"فلاش" نبيل المالح... الدكتاتور يتوارى خلف النياشين

04 مارس 2025
بدأ المالح نشاطه السينمائي في سورية في عام 1963 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "فلاش" للمخرج نبيل المالح يعكس الواقع السوري تحت نظام دكتاتوري، ويستخدم رمزية بصرية لتصوير صناعة الدكتاتور، وقد عُرض في مهرجان دمشق السينمائي وشارك في مهرجانات عالمية.
- نبيل المالح، المعروف بأفلامه الناقدة لذهنية الدكتاتورية، واجه اعتراضات حكومية وصعوبات في الإنتاج والعرض، لكنه أصر على تقديم نبرة سينمائية مختلفة في المشهد السوري.
- بعد دراسته في براغ، قدم المالح أفلاماً وثائقية تناولت قضايا سورية وفلسطينية، واختار السينما للتعبير عن صوته السوري والعربي.

يبدو فيلم "فلاش" (1997، ثلاث دقائق)، للمخرج نبيل المالح (1936 - 2016)، كأنه جزء من المشهد السوري العام حالياً، إذ يروي حكاية نظام سياسي دكتاتوري ظالم يقتات على لغة الأمن والترهيب.
يحكي الفيلم عن كيفية صناعة الدكتاتور عبر الزمن، في رمزية بصرية تعتمد على الإشارة مبتعدةً عن الحوار. أنتجت "فلاش" المؤسسة العامة للسينما، وكتبه بسام كوسا وأدّى بطولته، وعُرض في الدورة العاشرة لمهرجان دمشق السينمائي عام 1997. شارك الفيلم في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية. يقوم "فلاش" على تجربة فنية معقدة اختزلت أركان الفيلم السينمائي العادي إلى أبسط مقوماته. ثلاث دقائق شكلتها تسعة مقاطع، تبدأ بصورة لرجل متشرد محاط بالظلام، يتناول سندويشة من شخص لا نرى منه إلا يده وهي توجهه بأن يسير إلى مكان محدد، ثم لا تلبث أن تظهر صورة الرجل المشرد وهو يتغير شكلاً ومضموناً. في اللقطة التالية، تزداد كمية الضوء حول الرجل، إذ ارتدى ملابس أفضل، لكنها ما زالت بسيطة وكان يراقب الناس في الشارع. وفي لقطة بعدها، تتحسّن ملابسه، وكذلك قدرته على مراقبة الآخرين. لاحقاً، يظهر في مشهد بإضاءة أوضح وملابس أفضل، ممسكاً بعصا، ويترصد بعينين ماكرتين تحركات الناس.
في كل مقطع يزيد حجم الضوء، لكن ملامح الرجل تتشوه وتغيب، والنظرة تصبح أقسى. في المقطع النهائي، تغيب ملامح الوجه تماماً في ضوء مبهر، ولا تظهر إلا نياشين المارشال على صدره، وفي يده صولجان ضخم، وتغيب الصورة تماماً، ليعود الظلام على وقع أصوات ضحكات المارشال المخيفة والمترقبة، وقد صار دكتاتوراً.
شكل الفيلم حدثاً فنياً عند عرضه، كونه قدّم رواية صامتة عن ألم يسكن في قلوب الناس، لكنهم لا يستطيعون حتى التلميح له خوفاً من بطش الطغاة. فيلم "فلاش" برمزيته يبدو استشرافاً لكيفية صناعة الدكتاتور، وكيفية انتقاله من عامة أنباء الشعب، ليمسي آلة أمنية قاهرة، وصولاً إلى تربعه على صدر الناس دكتاتوراً مهووساً بجمع النياشين. هذا جزء من تفصيل يومي يعيشه الناس في سورية حالياً، ضمن مشهد سياسي عنيف أدى إلى إنهيار نظام الأسد الدكتاتوري بعد عقود طويلة من العنف الذي مارسه على الشعب السوري.
لم تكن سينما نبيل المالح مما يقبله نظام الأسد بسهولة، لأنّ المخرج أصرّ على تقديم نبرة سينمائية مختلفة في المشهد السينمائي السوري. اقترح المالح في أفلامه تجارب وثائقية وروائية حكى فيها أفكاراً ناقدة بخطاب لاذع لذهنية دكتاتورية لا تفكر في إيجاد لغة حوار مع الآخر. كان النظام، عبر مخبريه، يعلم أن هذه الأعمال تحمل رسائل ودلالات نقد لمنظومة قمعه الفكري، لذلك كثيراً ما واجهت مسيرته السينمائية اعتراضات حكومية مختلفة، سواء من ناحية تأمين فرص إنتاجية، أو في جانب العروض السينمائية المحلية والعالمية المناسبة.

منذ عودته من الدراسة من براغ وحتى رحيله في دبي عام 2016، قدم المالح عدداً من الأفلام السينمائية التي حاكى بها الواقع السوري المأزوم الذي تعيشه البلاد. بدأ نشاطه السينمائي في سورية مع ولادة المؤسسة العامة للسينما (1963)، فقدم في الفترة نفسها أفلاماً وثائقية قصيرة، بدأها بـ"حلب عاصمة الشمال" عام 1965، تناول فيه التطور الذي تشهده سورية. وحول القضية الفلسطينية، أخرج "إكليل الشوك"، وخرج من المحلية العربية ليقدم فيلماً عن الاستعمار الأميركي والإجرام الذي مارسه في فيتنام عبر فيلم "نابالم".
من دمشق، غادر المالح إلى تشيكوسلوفاكيا ليدرس الفيزياء النووية، لكنه درس السينما. استقر فترة في اليونان وعمل في مجال السينما، إلا أنه أيقن أن صوته السوري والعربي سيكون خافتاً هناك، فعاد إلى سورية وأسّس شركة سينمائية قدم من خلالها العشرات من الأفلام الوثائقية التي خط فيها أسلوبه السينمائي.

المساهمون