليه الذي هو أيضاً تعبير يعكس مخلّفات الحرب التي ما زالت موجودة وتشهد لها الصور. أما الغضب، فهو حاضر بعد الانفجار بطبيعة الحال، لكنّه كان موجوداً قبله أيضاً. وبهذا، لا يقتصر المعرض على تصوير بيروت المنكوبة وحسب، وإنّما هو يستعيد تاريخ لبنان وواقعه كذلك.

احتجاجات بلا عنف

يرفض زوين رفضاً تاماً الربط ما بين فكرة المعرض والدعوة إلى التمرّد أو الثورة. فهو لا يدعو إلى ذلك، بل ينقل قصّة ومشاهد رآها في البلد. وقد اكتفى بنقل مشاهد وصور من الاحتجاجات التي شهدها بعد الانفجار التي كانت تحمل غضب اللبنانيين الموجود في مرحلة سابقة وما زال، علماً أنّ الصور التقطت بعد عام من بداية الانتفاضة في البلاد. هي بكلّ بساطة قصة لبنان ينقلها على طريقته. وانطلاقاً من دوره كمصور، يكفيه أن ينقل الواقع كما هو، وأن يضعه في إطار صور ومشاهد بما يسمح بتسليط الضوء عليها، لا على صعيد داخلي فحسب، بل في نطاق دولي.

بذلك، يلفت الأنظار إلى واقع لبنان. ويؤكد أنّه يحرص في الصور التي يلتقطها على عدم نقل مشاهد العنف بشكل خاص، بل إنّ تركيزه الأساسي هو على الإنسان وعلى الوجوه، للتعبير عن أفكاره ونقل الواقع كما هو، بعيداً عن مظاهر العنف، انطلاقاً من حرصه على ألاّ تتخذ نظرة العالم إلى لبنان واللبنانيين هذا المعنى، فيكون الحكم عليه على هذا الأساس. يقول زوين: "حاولت أنسنة هذه الصور ومشاهد الاحتجاجات التي نقلتها قدر الإمكان".

الصورة المفضلة

يصعب على زوين اختيار صورة واحدة مفضلة من بين كلّ تلك التي التقطها لبيروت، وضمّنها في المعرض. لكن يشير إلى صورة تعني له الكثير، وقد تكون المفضلة له، وهي صورة طفل يلف علم لبنان حول كتفيه ويدير ظهره في مواجهة حائط كُتبت عليه عبارات وأُلصقت عليه صور في الاحتجاجات في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2020. هي في الوقت نفسه حزينة، لكن جميلة بما تحمله من معانٍ؛ إذ تنقل الواقع الظالم في لبنان من خلال هذا الصبي فيها. كما كثرت المشاهد التي أثرت فيه أثناء وجوده على الأرض وسط الدمار بعد الانفجار، ومنها صور مباني بيروت المدمّرة التي تبدو مؤلمة بشكل خاص له.

إلاّ أنّ المشهد الأكثر تأثيراً فيه، نقله من خلال صورة معبّرة يشير إليها في حديثه، وهي لقاموس ملوّن صغير خاص بالأطفال مُلقى على الأرض وسط الحطام. تبدو هذه من الصور المعبّرة مؤثرة بشكل خاص له، فيمكن من خلالها تخيّل طفل أصيب، أو أيّ كارثة أخرى ترتبط بالطفولة. واللافت والمؤثر، على حدّ قوله، هو التضارب الجميل ما بين اللون الأصلي للقاموس الملوّن، والصورة التي بالأسود والأبيض وسط الدمار.

بعد مشروعه هذا، ثمة مشاريع عديدة يحضّر لها زوين في لبنان، حين قرر المكوث ليقدّم الدعم بكافة الوسائل المتاحة. ومن المشاريع الفنية التي يحضّر لها، هناك مشروع مشترك مع فنانين لبنانيين في منطقة الكرنتينا في بيروت التي تضررت إلى حدّ كبير في الانفجار، وكان قد عمل فيها لمدة شهرين كمتطوع، إذ سيعمل مع بقية المتطوعين على إعادة الألوان إلى المنطقة بتزيين جدرانها، لبثّ الحياة فيها مجدداً.

المساهمون